رسمياً | محمد بنجلون التويمي رئيساً لمقاطعة مرس السلطان    "فيفا" يعلن تواريخ "كأس العرب"    إضراب كتاب الضبط يؤخر قضية "مومو" إلى الأسبوع المقبل    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    رغم تسجيل أعراض جانبية ومنعه في عدة دول… وزارة الصحة تستمر في عرض بديل دواء "الهيموغلوبين"    استعدادا للصيف.. الترخيص ل 52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب 3 بالمائة في 2024    ب910 مليون دولار.. طنجة تيك تستقطب عملاقين صينيين في صناعة السيارات    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ نحو 2000 عام    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    أمريكا تشجع دولا عربية منها المغرب على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    استثمارات صينية ب 910 ملايين دولار في "طنجة-تيك" تخلق 3800 منصب شغل    التقدم والاشتراكية: أجوبة أخنوش بالبرلمان غير واقعية ومليئة ب"الاستعلاء"    طاقات وطنية مهاجرة … الهبري كنموذج    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ضبط 11 كيلوغراما من الكوكايين في الناظور.. مقدم شرطة يقع في قبضة العدالة    قصيدة: تكوين الخباثة    بوصلة السوسيولوجي المغربي الخمار العلمي تتوجه إلى "المعرفة والقيم من الفردانية إلى الفردنة" في أحدث إصداراته    منظمة حقوقية تدخل على خط ملف "الأساتذة الموقوفين"    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    المنتخب المغربي للفتيات يقصد الجزائر    الجديدة: حجز 20 طنا من الملابس المستعملة    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    بلاغ جديد وهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    احتدام المعارك في غزة وصفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار    عملاق الدوري الإنجليزي يرغب في ضم نجم المنتخب المغربي    تكلفة المشروع تقدر ب 25 مليار دولار.. تأجيل القرار الاستثماري النهائي بشأن أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    رسالتي الأخيرة    بلينكن في كييف والمساعدات العسكرية الأمريكية "في طريقها إلى أوكرانيا"    كيف يعيش اللاجئون في مخيم نور شمس شرق طولكرم؟    الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    ميراوي يجدد دعوته لطلبة الطب بالعودة إلى الدراسة والابتعاد عن ممارسة السياسة    المغرب يجدد رفضه التهجير القسري والعقاب الجماعي للفلسطينيين    الأمثال العامية بتطوان... (598)    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    هذا الجدل في المغرب… قوة التعيين وقوة الانتخاب    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشام .. بين بركات السماء وإفساد الأشقياء
نشر في هسبريس يوم 23 - 03 - 2013

حين نتحدث عن الشام فإننا نتحدث عن قطعة من هذه البسيطة تحددت جغرافيا عند المؤرخين العرب؛ كياقوت: بطول يمتد من الفرات إلى العريش المتاخم للدّيار المصريّة، وأمّا عرضها فمن جبلي طيّء في الحجاز إلى البحر الأحمر (الأبيض المتوسط).
وتشمل بالمفهوم الحديث كل من: فلسطين الأصلية وسورية ولبنان والأردن.
وفي كثير من الأحيان يطلق على الشام، دمشق لأنها عين بلاد الشام، كما يطلق على القاهرة مصر. ودمشق من أقدم مدن العالم.
هذه البقعة من الأرض بقعة مباركة، وقد وصفها بذلك خالقها سبحانه في خمس آيات؛ وهي على ترتيب سور المصحف:
قوله تعالى: في قصة موسى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ إنَّمَا أُورِثُوا مَشَارِقَ أَرْضِ الشَّامِ وَمَغَارِبَهَا، بَعْدَ أَنْ أُغْرِقَ فِرْعَوْنُ فِي الْيَمِّ".
و قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} قال: "وَحَوْلَهُ: أَرْضُ الشَّامِ".
وقوله تعالى فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء) "وَمَعْلُومٌ أَنَّ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا نَجَّاهُ اللَّهُ وَلُوطًا إلَى أَرْضِ الشَّامِ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ وَالعراق.
وقوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (الأنبياء) وَإِنَّمَا كَانَتْ تَجْرِي إلَى أَرْضِ الشَّامِ الَّتِي فِيهَا مَمْلَكَةُ سُلَيْمَانَ.
وقَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ سَبَأٍ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} (سبأ).
وَهُمَا كَانَا بَيْنَ الْيَمَنِ مَسَاكِنِ سَبَأٍ وَبَيْنَ مُنْتَهَى الشَّامِ مِنْ الْعِمَارَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا قَدْ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ".
