هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري (فيديو)    لاعبو بركان يتدربون في المطار بالجزائر    دراسات لإنجاز "كورنيش" بشاطئ سواني    أمن مراكش يوقف شقيقين بشبهة النصب    ندوة تلامس السياق في الكتابات الصوفية    ما الذي قاله هشام الدكيك عقب تأهل المغرب المستحق إلى كأس العالم؟    بانتصار ساحق على ليبيا.. المغرب يبلغ نهائي كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة ويضمن التأهل للمونديال    المغرب يسعى لاستقطاب مليون سائح أمريكي سنويا    إعلام عبري.. نتنياهو صرخ في وجه وزيرة خارجية ألمانيا: نحن لسنا مثل النازيين الذين أنتجوا صورًا مزيفة لواقع مصطنع    إطلاق الرصاص لتوقيف شخص عرّض أمن المواطنين وسلامة موظفي الشرطة لاعتداء جدي ووشيك باستعمال السلاح الأبيض    المكسيك – موجة حر.. ضربات الشمس تتسبب في وفاة شخص وإصابة العشرات    طقس السبت.. أمطار رعدية ورياح قوية بهذه المناطق من المغرب    نقابة: نسبة إضراب موظفي كتابة الضبط في دائرة آسفي فاقت 89% رغم تعرضهم للتهديدات    طلبة الصيدلة يرفضون "السنة البيضاء"    الجدارمية د گرسيف حجزوا 800 قرعة ديال الشراب فدار گراب بمنطقة حرشة غراس    العرض السياحي بإقليم وزان يتعزز بافتتاح وحدة فندقية مصنفة في فئة 4 نجوم    وزير الفلاحة المالي يشيد بتقدم المغرب في تدبير المياه والسدود    مسؤول بلجيكي : المغرب وبلجيكا يوحدهما ماض وحاضر ومستقبل مشترك    صلاح السعدني .. رحيل "عمدة الفن المصري"    المغرب وروسيا يعززان التعاون القضائي بتوقيع مذكرة تفاهم    وزارة التجهيز والماء تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر بسبب هبوب رياح قوية وتطاير الغبار    الأمثال العامية بتطوان... (577)    تسجيل حالة وفاة و11 إصابات جديدة بفيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي    المعرض الدولي للكتاب.. بنسعيد: نعمل على ملائمة أسعار الكتاب مع جيوب المغاربة    خاص..الاتحاد ربح الحركة فرئاسة لجن العدل والتشريع وها علاش الاغلبية غاتصوت على باعزيز    ها أول تعليق رسمي ديال إيران على "الهجوم الإسرائيلي"    الوكيل العام يثبت جريمة الاتجار بالبشر في ملف التازي وينفي التحامل ضده    "لارام" و"سافران" تعززان شراكتهما في صيانة محركات الطائرات    مؤشر ثقة الأسر المغربية في وضعها المالي يتحسن.. وآراء متشائمة في القدرة على الادخار    تعرض الدولي المغربي نايف أكرد للإصابة    بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    "إعلان الرباط" يدعو إلى تحسين إدارة تدفقات الهجرة بإفريقيا    مجلس النواب يعقد جلسة لاستكمال هياكله    ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران    موعد الجولة ال27 من البطولة ومؤجل الكأس    طوق أمني حول قنصلية إيران في باريس    المكتب التنفيذي ل"الكاف" يجدد دعمه لملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030    بسبب فيتو أمريكي: مجلس الأمن يفشل في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    ضربات تستهدف إيران وإسرائيل تلتزم الصمت    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزوة بدر بين السلم والجهاد في الإسلام (2)
نشر في العلم يوم 30 - 09 - 2011

قامت مفتشيات وفروع حزب الاستقلال خلال شهر رمضان الأخير بتنظيم مجموعة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
وقد ساهم الأخ محمد السوسي في بعض هذه الأنشطة وكان من بينها إحياء ذكرى غزوة بدر بمسامرة فكرية ثقافية بمدينة القنيطرة بتنظيم من الفعاليات الشبابية والحزبية والنقابية والطلابية مساء يوم الخميس 17 رمضان في الغرفة التجارية وكان موضوع المسامرة «غزوة بدر بين السلم والجهاد في الإسلام».
