أوروبا تستعد لإقرار استراتيجية جديدة لسياسة التأشيرات    الأنشوجة المغربية .. سمكة صغيرة تصنع ريادة كبرى في القارة الأفريقية    المغرب يتصدر قائمة مستوردي التمور التونسية    حريق يلتهم محلات تجارية بسوق ماتش في الريصاني    مطاردة بوليسية بالريصاني تنتهي بإطلاق نار وتوقيف شخص مبحوث عنه    إسبانيا تخصص أكثر من 878 ألف يورو لصيانة معبري مليلية وسبتة    كونتي: نعلم المخاطر التي تواجه نابولي للاحتفاظ بلقب الدوري الإيطالي    التصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026.. ندوة صحفية للناخب الوطني يوم الخميس المقبل بسلا    السكتيوي: مواجهة تنزانيا كانت صعبة لكن اللاعبون أثبتوا جدارتهم    تجاوزت 200 مليار درهم في 7 أشهر... ارتفاع المداخيل الجبائية للمملكة بنسبة 15.9 في المائة    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    أجواء حارة نسبيا في توقعات طقس السبت    إعصار إيرين يدمر أعشاش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. "أسود الأطلس" يقتربون من اللقب بتغلبهم على تنزانيا    طقس السبت.. حرارة مرتفعة وزخات رعدية بعدد من مناطق المملكة    كيوسك السبت | قادة إفريقيا واليابان يشيدون بالمبادرات الملكية بشأن المناخ والهجرة    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    الصين تكتشف احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري    سيارة مسرعة تدهس شابًا وامرأة بعد خروجهما من حفل زفاف بمنطقة العوامة بطنجة    توقيف 6 أشخاص في شجار عنيف بشاطئ طنجة وإصابة قاصر    مغاربة يعتصمون ليلا أمام البرلمان ضدّ الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة    أول إعلان أممي من نوعه: غزة تعيش المجاعة.. و"حماس" تطالب بوقف الابادة    بلاغ: المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعبر عن ارتياحه لدخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    عجز قياسي جديد يثير المخاوف بشأن متانة التوازنات المالية بالمغرب    دليل استرشادي من رئاسة النيابة العامة إلى قضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة    مدغشقر تتأهل إلى نصف نهائي "الشان"    شبهة تضارب المصالح تضع منتخبين أمام مسطرة العزل بجهة الدار البيضاء    فلوس الغرامة.. فلوس المهرجان    للمرة الثالثة: عودة الفنانة شيرين عبد الوهاب لطليقها حسام حبيب يشعل أزمة جديدة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية ويهدد صحة العمال    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب    مداهمة منزل جون بولتون المستشار السابق لترامب الذي يشتغل مع الجزائر من طرف الFBI    بولتون بين أيدي الFBI.. سقوط ورقة ضغط طالما راهن عليها نظام الجزائر والبوليساريو        "تيكاد-9" يفضح محاولات انفصاليي "البوليساريو" ويؤكد دعم اليابان للحكم الذاتي المغربي        رسميا .. دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ لتخفيف الاكتظاظ السجني        بمناسبة عيد الشباب.. فرقة "المسيرة الخضراء" تبهر الجمهور بعرض جوي مذهل فوق سماء المضيق ومرتيل    ضبط زورق محمل بطنين من الشيرا وتوقيف سبعة أشخاص    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة فن الراي بالجزائر.. انتحار جمالي وإفلاس قيمي
نشر في هسبريس يوم 21 - 12 - 2021

غني عن البيان أن "فن الراي"، من الفنون الشعبية الجزائرية التي عرفت انتشارا واسعا على الصعيد العالمي، بفضل ثلة من المبدعين الجزائريين الذين عملوا على تطوير أغنية الراي منذ السبعينات، وتبويئها مكانة مهمة في سلمية الفنون الشعبية المغاربية.
إذ لم يفتأ المبدعون الجزائريون يُطوِّرون هذا الفن على جميع المستويات، (كلمة – وآلة – ونغمة...)، حتى طارت شهرته في الناس كل مطار، ولقي استحسانا من قبل العامة والخاصة، تَمَّ بموجبه إخراج الأغنية الرايَوِيَّة من ضيق الإقليمية إلى سعة العالمية، جرَّاء نبوغ أصوات شابة وملحنين وشعراء مجددين خبروا الشعر البدوي ومارسوه قولا وأداء.
