في هذا الحوار، يتحدث المحلل السياسي ورئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم المنار اسليمي الذي التقته هسبريس بمؤتمر الفكر العربي بدبي، عن نجاح فلسطين في الحصول على صفة دولة مراقب غير عضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة، معددا إيجابيات هذا القرار الذي يضمن للفلسطينيين الانضمام إلى كل المنظمات الدولية بما في محكمة الجنايات الدولية ورفع شكوى ضد إسرائيل رغم أنف بريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، واصفا دولة إسرائيل بالمقاولة العسكرية الأمريكية التي ورثتها عن بريطانيا، ومتحدثا في الآن ذاته عن تغيرات قادمة بمنطقة الشرق الأوسط ستؤثر لا محالة على الصراع العربي-الإسرائيلي خاصة مع الربيع الديمقراطي وتوحد الفلسطينيين في الترحيب بهذا القرار. ما هي مميزات قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع تمثيلية فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو؟ التصويت على القرار الأممي تم داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ،هذه الجمعية التي اعتبرت منذ تأسيس منظمة الأممالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية منبرا ترافعيا للدول الضعيفة الخارجة آنذاك من وضعية الاستعمار، فتساوي الدول في التصويت داخل الجمعية العامة يعطي هذه الإمكانية التي حصل عليها الفلسطينيون، على عكس مجلس الأمن الذي يستعمل فيه الفيتو من طرف خمسة دول من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويلاحظ أن حصول الفلسطينيين على صفة دولة مراقب غير عضو جاء بالطرق القانونية ومن داخل قواعد الشرعية الدولية، فالفلسطينيون جربوا ثلاث مداخل مع إسرائيل، أولها أسلوب المقاومة الذي تمنحه لهم قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها بالكفاح، وهي من قواعد القانون الدولي، كما جربوا أسلوب المفاوضات التي أعطت في اتفاقية أوسلو (شتنبر 1993) سلطة حكومية ذاتية انتقالية لا تصل إلى درجة الدولة وتحولت إلى ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وهي اتفاقية جاءت متأثرة بالأوضاع الإقليمية التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط والخليج بعد حرب الخليج الثانية، هذه الاتفاقية التي تعرضت للعديد من الانتقادات في السنوات الأخيرة، نظرا لكونها همشت الحقوق القانونية للفلسطينيين وسعت إلى خلق وضعية جديدة ، وهي اتفاقية باتت متجاوزة حاليا بعد حصول الشعب الفلسطيني على صفة دولة مراقب غير عضو. هذه الصفة الجديدة، التي جاءت من داخل الجهاز التشريعي للأمم المتحدة (الجمعية العامة) تعيد استحضار كل القرارات والتوصيات الصادرة من طرف الأممالمتحدة بخصوص الشعب الفلسطيني وعلى رأسها القرار رقم 181، القاضي بالتقسيم والاعتراف بإسرائيل سنة 1947 . الوضعية الجديدة للشعب الفلسطيني ( دولة مراقب غير عضو) تعطي هامشا كبيرا للقيادات الفلسطينية لكي تتحرك دبلوماسيا للمرافعة على قضيتها داخل الأممالمتحدة بمخاطبة جميع الدول، كما أنها تمنح للشعب الفلسطيني إمكانية الدخول إلى جميع المنظمات التابعة للأمم المتحدة، لكن الأهم هو حماية الشعب الفلسطيني عن طريق اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، أضف إلى ذلك أن هذه الصفة الجديدة تعطي هامشا كبيرا لجامعة الدول العربية بصفتها حاملة لصفة منظمة إقليمية يمنحها ميثاق الأممالمتحدة كباقي المنظمات الإقليمية صلاحية التحرك إقليميا في الوضعيات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، بمعنى أن الصفة الجديدة تعطيها صلاحية إعادة بناء أدوات جديدة للدفاع عن دولة عربية مراقب غير عضو لازالت تحت الاحتلال . في نظرك لماذا رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية هذا القرار، بل هددت بعقوبات اقتصادية ضد فلسطين بسببه؟ تحليل السلوك الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط يبين أن إسرائيل هي مقاولة عسكرية أمريكية ورثتها عن بريطانيا، ويمكن في هذا السياق العودة إلى تحليل مضمون التقارير والتصريحات الدبلوماسية الأمريكية لمعرفة الدور الذي تلعبه إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط لفائدة الولاياتالمتحدةالأمريكية، من هنا، فإن المواقف الأمريكية الأزلية الداعمة لإسرائيل في كل سلوكياتها العدوانية ليست مفاجئة ،بل أن الفيتو الأمريكي بعد نهاية الحرب الباردة موجود لحماية إسرائيل، لهذا فشرح الموقف المعارض للولايات المتحدة من الطلب الفلسطيني لا يعود فقط إلى التخوف من لجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية ولكنه تخوف على المقاولة العسكرية التي تراقب منطقة الشرق الأوسط والخليج، وتستعمل لإعادة بناء التوازن في المنطقة لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالمساعدات الأمريكية لكل دول العالم تثير النقاش داخل الكونغرس وتستعمل فيها درجة كبيرة من المقايضات، لكن هذا لا يحدث أبدا مع المساعدات الممنوحة بسخاء لإسرائيل. لهذا فان الولاياتالمتحدةالأمريكية ستسعى إلى تعويض