وقد قدم للمسامرة الأخ كاتب فرع الشبيبة الاستقلالية بالمدينة وتناول الكلمة بعد ذلك الأخ محمد السوسي، فتحدث عن الذكرى ومغزاها وعن الجهاد والسلم ومدى تناغم الدعوة الإسلامية مع القيم النبيلة لمقاومة الظلم والشر والتمسك بقيم السلم والتعايش بين الناس وختم المسامرة الأخ كاتب فرع الاتحاد العام للطلبة.
وكان العرض مرتجلا فتم تهيئته للنشر ومع ذلك فسيبقى اثر الارتجال باديا خلال النص.
وقد رأينا أن يكون حديث الجمعة اليوم استعراضا لبعض ما جاء في هذه المسامرة.وقد تم نشر القسم الأول في الأسبوع الماضي ونحن ننشر القسم الثاني اليوم
أنواع ومراتب الجهاد
وقفنا في هذا العرض عند الحديث عن الجهاد وضرورة الحديث عن هذه الفريضة ولو باختصار والجهاد في تعريفه اللغوي هو بذل الجهد ومن حيث المعنى الاصطلاحي فإن العلماء يرون ان الجهاد أنواع، وعلماء الإسلام والمسلمون حددوا الجهاد في أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
وفي هذا الصدد يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد:
إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب، جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين.
ويوضح ابن القيم مراتب جهاد النفس فيقول:
مراتب جهاد النفس
فجهاد النفس أربع مراتب أيضا:
إحداهما: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معايشته ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله.
ماذا بعد؟
وابن القيم مراعاة للمنهاج الذي اختاره في كتابه زاد المعاد في هدى سيرة خير العباد يأخذ بيد القارئ حتى يوصله إلى الغاية التي هدف إليها أصلا من كتابه ولذلك فكأنه يجيب على سؤال وماذا بعد يقول:
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات.
وينتقل بعد ذلك للحديث عن جهاد الشيطان فيقول:
جهاد مراتب النوازغ
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان:
الأولى: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر. قال تعالى: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون» فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة واليقين يدفع الشكوك والشبهات.
إن ابن القيم في هذه الفقرة يعود بالقارئ إلى أصل العمل الذي هو خلوص النية وتهيئة النفس لتنال من الزاد الروحي ما يؤهلها لتلعب دورها في الإصلاح وفق الفطرة الأساس لدى الإنسان.
جهاد الكفار والنفاق
ويخلص بعد ذلك إلى الحديث عن جهاد الكفار والمنافقين والملاحظة هنا هي ان ابن القيم ركز في المراتب الأولى من أنواع الجهاد على الإعداد النفسي أكثر من غيره اما في جهاد الكفار والمنافقين والظلمة فهو لم يدخل في التفاصيل لأن الوسائل والأدوات تختلف، ولكن المجاهد المؤهل نفسيا ومعنويا قادر على أن يحدد ويوجد لنفسه مع غيره الوسائل الضرورية لذلك.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب: بالقلب واللسان والمال والنفس وجهاد الكفار أخص باليد وجهاد المنافقين أخص باللسان.
جهاد أرباب الظلم
وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى: باليد إذا قدر فإن عجز انتقل إلى اللسان فإن عجز جاهد بقلبه فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد و «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق».
ولا يتم الجهاد إلا بالهجرة ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان والراجون رحمة الله هم الذين قاموا بهذه الثلاثة قال تعالى: «إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم.
وكما أن الإيمان فرض على كل أحد ففرض عليه هجرتان في كل وقت هجرة إلى الله بالتوحيد والإخلاص والإنابة والتوكل والخوف والرجاء والمحبة والتوبة وهجرة إلى رسوله بالمتابعة والانقياد لأمره والتصديق بخيره وتقديم أمره وخبره على أمر غيره وخبره «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» وفرض عليه جهاد نفسه في ذات الله وجهاد شيطانه فهذا كله فرض عين لا ينوب فيه أحد عن أحد.
وأما جهاد الكفار والمنافقين فقد يُكتفى فيه ببعض الأمة إذا حصل منهم مقصود الجهاد.
