بلجيكا تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تضع جهة الصحراء "في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية" وستتصرف "من الآن فصاعدا على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي بناء على هذا الموقف"    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    الحكومة ترفع التعويضات العائلية إلى 100 درهم للطفل الرابع والخامس والسادس    الحكومة تصادق على مرسوم يحدد شروط إنتاج الطاقة الكهربائية ذاتياً    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    المسابقات الإفريقية.. الأندية المغربية في مواجهات مصيرية للعبور إلى دور المجموعات    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    رئاسة النيابة العامة تقدم دليلاً جديداً لحماية الأطفال في وضعية هجرة    الممثل محمد الرزين في ذمة الله    تسارع ارتفاع أسعار النفط بعد العقوبات الأميركية على مجموعتي النفط الروسيتين    "لارام" توسع الربط بين إفريقيا وأوروبا    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    أشبال الأطلس: الإعصار الإفريقي الحاسم!    شباب "جيل زد" يجددون احتجاجاتهم يومي السبت والأحد.. ومطلب الإفراج عن المعتقلين على رأس الأولويات    غوتيريش يدعو إلى "تسريع" وتيرة البحث عن حل دائم لقضية الصحراء وتمديد ولاية "مينورسو" لعام إضافي    محكمة العدل الدولية: على إسرائيل كقوة احتلال تأمين الغذاء والماء والمأوى والإمدادات الطبية للفلسطينيين    تقرير حقوقي يوثق خروقات بالجملة في محاكمات معتقلي احتجاجات "جيل زد"    بين الأرض والسيادة: جوهر الأزمة الروسية الأوكرانية في ظل المبادرات الدبلوماسية الجديدة    الفنان الممثل محمد الرزين في ذمة الله    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    "ولدي شرا لينا الدار".. تصريحات والدة فؤاد الزهواني تلامس قلوب المغاربة    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    البنك الدولي: المغرب يفرض نفسه كقطب تجاري ومالي إقليمي بإفريقيا    المؤسسات والمقاولات العمومية: استثمارات متوقعة لعام 2026 تقارب 180 مليار درهم    كردادي حاملة العلم الوطني في المرحلة 6 من "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    كيوسك الخميس | وزارة الداخلية تطلق ورش رقمنة سجلات الحالة المدنية    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    عناصر الأمن الإيرلندي ترشق بالحجارة في دبلن    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    القنصلية الإيطالية تحذر من النصابين    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    كمبوديا تعلن تفكيك عصابة للاحتيال الإلكتروني    استفتاء في ميونخ بشأن استضافة الألعاب الأولمبية    أكاديمية محمد السادس تراكم النجاحات    التعاونيات تبرز أصالة وجودة المنتوج المغربي بمعرض أبوظبي للأغذية    الرباط ضمن أفضل 5 وجهات عالمية    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    الملك محمد السادس يواسي أسرة المرحوم الفنان عبد القادر مطاع    الملك يبعث برقية تهنئة مختصرة إلى إدريس لشكر في صيغة بروتوكولية مغايرة للبرقيات السابقة    جلالة الملك: عبد القادر مطاع قامة مبدعة تركت أثرا كبيرا في الفن المغربي    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلينا الصبح واستسقينا الليالي ذوات العدد ولكن…
نشر في هوية بريس يوم 11 - 12 - 2017


محمد بوقنطار – هوية بريس
سكون الغلس وسكينة السحر مدعاة إلى أن تكون النفس البشرية في دائرة الإيمان طبعا مهيأة بما يعتريها من أثر تلك السكينة وذلك السكون من اطمئنان وهدوء، تكون مهيأة إلى الفزع بإلحاح إلى الله رغبا ورهبا.
وذلك ولا أشك ما وقع لذلك الرجل الذي ما إن تحلل الإمام من قرآن الفجر المشهود بتسليمة واحدة، حتى اخترق صوته همهمات الذكر الفردي ناصبا كفيه مستهلا قائدا مستفتحا مستمطرا مستسقيا، ووراءه تبعا جموع قلة من شهد مشهد الجماعة في صلاة الدلجة: "اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت… اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين…".