وأسباب هذه البركة كثيرة؛ وعلى رأسها أن الأنبياء (خيرة الخلق) كلهم من الشام؛ قال ضمرة بن ربيعة: "سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام، فإن لم يكن فيها أسري به إليها"، والشام هو مهاجَر إبراهيم، ومَسْرَى محمد عليهما الصلاة والسلام، وَمِنْهَا مِعْرَاجُهُ، وفِيهَا الطُّورُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وفيها الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ..
ومن أعظم أسباب بركة هذه القطعة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لها بالبركة: "اللهم بارك لنا في شامنا" متفق عليه.
ومعنى البركة: ثبوت الخير وكثرته، وبركة الشام قسمان: بركة في أمور الدين وبركة في أمور الدنيا:
أما البركة في أمور الدين؛ فمنها بالإضافة إلى ما سبق؛ أن نور النبي صلى الله عليه وسلم سطع إليها عند ولادته حتى أشرقت قصورها منه:
عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك؟
قال: "نعم؛ أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نور أضاء لها منه قصور الشام" [سلسلة الأحاديث الصحيحة]
ومن بركات الشام الدينية أن بها الطائفة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تبقى متمسكة بالحق:
عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» قال معاذ: وهم بالشأم.
قال شيخ الإسلام: "بِهَا طَائِفَةً مَنْصُورَةً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ: {لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} وَفِيهِمَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: "وَهُمْ فِي الشَّامِ". وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ: "وَهُمْ بِدِمَشْقَ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ} قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: أَهْلُ الْمَغْرِبِ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ.
وَهُمْ كَمَا قَالَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي سَائِرِ الْحَدِيثِ بَيَانَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ الثَّانِي: أَنَّ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ مَدِينَتِهِ فِي " أَهْلِ الْمَغْرِبِ " هُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمَنْ يُغَرِّبُ عَنْهُمْ. كَمَا أَنَّ لُغَتَهُمْ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ هُمْ أَهْلُ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ؛ فَإِنَّ التَّغْرِيبَ وَالتَّشْرِيقَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَكُلُّ بَلَدٍ لَهُ غَرْبٌ قَدْ يَكُونُ شَرْقًا لِغَيْرِهِ وَلَهُ شَرْقٌ قَدْ يَكُونُ غَرْبًا لِغَيْرِهِ. فَالِاعْتِبَارُ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ غَرْبًا وَشَرْقًا لَهُ حَيْثُ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ"اه.
ومن بركاتها في أمور الدين أن الإيمان يكون بها عند وقوع الفتن:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أَلا إِنَّ الإِيمَانَ -إِذَا وَقَعَتِ الفتن- بالشام" [أخرجه الحاكم وصححه].
وبسبب هذه البركة تبسط الملائكة أجنحتها:
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للشام» قلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» [رواه الترمذي وحسنه]
وبسبب هذه البركة رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في سكنى الشام:
عن ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم (جَمْعُ غَدِيرٍ وَهُوَ الْحَوْضُ) فإن الله توكل لي بالشام وأهله». [رواه أحمد وأبو داود]
قلت: ومنه ذهب غير واحد من أهل العلم إلى استحباب سكنى الشام والانتقال بالذرية والعيال إلى معاقلها.
والقسم الثاني: البركة الدنيوية وهي داخلة في معنى الآيات المتقدمة
قال القرطبي: "وقيل لها مباركة؛ لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها".
قلت: وقد ألف في هذا الباب؛ الشيخ تقي الدين ابن البدري (ت.894 ه) كتابه: "نزهة الأنام في محاسن الشام"؛ وصف فيه محاسن وجماليات الشام تاريخيا وحضاريا ومعماريا وجماليا وزراعيا.
وأعظم بقاع الشام بركة من الناحية الدنيوية: دمشق؛ قال ياقوت عن الغوطة: "هي الكورة التي منها دمشق، .. وهي بالإجماع أنزه بلاد الله وأحسنها منظرا، وهي إحدى جنان الأرض الأربع"اه.
