المدير العام للأمن الوطني يتقلَّد وسام الصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    مستشارو جلالة الملك يعقدون اجتماعا مع زعماء الأحزاب الوطنية لتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي    دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة يندرج ضمن دينامية إصلاحات عميقة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك (أخنوش)    عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    الجزائر ‬تجرب ‬جميع ‬أوراقها ‬في ‬مواجهة ‬الانتكاسات ‬الدبلوماسية ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تتعدد التنظيمات الإسلامية؟
نشر في هسبريس يوم 10 - 04 - 2013

إن من لم يطلع على بدايات الحركة الإسلامية يقع في نفسه أن تنظيماتها كباقي التنظيمات الحزبية الساعية إلى امتلاك السلطة باتباع وسائل شتى، وما يؤكد هذه الفرضية عند أصحابها أن الحركة الإسلامية تتوسل في واقعها بما تتوسل به باقي الأحزاب من إحداث نقابات وجمعيات ونواد ومنظمات... كما تشترك معهم في دخول حمى الانتخابات وما يستتبع ذلك من عقد التحالفات حتى مع تنظيمات هي أقرب إلى اللائكية منها إلى الإسلام، كما لا تختلف عن غيرها في استعراض قوتها باتباع نهج النزول إلى الشارع من خلال المسيرات الجماهيرية، وإقامة الوقفات الاحتجاجية، والدعوة إلى المهرجانات الخطابية...
إن من ينحصر نظره في مراقبة الأشكال، ويغيب عنه التفكر في بواعث انخراط الأخ الملتحي والأخت المتحجبة في حمأة التدافع السياسي، وفي طرق التجميع في التنظيم الإسلامي، وفي المشروع المجتمعي المراد تنزيله.. لا شك أنه يخرج بأحكام بعيدة عن الصواب لفساد مقدماته؛ وعدم اكتمال تصوره للتنظيم الإسلامي، وقد قال أهل المنطق قديما: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره".
وما زال المراقبون من خارج الصف الإسلامي يجتهدون في تصنيف تنظيمات الحركة الإسلامية ويودون أن لو تعلن عن نفسها إما حركة تربوية دعوية لا علاقة لها بالسياسة، أو هي تنظيما سياسيا علاقته بالدين كعلاقة باقي التنظيمات الحزبية به، ومتى حصل ذلك في زعمهم فلا حاجة عندها لمفردة "الحركة الإسلامية" المثيرة للفتن، والمصنفة للقوى السياسية على أصل ديني قد ينذر بحرب أهلية مرتقبة عاجلا أو آجلا.
إن مقدمات العمل الإسلامي – كانت ولا تزال- أصول مؤسسة على محكم الكتاب وأحاديث خير الخلق أجمعين عليه أفضل الصلاة والتسليم. يلهي محترف السياسة النظر إلى الوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومزاحمة الإسلاميين إياه في الميدان، فيغفل عن أن أول حركتهم توبة وأوبة إلى الله عز وجل، لذا تجده يصف حركتهم "بالإسلام السياسي" غافلا عن مناهجها التربوية، ومسابقة أبنائها إلى المساجد منذ أول العهد على الطريق، ويأتي العمل السياسي بعدها تاليا إلا أن يتضخم عند تنظيم إسلامي فتخبو التربية في قلوب أبنائه، وتصبح الشريعة صنو الإيديولوجيا عند غيرهم من التنظيمات.
إن العمل الإسلامي فرار إلى الله عز وجل، وتوبة وأوبة إليه، وطلبٌ للعفو منه، وخوف من عقابه، ورجاء في مغفرته، لذا تجد أن من أولويات هموم التنظيم الإسلامي أن يسلك بنوه درب الصلاح والتقى، والتقرب من العلي الرحيم بالفرض والنفل. لا يترك الأمر مواعظ وخطابات في المناسبات، بل برامج تربوية جماعية وفردية علَّ المنتظم في الصفوف يستعين بها في مجاهداته ضد وساوس الشيطان وشهوات النفس، قبل أن يخرج بنظام الصف لمواجهة السلطان إن كان معتديا على حدود الله، منتهكا لحرمات الله، مستبدا على عباد الله، ومستأثرا بثروات البلاد. وعندها يكتمل الجهاد بكونه جهادا في سبيل الله.. والمستضعفين.
إن ولادة الحركة الإسلامية واستمرارها لا يمكن حصرهما في كونهما مجرد رد فعل على واقع عربي وإسلامي مترد، بل هو قبل ذلك استجابة للنداء الرباني في مثل قوله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون" آل عمران: 104، ولا ينتظر من المرء أن يكون عالما بأسرار اللغة العربية حتى يعلم أن لفظة "ولتكن" دالة على الوجوب، وأن الفلاح في الآخرة شرطه الاستجابة لمثل هذا النداء.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما خص الله عز وجل بهما الرجال دون النساء، بل "الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم" التوبة: 71 .