مراتب الاجتهاد من خلال التوجهات
ان الإنسان وهو يتأمل هذه الفقرات التي سجلها ابن القيم وهو يحدد أنواع الجهاد ومراتبه لابد أن يلاحظ أن تركيزه أساسا هو على جهاد النفس لتستقيم أحوالها وذلك لأن الإصلاح ينبع من الداخل «وان لو استقاموا على الطريقة لاستقيناهم ماء غدقا» وما كان الله مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فالتغيير نحو الأفضل الذي يسعى إليه الإسلام لا يكون إلا من خلال جهاد النفس ولذلك عبر القرآن تعبيرا دقيقا في هذا الباب من أبواب الجهاد «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين» فالربط بين معية الله للمحسنين تفضي بنا إلى معنى الإحسان في حديث جبريل.
واما جهاد الكفار والمنافقين فإن ابن القيم يقدم هنا إشارة دقيقة ومهمة جدا فهو لا يقتضي في نظره هنا التوسع أكثر فهو إذا قام به جزء من الأمة كفى ولذلك فالجهاد المطلوب من الجميع والذي يعتبر جهادا عينيا هو جهاد النفس وجهاد نوازغ الشيطان وجهاد الظلم والظلمة ولذلك توسع في هذه الأنواع من الظلم دون الجهاد ضد الكفار والمنافقين.
عندما قرأت النص السابق لابن القيم قارنته بالنص الآتي لأحد الكتاب الغربيين (جون اسيبزتو) الذي خصصه للجهاد في كتاب بعنوان «الحرب غير المقدسة الإرهاب باسم الإسلام» حيث كتب فصلا بعنوان (الجهاد من أجل الإسلام) يقول:
اذا شاهدت التلفزيون وتابعت لقاء بشأن الجهاد مع أربعة متحدثين مسلمين فإنك سوف تسمع أربع إجابات مختلفة إلى السؤال حول: ما هو الجهاد؟. الأول يمكن أن يقول إن الجهاد هو النضال من أجل حياة إسلامية خيرة مع أقامة الصلاة والصيام بانتظام وأن تكون زوجا وأبا رحيما. آخر يمكن أن يكون مساندة نضال الشعوب المسلمة المضطهدة في فلسطين، كشمير، الشيشان، أو كوسوفو. وبالنسبة للمتحدث الأخير مثل أسامة بن لادن فإن الجهاد يمكن أن يكون العمل على الإطاحة بالحكومات القائمة في العالم الإسلامي ومهاجمة الولايات المتحدث. ومع ذلك فإن اختلاف هذه التفسيرات سيكون مبررا نظرا إلى محورية الجهاد بالنسبة للمسلمين اليوم. إن الجهاد مفهوم أو عقيدة واضحة في الإسلام وعنصر أساسي من أجل أن تكون مؤمنا ومتبعا لإرادة الله.
ان الكاتب في هذه الفقرة اختزل بطريقة ذكية ما حدده النص السابق لابن القيم ولكن على أساس اختيار كل مجموعة من الناس المنتمين للإسلام نوعا أو مرتبة معينة من الجهاد كما صنفها ابن القيم، والكاتب ينزل مفهوم الجهاد حسب التعبير السابق وبأسلوبه الخاص كما يلي:
بين المقاومة والجهاد
وفي أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين اكتسبت كلمة الجهاد المزيد من الانتشار، إنها تستخدم من قبل حركات المقاومة والتحرير والحركات الإرهابية كذلك لإضفاء الشرعية على قضيتهم وتحفيز أنصارهم. وقد شن المجاهدون الأفغان، طالبان والتحالف الشمالي، الجهاد ضد القوى الأجنبية وفيما بين أنفسهم، كما أن المسلمين في كشمير والشيشان وداغستان وجنوب الفلبين والبوسنة وكوسوفو خاضوا نضالهم باعتبار أنه يمثل شكلا من أشكال الجهاد. كما أن حزب الله وحماس ومنظمة الجهاد الفلسطينية وصفوا الحرب مع إسرائيل على أنها جهاد. كما ان الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر انغمست في الجهاد الذي اتخذ شكلا إرهابيا ضد الحكومة هناك، كما شن أسامة بن لادن الجهاد العالمي ضد الحكومات المسلمة والغرب.
ان الكاتب هنا يتحدث بأسلوب واضح عن جهاد النفس وجهاد الكفار وجهاد الظلمة وجهاد المنافقين ولكن حسب اختيار كل جماعة من الناس والهيآت الذي تحدث عنهم وذكرهم بالاسم.