ولم يكن هذا الرجل إماما ولا مأموما مقيما للصلاة أو مؤذنا لها، ولا فضوليا مشاغبا متسلطا، كما لم يكن صاحب ضيعات فلاحية، أو صاحب تجارة ممتدة النشاط والسهم الفلاحي شمالا وجنوبا أو غربا وشرقا، وإنما مبلغ علمي فيه أن ما ظل يربطه بالحي عقد كراء يؤدي على وفق شرطه سومة الستر والمبيت المؤقت بيننا…
فلم يكن إذن سبق الاستفتاح وأخذ زمام المبادرة مصطبغا أو مستكرها بما تفرضه المصالح الضيقة والحسابات الدنيوية العاجلة والمحضة، وإنما ما بدا من خشوع صوته واندفاع ساعديه إلى السماء يؤشر على شديد حرصه على أمر الأمة المغربية، وانشغال وجدانه ودواخله بمعاناة جماعة المسلمين وعلى رأسهم جنس الفلاح الذي اهتبل الأسباب المادية بتقليب الأرض وحرث وجهها، ثم بات متوسدا رجاء وأمل السوق الذي يحيي به الله الأرض بعد موتها معتقدا بإيمان الأعرابي سمعا وطاعة وتصديقا لقوله تعالى: "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ".
لا زلت أذكر أن شأني من الهمة والعزم والإلحاح والإصرار على اقتحام حرم الدعاء ومحراب الضراعة إلى الله، لم يكن شأنا كبيرا ولا له ذلك الانشغال الوازن الذي يصل السقف المطلوب ليلتها، فقد كنت أمد أو أحاول مد ونصب أكفي وساعدي إلى السماء، ثم ما ألبث أن أحشرهما بين ركبتي، ولربما اكتفيت بمد سبابتي بمضض وكلفة، ألاحق في شذوذ ما انتظم من صوت منغوم جهوري لصاحبي ومن حذا حذوه داعيا مناديا في رغب وخشوع وتضرع: "اللهم اسق عبادك و… اللهم اسقنا الغيث ولا…"، بينما كانت عين الكلمات تتدحرج من لساني في لوك وانقطاع وتعتعة تؤثر فيها مزاجية يقيد مطلقها الخجل من الله ويضبط حركة انسياب سعيها ذلك التذكر الوقاد الذي يجتر سلسلة سوالف الأحداث.
لقد كنت أمسك عن الدعاء أو أكاد أفعل، ولولا أنني كنت أعرف الرجل معرفة تؤشر على صدق النية وجميل الطوية، لما كان هذا الحد الأدنى من الانخراط، ولكنت آويت إلى ركن شديد أعقد على ثنايا البنان وأنصرف بكليتي إلى ذكر الواحد الأحد الرحيم الرحمن.
ولم أكن ولن أكون في انصرافي وعزلتي وإمساكي بالمدان ولا الملام، وليس مبرري ومسوغ مهربي إيثار الفاضل على المفضول في دائرة الفضل، بل لعل مسوغي ما طفق لحظتها يغلب على النفس من تذكر واجترار ساخن غض طري لشريط الرزايا ومعتقل الخطايا التي يعج بها الوطن هنا وهناك وهنالك من فضاء البر والبحر والجبل بما كسبت أيدي الناس وألفته النفوس من تكرار صدود وترادف جحود.
لقد كان اجترارا محموما يزيد من سخونة مشاعره الوجدانية طيف الآيات التي كانت تشاغبني معانيها ومقيدات سياقاتها القرآنية، بينما ظل محراب مبناها التوقيفي صعب الاقتحام لضعف الحفظ وعزة حبل القرآن، ولقد كنت أعلم أن معاني هذه الآيات البينات منذ أن أنزلت على سيد الخلق وإلى يوم الناس هذا لا يزال نزق الأحداث يوقع بالصوت والصورة والرائحة على حقيقة تكررها في اتصال لا يكل ولا يمل، ولا تنقطع حلقات سلسلته الجاحدة المنقلبة من جهة الإخلاص في الدعاء والإنابة في الإلحاح إلى وجهة الغفلة والنسيان والعزوب، بل البغي في الأرض بغير حق، والنأي بالجانب بعد سالف ذلك الدعاء العريض.