في الآية الكريمة دلالة على أن رحمة الله العزيز الحكيم تغشى من جمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، لا من فرق بين المسجد والسياسة، بين الدعوة والدولة كما ود محرفو الكلم عن مواضعه.
ولعل المرء يتساءل: أي صف إسلامي يتحدث عنه والحركة الإسلامية في تعدديتها التنظيمية قد تجاوزت المعقول، فأين هي الفرقة المهتدية الواجبة نصرتها، ومن هي الفرق الضالة الواجبة محاربتها؟
وما بهذا المنطق وجب التفكير ولا التدبير، فتنظيمات الحركة الإسلامية تعلن في كل حين أنها جماعات من المسلمين لا جماعة المسلمين، وإنما الخلاف بينها حول أمور اجتهادية، لذا فإن أبناء الصف الإسلامي يجتمعون حول أصول، ويفترقون على أمور:
يجتمعون على أن الواقع الذي يعيشونه واقع فاسد، ويفترقون في توصيفه ما بين مجتمع إسلام أو مجتمع جاهلية أو مجتمع فتنة.
ويجتمعون على أن العمل التنظيمي سنة نبوية تسند بآي الكتاب وواقع الحال، ويفترقون في كيفية تصور هذا التنظيم بناء، وسلم إمارة، وكيفية تدبير.
ويجتمعون على أن الحاكم يلزمه الحكم بما أنزل الله، ويفترقون في الواجب عمله إن كان الحاكم غير عامل بالتنزيل.
ويجتمعون على أن الإصلاح والتغيير أمر ضروري، ويفترقون حول مداخله ومراحله.
ويجتمعون على أن العمل السياسي من الدين، ويفترقون أهو من أصوله أو فروعه.
ويجتمعون على أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ويفترقون في تحديد ماهيته وكيفيته ووسائله.
ويجتمعون على أن الشورى من نصوص الذكر الحكيم، ويفترقون في اعتبارها ملزمة أو معلمة.
ويجتمعون على القبول بالمشاركة السياسية، ويفترقون في تحديد شروطها وظروفها.
ويجتمعون على أن الإسلام دعوة ودولة، ويفترقون حول تصور شكل هذه الدولة.
ويجتمعون على أن الاجتهاد ضرورة في واقع مفارق لواقع التنزيل، ويفترقون في مسائله وأولوياته وأصوله وفروعه.
ويجتمعون على أن تاريخ الإسلام هو غير تاريخ المسلمين، ويفترقون في اعتبار تاريخ المسلمين تاريخا بنى فيه اللاحق على مكتسبات السابق، أم هو تاريخ انكسارات غيرت المسار منذ زمن مبكر.
ويجتمعون على أن الحداثة الغربية كسب إنساني يمكن الإفادة منه، ويفترقون حول حدود هذه الاستفادة ومقاديرها وكيفيتها.
ويجتمعون على أنه لا بد من التعامل مع الواقع الدولي، ويفترقون حول ضرورة وزنه بالميزان الفقهي المتوارث بأن هناك دار إسلام ودار كفر، أو الواجب تغيير الميزان وإقامة التمايز بين أمة الدعوة وأمة الاستجابة...
إن ما يجتمع عليه ويتفق هو ما يضفي على تنظيم ما انتماءه إلى مفهوم الحركة الإسلامية، وما يفترق حوله ويختلف هو سبب تعدد التنظيمات الإسلامية واستقلال بعضها عن بعض. وما زال النقاش بين مكونات الحركة الإسلامية يخبو أو يتصاعد في كل هذه الأمور؛ حتى تنشأ تحالفات بين تنظيمين إسلاميين أو أكثر تنتهي مع الزمن بالوحدة الاندماجية؛ أو يحصل التنافر بينها إلى أن يصل إلى حدود تبادل الاتهامات، واستعمال العنف المادي تجاه بعضها البعض.
فمن ادعى تمثيله لكل التنظيمات الإسلامية رغما عنها، فقد ادعى محالا. ومن رفض التعدد في الصف الإسلامي فقد قصر عن فهم مقاصد الشرع ومسارات التاريخ وسياقات الواقع. ومن جمع كل التنظيمات الإسلامية في عنوان واحد فقد عمَّى على نفسه وعلى غيره، ووسم أحكامه بالتعميم والتجريد والغلط الذي لا يفيد.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.