ودون خوض في أسباب النشأة وموطنها، وتوصيف للفروق الموجودة بين المدارس الرايوية ورجالاتها -وهو موضوع سنفرده بمقال خاص- يكفي التنبيه على أن فن الراي -في تقديرنا- عرف ثلاثة أطوار نوردها مرقومة على النحو الآتي:
1- طور الخَلْقِ/ وإن شئتَ قلتَ طور النشأة:
إذ نشأ هذا الفن بسيدي بلعباس بالجزائر متأثرا بالفن البدوي عموما "شْيوخ القصبة-العلاوي..."، والمْداحات اللاتي طَوَّرْنَ هذا النمط الغنائي وعبَّرن عن هموم نون النسوة بالجزائر في قالب رايوي وُسِم في ما بعد ب"راي المْدَّاحات" –أي الراي الذي تؤديه النساء- حيث وجدت فيه نون النسوة الجزائرية ذاتها في ساحة يسودها جمع مذكر الغناء، وقد اتسم هذا الطور بتوظيف آلات موسيقية تقليدية محلية كالناي / القصبة، والقْلال، والبندير،.. أما موضوعاته فارتبطت في الغالب بقضايا المعيش اليومي، وبكاء الأطلال التي درسها المستعمر الفرنسي، وقد كانت القصائد الرايوية الأولى أقرب إلى أداء شيوخ القْصبة"، خاصة ما اصطلح عليه ب"ِرَاي المْدَّاحات"، باعتبار هذا المولود الجديد كان في مرحلة الرضاع والبحث عن الاستقلالية، ومن بين الممثلين لهذه الطبقة-طبقة المؤسسين- نذكر: الشيخ حمادة، وعبد القادر الخالدي، وأحمد زرقي، ودريسي العباسي..
2- طور النضج/ وإن شئتَ قلتَ طور البلوغ:
في هذا الطور حقق الراي استقلاله الوجودي، إثر بزوغ طاقات شابة جرَّبت إدخال آلات موسيقية عصرية – كالساكسوفون، والقيثار، والكمان، والبيان...- ونوَّعت من موضوعاتها وطرائق الأداء التي لقيت قبولا من قِبَلِ الجمهور الجزائري فالعربي ثم الأجنبي، مما اكسبها شهرة واسعة، جعلت كل طبقة منها تعمل على تطوير أغنية الراي بأسلوبها الخاص، الذي يميزها عن غيرها، فتنوعت الموضوعات وطرائق النظم والإنشاد، ودخل الراي إلى بيوتات الجزائر المحافظة بفضل ثلة من المؤدين، كفرقة "را ينا راي"، والشيخ فتحي، والهواري بن شنات، والشاب حسني -رواد الأغنية العاطفية- هذه الطبقة التي غنَّت للحب بأسلوب راق لا يخدش الحياء، عكس طبقة أخرى، بقيت حبيسة معجم منحط، رغم امتلاكها لطاقات صوتية هائلة، وتوظيفها لألحان راقية، أمثال، الشاب الطاهر، وملك الراي الشاب خالد -في بداياته-، وعرَّابة راي المْدَّاحات "الشيخة اريميتي" التي تخرج على يدها كثير من الشباب الذين سيقودون حركة المسخ الفني في ما بعد...
3- طور النَّسْخ|ِ والمَسْخِ/ وإن شئتَ قلتَ: طور الأفول:
إنَّ وَسمنا لهذا الطور ب(طور النسخ والمسخ) راجع إلى اعتبارات عدة، نُجملها في الآفات التالية:
أ- آفة النسخ: وهي تعكس بؤس المشهد الفني الرايوي بالجزائر، حيث إن أغلب ما يروج في الساحة الفنية الجزائرية -اليوم- من أغان رايوية لا يعدو أن يكون مجرد اجترار لأغان قديمة خالدة، وتشويه لألحانها بعزف ركيك لا يستحليه الذوق السليم، وصوت ناشز لا تستعذبه الأذن العالمة بأصول الأداء، إذا ما استثنينا فئة تعد على رؤوس الأصابع، تحاول جاهدة التحليق خارج السرب والبحث عن أفق إبداعي أرحب يضمن استمراريتها وتميزها ك"المرحوم الشاب عقيل، وحسن، وبلال، والهادي، وبن شنات، وجلول -قبل توبته واعتزاله-".
ب- آفة السَّلْخِ:
نقصد بها -هنا- السرقة الموصوفة التي ما فتئ شباب الراي المعاصر يمارسونها بكل حرية وبلا استحياء، فإذا كان الاجترار نسخا مشوها للتراث الرايوي القديم أمرا شنيعا، فإن السلخ أشنع منه، نظرا لكون هذه الفئة من أدعياء الفن، لا ترى أي حرج في سرقة أغاني الغير وإعادة توزيعها، دون إشارة لصاحبها أو استئذان منه، أو اعتراف له بالفضل، مما أثر سلبا على المشهد الفني بالجزائر، وولَّد خصومات أجَّجَهَا الإعلام الجزائري دون متابعة قانونية تضبط العملية الإبداعية وتكفل حق الملكية الفكرية بالجزائر.