إقرار الإسلام للجهاد
أما أهمية الجهاد فتعود عنده إلى إقرار الإسلام ودعوته للجهاد.
وتعود أهمية الجهاد إلى التوجيه القرآني بالكفاح (التعبير الحرفي لكلمة جهاد) في سبيل الله على شاكلة ما قام به النبي محمد ومجتمعيه الإسلامي الأول وهو ما يعد جزءا أساسيا من عقيدة المسلم وممارساته. ويعد الجهاد مفهوما ذا معان متعددة استخدم وانتهك على مدار التاريخ الإسلامي. ورغم أن الجهاد احتل مرتبة أساسية في التراث الإسلامي فقد ذهب بعض المسلمين في السنوات الأخيرة إلى أنه التزام ديني شامل يجب على كل المسلمين الحقيقيين أن يقوموا به لتعزيز الصحوة الإسلامية العالمية.
استحضار النصوص
كان لابد من استحضار هذه النصوص وغيرها وبالأخص التي تتناول شروط الجهاد، ونحن نتحدث عن الجهاد وان لم يكن الوقت متسعا لتلاوتها كما تمت الإشارة إلى ذلك في حينه لتأصيل الهدف والغاية من الجهاد وهذا في الواقع مستخلص من سيرة الرسول عليه السلام وسيرة صحابته والصالحين من القادة والحكام من المسلمين، فنحن من خلال ما أسلفنا لابد أن يكون صاحب رسالة أو صاحب خطاب حسب الأسلوب المتداول مدركا وعارفا نوع الخطاب الذي يريد ان يقدم وان يواجه به الناس.
الإدراك والعمل
فالإنسان عندما يريد أن يدعو في حملة انتخابية مثلا أو في عمل معين خيري أو غيره لابد أن يكون محيطا وملما بمضمون الرسالة وبمضمون الخطاب الذي ستتوجه به إلى الناس، كذلك لابد أن يكون الإنسان مدركا لنوع المجاهدة التي سيقوم بها ضد النفس.
ثانيا: لابد أن يكون هو نفسه عاملا لتحقيق ما سيدعوا إليه.
الأمر الثالث: هو ان يقوم بتبليغ هذا الخطاب.
والأمر الرابع: لابد ان يقدر وان يهيأ نفسه لتحمل المشاق والمتاعب التي سينالها عندما يدعو الناس إلى ما يدعوهم إليه.
هذا فيما يتعلق بالنوع الأول من الجهاد المشار إليه سابقا.
الأمر الثاني أو النوع الثاني من الجهاد هو ما يعبر عنه عند المسلمين بجهاد الشيطان، جهاد الشيطان هو وساوس النفس ما يعتري الإنسان من دواعي الانحراف من دواعي الانحلال ومن دواعي الظلم أي تلك النوازع النفسية و الوساوس التي تتسلط على الإنسان، هذا والشيطان شياطين كما قال القرآن: (شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا).
جهاد الكلمة
إذن المرتبة الثالثة من الجهاد هي جهاد الكفار والمنافقين، وهذا عنده مراتب كذلك فجهاد الكفار والمنافقين يبدأ بالكلمة أي جهاد الخصوم كيفما كان هؤلاء الخصوم خصوم سياسيين خصوم اقتصاديين خصوم اجتماعيين خصوم دينيين هؤلاء يبدأ الجهاد معهم بالكلمة ولذلك قال لقرآن الكريم:«وجاهدهم به جهادا كبيرا» أي جاهدهم بالقرآن، هذا الجهاد بالكلمة هو الذي مارسه الرسول صلى الله عليه وسلم لمدة ثلاث عشرة سنة في مكة.
القرآن المكي وجهاد الكلمة
عندما نقرأ ما انزل الله تعالى في السور القصار في أحزاب سبح اسم ربك وفي عم يتساءلون وفي قل أوحي، هذه أسماء أحزاب في القرآن وانتم تعرفونها، لابد أن ندرك وان نعرف معنى الجهاد بالكلمة، وهذا مثال محسوس: عندما نقرأ: «تَبَّتْ يَدَا أبي لَهبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَا لُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلُ مِن مَسَد» هذه صورة وتصوير لأبي لهب وزوجته حمالة الحطب التي سماها القرآن حمالة الحطب هذا أبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم وامرأته كانت من أشد الناس إذاية للرسول صلى الله عليه وسلم.
