في ظل غياب تامّ لقوات الأمن، باستثناء بعض العناصر المصطفّة على جنبات السياج الحديدي لحديقة البرلمان، انطلق تخليد الذكرى الثانية لحركة 20 فبراير، بوقفة قبالة البرلمان في العاصمة الرباط، رُفعتْ خلالها نفس الشعارات التي رفعتها الحركة منذ انطلاقتها الأولى قبل سنتين، والتي تنادي بإسقاط الفساد والاستبداد وبالكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وعرفت وقفة أمس، التي انضمّ إليها معطلو محضر عشرين يوليوز، ترديد شعارات منتقدة لسياسة حكومة ابن كيران، حيث ندّد المشاركون في الوقفة بالزيادة التي طالت أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية، كما حضر مصطلح "التماسيح والعفاريت"، الذي دأب رئيس الحكومة على استعماله، حيث وصف المحتجون ابن كيران ب"أكبر عفريت وأكبر تمساح". من بين الشعارات الأخرى التي رُفعت أثناء الوقفة، شعار الفصل بين الثروة والسلطة، والمطالبة بدستور ديمقراطي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كما طالب المحتجون الدولة ب"تقديم اعتذار رسمي وعلني للضحايا وللمجتمع". وعلى وقْع الشعارات الحماسية، تحوّلت الوقفة الاحتجاجية إلى مسيرة انطلقت من أمام البرلمان في اتجاه البريد، حيث سار المشاركون في المسيرة جنبا إلى جنب مع السيارات، التي لم يتم منعها من المرور في الشارع كما يحصل عادة أثناء المسيرات الاحتجاجية. وكان لافتا، تواجد ثلاثة أشخاص، وصفهم أحد المشاركين في المسيرة ب"بلطجية المخزن"، كانوا يحملون لافتة كُتب عليها "جبهة البوليزاريو تشكر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحركة 20 فبراير لمساندتهم في قضية كديم إزيك"، ووقعت بعض الملاسنات بين الأشخاص الثلاثة وبين بعض المشاركين في المسيرة. وقال محمد العوني، منسق المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، في تصريحات لهسبريس، إن استمرار الحركة في رفع نفس الشعارات تأتي في سياق المطالبة بأن تكون الاستجابة لمطالب الشعب كاملة وشاملة، وذلك عبر إعادة توزيع السلطة والثروة وإسقاط الفساد والاستبداد. وأضاف العوني، أن تعامل الدولة مع الاستجابة للمطالب السياسية والاجتماعية التي رفعتها الحركة، خلال السنتين الماضيتين، تميّزت بالتقصير، وبالالتفاف من طرف الدولة، وذلك عبْر نهج نفس الأساليب التي كانت تستعمل قبل نشوء حركة 20 فبراير، حيث تسوّق السلطة لخطاب يوحي بوجود استجابة وتعامل إيجابي مع المطالب الشعبية، ولكن التعامل على أرض الواقع ما يزال كما هو. وبخصوص ما إن كانت الدولة قد استجابت لبعض مطالب الحركة، قال العوني، إنّ هناك بعض الإشارات، "لكن التغيير لا يأتي بالإشارات، ولا بالحلول الجزئية ولا بالوعود، وإنما يأتي بسياسة متكاملة تتبلور عن نقاش وطني، بين جميع الفاعلين"، مشيرا إلى أن أهمّ مكسب تحقق لحدّ الآن هو الرفع من سقف حرية التظاهر، حيث لم يعد التظاهر في الشارع يحتاج إلى الترخيص، كما كان عليه الحال من قبل، "وهذا حق انتزعه الشعب المغربي، حيث أصبحت فئات عريضة من الشعب تتظاهر وتعبّر عن أفكارها ومطالبها، وإن كان هناك قمع، لكنه لم يعد كما كان من قبل، إضافة إلى أن الحركة ساهمت في إسقاط جدار الخوف في نفوس المواطنين، بعدما صارت القضايا الكبرى التي لم تكن تثار في السابق، إلا داخل الصالونات المغلقة، مثل فصل السلط، ومناقشة اختصاصات وصلاحيات المؤسسات الدستورية بكل حرية، وغيرها من القضايا، معرّضة الآن للنقاش العمومي"، يقول العوني. وحول سؤال بخصوص ما إن كانت الحركة ما تزال تتمتع بثقل شعبي يجعل الدولة مرغمة على الاستجابة لمطالبها، ردّ العوني قائلا، إنه لا ينبغي الحكم على الحركة من خلال تظاهرة معينة في يوم واحد، مضيفا أن "الحركة لها نفس طويل لأن التغيير هو مسار متعرج ومعقد وفيه عدد من المحطات، إضافة إلى أن الحركة، على المستوى العددي، ليست بالشكل الذي يقدمها به الراغبون في اغتيالها معنويا". إلى ذلك أوضح منسق المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، "أنّ الأهمّ هو انطلاق حركة موازية لحركة 20 فبراير على صعيد مختلف ربوع المغرب، تطالب بالحقوق الأساسية للشعب في مختلف جوانب الحياة، وهي مطالب أصبحت ترفع في القرى والبوادي، وهو ما لم يكن يحصل من قبل، وهذا زخم دشنته الحركة ولا يجب نسيانه". وعلى الرغم من التفاؤل الذي أبداه العوني، بخصوص قدرة الحركة على انتزاع مزيد من المطالب، إلا أنه لم يُخْفِ قلقه من وجود جهات تقاوم التغيير، قائلا، إن "الاستجابة لمطالب الحركة رهينة بموازين القوى، إذْ إنّ ذوي المصلحة لهم قوّتهم، ومافياتهم ولوبياتهم، ويقاومون بما يستطيعون القيام به لحبس أي مدّ يتجه نحو التغيير، وما زالت لهم قوتهم، لكنها تزعزعت وأصيبت باختلالات كبرى بعد انطلاق حركة 20 فبراير، ولكنهم بدؤوا يحاولون العودة بعد خفوت التظاهر، وليس خفوت الحركة، ولكنهم لن يستطيعوا العودة أبدا إلى ما كان عليه الأمر من قبل". في السياق ذاته، وفي إطار الاستجابة لمطالب الحركة، قال العوني إن حركة 20 فبراير تريد تغييرا هادئا وسلميا، داعيا الدولة إلى أن تكون على وعْي بذلك، "لأن هذه الحركة الاجتماعية القوية، ذات الطابع السلمي الديمقراطي، ليست هي الوحيدة في المجتمع، إذ هناك تعبيرات أخرى قد تخرج وترفع مطالب متطرفة، ونحن لا نريد أن يحصل ذلك"، داعيا الدولة إلى فتح حوار وطني يضمّ القوى التي تريد أن يتقدم المغرب بشكل سلمي، وأن يحدث التغيير في إطار ثورة هادئة، "وإلا، حسب المتحدث ذاته، فإنّ المستقبل قد يخبئ أمورا لا نريدها، لكنها قد تقع، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وإذا لم تجب الدولة على مطالب ناضجة، سلمية عقلانية، مرتبطة بالجماهير، التي تريد التغيير بكلفة بسيطة، قد تبحث عن جواب لمطالب متطرفة، ولن تجد ربما إمكانية للجواب عليها، بعد أن يكون الأوان قد فات".