وأعظم بقاع الشام بركة من الناحية الدينية؛ المسجد الأقصى:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن (هو حبل) فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس؛ خير له من الدنيا جميعا". [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني]
وهو من المساجد التي شرع شد الرحال إليها:
عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" [متفق عليه]
لقد كانت ثروات وبركات بلاد الشام من أهم أسباب التنافس عليها من فئام من البشر، قبل الإسلام وبعده، ومن ذلك: استهداف فلسطين من طرف الصهيونية التي كرست الاحتلال اليهودي، ومنه: استهداف الشام عموما وسوريا خاصة بحملات صليبية وإمبريالية في القديم والحديث؛ وقد كانت فرنسا أشد الدول طمعا في خيرات البلاد الشامية في الغزو الصليبي الأول في أواخر القرن العاشر الميلادي ثم في الغزو الصليبي المعاصر الذي اقتسم بلاد الإسلام في اتفاقية (سايكس بيكو) ووعد (بلفور) ومؤتمر (سان ريمو).
كان الشام من نصيب فرنسا التي شرعت في توسعها الإمبريالي باحتلال الجزائر منذ سنة (1830) ثم المغرب وتونس، ثم بلاد الشام (سوريالبنان).
وقد ذكر مؤرخ الشام الأستاذ كرد علي صفحات قاتمة من هول ما صنعه الفرنسيون في الشام وشمال أفريقيا؛ من ذلك قوله في مذكراته (3/736): "من أفظع أنواع الاستعمار: الاستعمار الفرنسي؛ فقد قام في كل قطر احتلته فرنسا؛ على نزع الثروة من أيدي الوطنيين، وعلى نشر الجهل والفساد بينهم، وعلى تربيتهم على خنوع وذلة ليكون لها منهم إلى الأبد عبيد وخول يؤمرون فيطيعون بدون أخذ ورد، قرأت منذ نشأت كثيرا من كتب الثقات من الفرنسيين في نقد سياسة فرنسا في مستعمراتها الإسلامية، وتدبرت تلاعب ساستهم في تلك الأقطار فما شهدت – شهد الله – إلا الظلم المجسم وإرهاق الخلق باسم المدنية"اه.
ثم ذكر مذبحة الجزائر في سنة (1945)، ونقل رسالة الجنرال الفرنسي (ديغول) إلى المفوض الفرنسي في سوريا ولبنان يأمره أن يدمر ثلثي سوريا لتوطيد سلطان فرنسا عليها.
ولم يقف عدوان المستعمر الفرنسي على القتل والهدم والتدمير؛ بل فعلوا ما هو أعظم؛ حيث زرعوا بذور الفتنة الطائفية لإحياءها متى استدعى الأمر، وشنوا حملة تغريبية خطيرة استهدفت الأخلاق وشجعوا الانحرافات السلوكية من خلال الفن والإعلام وإفساد مناهج التعليم.
واستهداف أهل الشام بالإفساد؛ هو استهداف للأمة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم". رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح
كما أبرز الأستاذ "كرد علي" أن فرنسا عاملت مستعمراتها بازدواجية جمعت بين القول الناعم وادعاء الحضارة والتمدن والمدنية، وفي الفعل والممارسة؛ تتعامل بكبر ووحشية وكراهية منقطعة النظير، وقد بين أن المفوض الفرنسي لم يستح أن يقول له: "المسلمون كلهم بهائم".
ومن جناية الفرنسيين على بلاد الشام؛ تحريض النصارى وتقويتهم ضد المسلمين.
ومن جنايتهم: إفساد الحياة السياسية والدفع إلى سدة الحكم والتدبير بولاة ورؤساء وصفهم كرد علي بقوله: "همهم الثبوت على كراسيهم، وجلب المصالح لأنفسهم ومن يدور في فلكهم، وإضاعة شعائر الدين أو في أحسن الأحوال عدم الاكتراث بها، وعدم تطبيق شرع الله في الناس وفي أنفسهم، والاختلاس من مال الدولة، وتقريب غير أولي الكفاءات، ومحاولة إبعاد كل ذي علم أو كفاءة أو إخلاص، واستثقال وجودهم ..، إلى آخر ما ذكره من أمور" [المذكرات].
وقال عن حكم أحد هؤلاء؛ وهو "حسني الزعيم" مبينا مسوغات الثورة السورية آنذاك: "حكومة الجمهورية أصبحت بأخرة حكومة تخريب ولصوصية؛ فبما ارتكبته من المساوئ تردت الأخلاق وعمت الفوضى، فكان من اتجروا بالوطنية زمنا وبها باعوا واشتروا وجعلوها وقفا مؤبدا عليهم يسرقون الدولة بأسلوب مفضوح مخجل، كانوا من قبل يسرقون الألوف فأصبحوا يسرقون بمئات الألوف ولا يشبعون ولا يكفون، وكيف لا يسرقون ورئيس الجمهورية يستهدي النواب على ما قيل ويهدي هو لمن يريد استتباعهم من مال الأمة؟ ويفرض بعض الوزراء على كل رئيس حكومة يعهد إليه بتأليف وزارة.