نموذج حي
ولكن عندما نزلت هذه السورة وبدأ الأطفال ينادونها بحمالة الحطب وفي جيدها حبل من مسد، هذه الصورة التي صور بها القرآن الكريم هذه المرأة الظالمة والمعتدية ولم تعد تقدر على الخروج لإذاية الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت بذلك نموذجا حيا للجهاد بالكلمة أي بالخطاب بالانتقاد بالملاحظة بالتفسير بالتوضيح.
وهذا عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة لمدة ثلاث عشرة سنة وهو الجهاد بالكلمة، ولم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم لا باستعمال السلاح بل القرآن رخص للمسلمين أن يتلفظوا بكلمات مسيئة للإسلام والمسلمين عندما يضطرون، (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فهذا استثناء لمن اضطر تحت الضغط والتعذيب إذا تلفظ بكلمات شر وكلمات سيئة في حق الرسول وفي حق الدين الجديد فعندما يضطر الإنسان ليقول فلا مواخدة ما دام قلبه مطمئن بالإيمان ولكن «من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم»(سورة النحل 106).
ماذا بعد جهاد الكلمة
لذلك فهذا الجهاد بالكلمة هو المرحلة الأولى في الجهاد، المرحلة الثانية هي الجهاد المباشر، هذا الجهاد المباشر هو الذي مارسه الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وذلك عندما جاء الإذن «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ» هؤلاء الذين أذن لهم لأنهم اخرجوا من ديارهم ولم يرتكبوا جرما ولا ذنبا إلا أنهم كانوا يدعون إلى الدين الحق وإلى التوحيد ويقولون ربنا الله.
الجهاد والتدافع
هؤلاء الذين أدين لهم بالجهاد عندما ينتصرون ماذا سيفعلون وما ذا سيكون هذا الانتصار بالنسبة إليهم، القرآن الكريم يقول: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» فجهادهم هذا هو جهاد في سياق التدافع الذي هو سنة من سنن الحياة، ولكن ماذا سيفعل هؤلاء حين ينتصرون ويتمكنون هو ما جاء في الآية التالية وهي في نفس السياق «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ».
النصر لتحقيق العدل
الذين ان انتصروا وإن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة أي عبدوا الله ولا يشركون به أحدا واتوا الزكاة حققوا العدل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر أي حققوا التوازن في المجتمع بين الحق وبين الباطل بين المعروف وبين المنكر بين الظلم وبين العدل أي ينفون الظلم ويحاربونه ويقيمون العدل وهذا هو نوع الجهاد المباشر الذي كان في غزوة بدر.
جهاد الظلم و الظالمين
أما النوع الرابع من الجهاد فهو جهاد الظالمين، جهاد الظالمين لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق تقال في وجه سلطان جائر) فهذا هو النوع الرابع من الجهاد وهو الجهاد ضد الظلم وضد الطغاة وضد الظالمين,
هذا الجهاد كذلك له مراتب ثلاث تعرفونها جيدا وتعرفونها جميعا لأنها ترد على ألسنتنا كثيرا (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، هذا الجهاد ضد الظلم وضد الطغيان وضد الاستبداد وضد الغطرسة وضد التزوير في الانتخابات مثلا، هذا كله نوع من الجهاد ويجب ان نعتبره جهادا لأننا مأجورون فيه والله سبحانه وتعالى أعطى لنا أجرا عندما نقاومه.
مقاومة الاحتلال جهاد
ويدخل في هذا السياق كذلك مقاومة الاستعمار ومقاومة الاحتلال ومقاومة المتآمرين ضد الإسلام وضد الشريعة الإسلامية وضد حقوق الشعوب الإسلامية، هذا جهاد يدخل فيه تداخل بين الجهاد في الأوطان الإسلامية في وجه الظلم والطغيان لأنه لا يمكن للمسلم أن يقبل ظلما ولا يمكن للمسلم أن يقبل أن يكون ظالما ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله ان انصره مظلوما معروف كيف انصره ظالما؟ قال بأن ترده إلى الحق) أي بأن تفرض عليه بأن يلتزم بالعدل وأن يلتزم بالحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.