إسرائيل على الخسارتين اللتين لحقتا بها :العسكرية أمام حماس والدبلوماسية القانونية أمام السلطة الفلسطينية في الضفة، وسيكون هذا التعويض أولا بعقوبات اقتصادية ضد الفلسطينيين ،وهنا يبدو الدور العربي المستقبلي، وخاصة دول الخليج في التصدي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية بتمويل الاقتصاد الفلسطيني المبني على المساعدات ، وقد يكون هذا التعويض لإسرائيل ثانيا هو رفع درجة التوتر مع إيران وقيادة مغامرة عسكرية ضد المنشئات النووية الإيرانية إما بطريقة مشتركة مع إسرائيل أو بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بذلك منفردة، وهي مسألة متوقعة خلال الشهور المقبلة بعد اتضاح الرؤية في سوريا . فالهزيمة المزدوجة لإسرائيل، لن تتركها الولاياتالمتحدة تمر دون إعادة التحكم في توازنات المنطقة، فحسابات الولاياتالمتحدة ارتبكت في المنطقة بعد انزلاق أحداث الربيع العربي، وبات واضحا أن كل ما يقال عن الدراسات التوقعية للأمريكيين في المجال الاستراتيجي التي تغطي ثلاثين سنة المقبلة ليست صحيحة، فالمتغيرات تجري بسرعة وتنزلق من بين أيدي الأمريكيين الذين باتوا يواجهون الصين وروسيا وإيران وتنظيم القاعدة غير المرئي وغير المحدد جغرافيا، والذي يسابقهم الى كل المناطق التي يتدخلون فيها أو يدعمون التدخل فيها ،وقد لاحظنا بعض الاعترافات بأخطاء الدبلوماسية الأمريكية في الشهور الأخيرة. بريطانيا اشترطت على فلسطين عدم التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية مقابل التصويت عليها ،وذلك لكي لا تقدم فلسطين شكوى ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، كيف تفسر هذا الشرط؟ تعطي المادة 14 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لفلسطين بصفتها الجديدة (دولة مراقب غير عضو) صلاحية اللجوء إلى المحكمة، وليس هناك قانونيا ما يمنع ذلك ،فإسرائيل ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني كل أنواع الجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر فيها، ويتوفر الفلسطينيون على الإثباتات الكافية (وثائق وأشرطة مصورة وتصريحات مصورة ) التي تدين بسهولة القيادات الإسرائيلية، فالصفة الآن موجودة، والمحكمة لا توجد فقط لتحريك المسطرة ضد "البشير" أو المطالبة بابن القذافي، فالمدعي العام للمحكمة يمكنه المطالبة باعتقال "نتانياهو" او "ليفني" او غيرهما، ويبدو أن اللجوء في المستقبل من طرف الفلسطينيين سيجعل مصداقية هذه المحكمة ومدعيها العام على المحك بغض النظر عن رغبة بريطانيا من ضدها. في نظرك، من يرجع له الفصل في هذا القرار؟ السلطة الفلسطينية ممثلة في منظمة فتح أم حكومة حماس المقالة؟ القرار جاء أولا في إطار تغيير جذري في المنطقة العربية، فالتوازنات تغيرت ولم يعد من الممكن التعامل مع القضية الفلسطينية بنفس أدوات ما قبل الربيع العربي، فالاهتمام لم يتراجع –كما اعتقد البعض– بالقضية الفلسطينية أثناء الربيع العربي، لأن أجندة الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في العالم العربي حملت نفسا جديدا للقضية الفلسطينية، من هنا فإن قرار منح صفة دولة مراقب غير عضو ساهم فيه عمل المقاومة الذي قامت به حماس والعمل الدبلوماسي الذي قادته السلطة الفلسطينية (منظمة فتح)، فالقرار فيه عمل متوازن مابين الأجنحة الفلسطينية حماس وفتح رغم الصراع الحالي بينهما، وتوزع الدول مابين تأييد حماس وتأييد فتح ساهم في إنتاج القرار، إذ يبدو انه لأول مرة يخدم الصراع الفلسطيني –الفلسطيني الشعب الفلسطيني بالتقائية خيار المقاومة مع خيار الطلب على القانون داخل منظمة الأممالمتحدة، فنظرة الدول إلى إسلامية حماس وعلمانية "عباس" قادت إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. كيف سيكون مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي بعد هذا القرار؟ منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تحولات كبيرة، فمصر تغيرت وسوريا لن تنتج قيادة شبيهة ب"الأسد" في جميع الحالات ودور الصين وروسيا بدأ يمارس نفس الضغط الذي كان يلعبه الاتحاد السوفياتي في التوازن مع الولاياتالمتحدة خلال الحرب الباردة، وإيران دخلت إلى المنطقة ومن الصعب إخراجها منها، وبناء عليه، لا يمكن أن يظل الصراع العربي الإسرائيلي بنفس الشكل الذي كان عليه قبل انطلاق الربيع العربي، إذ لم تعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها في المنطقة ولا يمكن أن تفرض رؤيتها بطريقة منفردة في منطقة الشرق الأوسط ، فتسارع الأحداث سيجعل الولاياتالمتحدة أكثر واقعية، كما أنه سيلجم المغامرات العدوانية الإسرائيلية غير المحدودة في المنطقة، فالقاعدة الأساسية التي تحكم المنطقة العربية ومنها منطقة الشرق الأوسط باتت تنطبق عليها قاعدة تجريبية مستمدة من تاريخ الثورات العالمية، وهي أن تاريخ الشعوب هو تاريخ نضال وأن الشعوب تدخل إلى المواطنة من اجل أن تستريح من النضال لتعاود الطريق من جديد، كما أن إسرائيل تحارب الشعب والعقيدة ولا توجد أية دولة عبر التاريخ هزمت الشعب أو العقيدة.