ومن الغريب أن من كان يقدسهم ظهرت سيئاتهم في الدور الجديد لما جرى حسابهم فكانوا من أكبر الخونة واللصوص، وزور في انتخاب النواب من حزبه وزور في انتخابه ثانية للرياسة، وبذلك خان الدستور الذي لا يجيز انتخاب الرئيس مرتين إلا إذا تخللهما رئيس آخر، ومما يؤخذ عليه اصطناع السفلة والأوغاد، يغدق عليهم الأموال والعطايا، ويختصهم بالامتيازات والإعفاءات الرابحة، ويوزع عليهم قسطا عظيما من الحنطة والأرز والسكر وغير ذلك من الحاجيات، وفقراء الأهلين بل المتوسطون منهم لا يصلون إلى حاجتهم منها إلا ببذل الكثير واستكثر الرئيس من الموظفين الفاسدين ومنهم أهله وأبناء حزبه يجود على بعضهم بعدة رواتب من دون أن يكون لهم عمل ظاهر، وفيهم الأميون الذين ما دخلوا كُتّابا حياتهم، فضخمت الموازنة حتى بلغت ضعفي ما كانت، والمجلس يقرر له الاعتمادات بالملايين دون أن يعرف وجوه صرفها، وكان بعض من ولوا الوزارة ممن لم تسبق لهم خدمة في الحكومة من الطبقة المحدودة عقولها ومعارفها، فتسلط أهلهم وأنصارهم على الناس، وهتكوا الأعراض واستصفوا الأرض من مالكيها، وكان أبدا متمسكا بهم حتى إن أحد رؤساء وزارته الذي ضجت البلد من سوء إدارته، وعلت الأصوات من إضاعته الحقوق، لم يتخل عنه رئيس الجمهورية حتى اندلع لسان الثورة وأهرقت دماء الأبرياء"اه
وبعد سلسلة من الانقلابات جاء آل الأسد على متن ما سموه: (الحركة التصحيحية)؛ وها نحن اليوم نكتوي بنيران هذا التصحيح المزعوم.
ومما تتعين معرفته؛ أن هؤلاء المفسدين ينتمون إلى الطائفة النصيرية الباطنية، وهي من أخطر طوائف الشيعة، وأشدها نكاية بالأمة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية ضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع، وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار.
ولهم في معاداة الإسلام وأهله؛ وقائع مشهورة وكتب مصنفة، فإذا كانت لهم مكنة سفكوا دماء المسلمين؛ كما قتلوا مرة الحُجاج وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة، وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى.
هذه الطائفة الملعونة استولت على جانب كبير من بلاد الشام.
ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم، وهم دائما مع كل عدو للمسلمين؛ فهم مع النصاري على المسلمين.
فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل، ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره؛ ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين الشهيد، وصلاح الدين وأتباعهما، وفتحوا السواحل من النصارى، وفتحوا أيضاً أرض مصر، فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة، واتفقوا هم والنصارى، فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد، ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.
ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم؛ فإن منجم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو [النصير الطوسي] كان وزيرا لهم، وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء.
ولهم [ألقاب] معروفة عند المسلمين: تارة يسمون [الملاحدة] ، وتارة يسمون [القرامطة] ، وتارة يسمون [الباطنية]، وتارة يسمون [الإسماعيلية]، وتارة يسمون [النصيرية]، .. وهم كما قال العلماء فيهم: ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض"اه.
قلت: وقد ظل آل الأسد أوفياء للمشروع الاستعماري الكبير؛ ألا وهو علمنة العالم الإسلامي، كما وفّى بذلك بورقيبة وبن علي في تونس، ووفت به المؤسسة العسكرية في الجزائر، ولوبيات الفساد في المغرب التي نحت منحى منحرفا عن ثوابت المغرب الحديث التي وضعها الملك المجاهد محمد الخامس رحمه الله تعالى والصادقين ممن شاركوه جهاد المقاومة من النخبة ومن عموم الشعب.
وفي هذا الصدد؛ قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث خاص أدلى به لقناة "روسيا اليوم": "أعتقد أن كلفة الغزو الأجنبي لسورية، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، خصوصا وأننا المعقل الأخير للعلمانية" ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.