ج- آفة المَسْخِ:
المراد بها -هنا- الانحطاط الأخلاقي الذي أضحت عليه أغنية الراي المعاصرة، وأربابها -اليوم- بالجزائر، حيث طفا على سطح الساحة الفنية الجزائرية، زُمرة من الشباب المُخنثين الذين دنَّسوا الأغنية الرايوية -لغة ولحنا وأداء-، ورفعوا شعار "لا راي إلا راي المُلَاوَطَةِ والمُسَاحَقَةِ"، وبشَّروا براي مْداحات معاصر تيمته الرئيسة "التغزل بالمذكر"، لكن -هذه المرة- بصوت المذكر الخنثى لا بصوت نون النسوة -كما السابق-، كما حرصوا في أغانيهم على الدعوة إلى الشذوذ والتباهي به علنا، دون حسيب أو رقيب، مع تواطؤ خسيس لبعض المسؤولين الجزائريين، الذين مكَّنوا لهاته الشرذمة، التي هيمنت على المشهد الفني بالجزائر، بفضل تكاثر الحانات -على سبيل المثال حانات وهران التي تجاوز عددها 200 حانة- حيث قدمت هذه الفئة الشاذة نفسها للعلن كبديل فني، وجاهرت بالفسق والشذوذ داخل الملاهي الليلية وخارجها، بل الأدهى من ذلك تمكنهم من خلق قاعدة جماهيرية في صفوف المراهقين، وانتشار أشرطتهم وملاهي المثلية في مختلف ربوع الجزائر، أمثال الشاب عبدو قيدوم الأغنية الرايوية الشاذة الذي كرس الشذوذ أداء وممارسة، -تم الاحتفاء به بقناة نسمة- بمعية أتباعه من المُخنثين الممسوخين الذي ساروا في فلكه كالمنار، والشيخ رفيق، والشيخ أمين، والهواري وla madonne الذي استعار اسم شهرته من المغنية الاستعراضية الأمريكيةmadona، والقائمة طويلة تعكر صَفْوَكَ، ونقاء سريرتك بمجرد ولوجك محلا لبيع الأشرطة، وتصفحك لعناوين الأشرطة الجديدة، حيث يصدمك بائع الأشرطة بوجوه ممسوخة لشباب في مقتبل العمر، يُصَدِّرُونَ أغلفة أشرطتهم بلفظة "الشيخ، والشاب، وراينبي راي المْداحات، ووزير الملاهي...."، فضلا عن خلعهم حجاب الحياء، ومجاهرتهم بالشذوذ والفسق، عبر توظيف قاموس يُعلي من شأن المثلية الجنسية بالجزائر ويفتخر بها كقول شيخهم الذي علمهم الفسق" هُوَ مْعَ مْرْتَهْ وَناَ نْسُفْري -أعاني-"، "وهران كَاعْ سمْعَتْ بِينَا عْلاش نْبَطْلُوا"، وقول آخر متهكما على النساء "لِي مَاعنْدْهَاشْ لَطَاي نعطِيها طَايْتِي"، مع تقديم الولاء لجمعية الشواذ (كيف كيف) عبر ما يصطلح عليه في فن الراي ب"التَّرْشَاقْ / التَّبْرَاح" وغير ذلك من الصور الخليعة التي نترفع عن ذكرها احتراما لقرائنا الفضلاء، حتى لا نكرس القبح والمسخ الذي نحاربه في مقالنا هذا، غيرة منا على التراث الفني بالمغرب العربي عامة ورغبة منا في تعرية هذا الوضع البئيس المسكوت عنه إعلاميا ومؤسساتيا بالجزائر، أملا في قيام أخيار الجزائر بحملة تطهيرية تُقَوِّمُ اعوجاج الحركة الفنية بالجزائر وتحارب حركة الممسوخين من أدعياء فن الراي وحماتهم.
وصفوة القول في هذا المقال: هي أن أغنية الراي المعاصرة بالجزائر ترتفع نحو الأسفل، نظرا لغياب الرقابة وتواطؤ أجهزة الدولة المعنية بالشأن الثقافي مع جلادي القيم والأخلاق المثلى والفن الباني، لغرض ما في نفس جنرالاتها، مما يجعلنا غير مغالين إذا شبهنا هذا الوضع الفني القائم بالجزائر، بالعصر العباسي الثاني -على سبيل المجاز، لا غير، إذ لا قياس مع وجود الفارق- الذي مهد لانهيار الدولة العباسية أخلاقيا، جرَّاء تسامح ولاتها مع أصحاب الجماليات السفلى، ودعاة الأدب الهابط والماجن..
فمتى يستفيق الشعب الجزائري ويستفيد من العبر والنهاية المأساوية للدول التي سقطت في وحل الرداء الفنية على مر العصور؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.