وجدير بالذكر هنا التنبيه على أنني لم أكن أحتاج وطيف التذكر يجود بصور المروق والعناد والجحود، ويهجم على الخاطر ويقتحم عورة خلوته وجلوته، إلى كبير طاقة أو عظيم اجترار، فعهد هذه الصور قريب، سيما وأن أيام الصيف ولياليه لم ترحل إلا قبل أيام معدودات، رحيل خلف وراءه ضغثا من ألوان البغي والإتراف الذي تؤثث صورته السريالية الماجنة السهرات والحفلات والمهراجانات التي تتناسل تناسل الفطر، يكاد لهيبها يستوعب ربوع الوطن فيأتي على الأخضر واليابس…
ألم تُهدر في كبيرة الإنفاق على هذه السهرات والحفلات والمهراجانات صكوك وريع ذلك الاستسقاء والاستمطار والإلحاح السابق على الله طلبا ورغبا في إغاثة الصبية الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع؟
ألم يكن هذا البدخ والإسراف يؤسس لجحود ونكران نكد معاند على بدء متكرر الصورة؟
صورته أن تتأخر قطرة السماء بدءا فيحشر لها الصبية حفاة يتأبطون ألواح حفظهم لكتاب الله، يُدفعون دفعا على غير المعهود ليسيروا في مقدمة مسيرة الاستمطار كعربون ضمان على صفقة حاجة وفقر بين إنسان ختار كفور ورب حليم شكور.
تالله كم تكرر حلمك ودام؟ تالله كم امتدت يد استجابتك بالبسط والرحمة وإغاثة هذا الملهوف؟
ألم يصح معتقد هذا الفقير المحتاج في علمك الأزلي بمستشرف نكرانه وجحوده وعزوبه ونسيانه بعد طول حلم منك وعظيم إغاثة؟
ألم يقف ليتأمل -وهو يعاود كرة الجحود تلو الأخرى- قول الله سبحانه: "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"؟
ثم ألم يعلم أنه لا يستنسخ إلا ما فُرِغ منه أزلا… رفعت الأقلام وجفت الصحف؟
يا الله لقد تذكرت للتو أن هذا الجحود والنكران الذي أصاب المدينة وعمّت به بلوى الإتراف وإبليسية الإسراف، وتوثقت به عروة الأخوة بين هذا الإنسان اللهفان وعدوه الشيطان، لم تكن باديتنا -ذلك الفضاء الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون- ببعيدة عن طيف هذا الانقلاب والجحود والنكران والبغي في الأرض بغير حق، فقد أدمن أصحابها بعد عدّ المحصول وحساب الربح الموصول إحياء المواسم وتقديم القرابين والذبائح، والوفاء بالنذور وغلي القدور وإشعال السروج حول الأضرحة والمشاهد شكرا لساكنيها من المقبورين والموتى، ظنا منهم بل إيقانا أنهم أولو نعمة وذوو منة وإكرام، بل لهم الزلفى في مجيء الموسم الفلاحي ثقيل الحمل فائض الكيل متنوع الخيرات…
نعم بين شرك البادية ومعصية المدينة تتبدد أنفاس الشكر، وتهدر عمارة الأوقات في غير الحمد وجميل الثناء على من إياه نعبد وإياه نستعين، بل تتكرر هذه المشاهد الأليمة الثقيلة الإثم على وفق طيف تلك الآيات البينات السالف الإشارة لها، والتي منذ أن أنزلت على سيد المرسلين وإلى يوم الناس هذا لا يزال لها تمثل وتبتل في قلوبنا، ونحن نرى لها آثارا وصورا لما جاء فيها حذو القذة بالقذة مصداقا لقول الله جل جلاله في طي آياتها البينات ربطا للأحداث وفي سياق الكثير من المناسبات: "وإذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل" الزمر:7، وقوله جل في علاه: "وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ" فصلت51 وقوله سبحانه: " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" يونس12…
ولا شك أن في هذه الآيات وغيرها ما يغني تصريحا وتلميحا عن الاسترسال المقرف مع تفاصيل واقعنا وكبيرة ما اكتسبته أيدينا، وتلبست به قلوبنا، ودبرته ألبابنا وعقولنا، وأصرت على مقارفته فئة المترفين منا.
ولا شك أن الرجوع إلى هذا الواقع رجوع تأديب وتهذيب، وتوبة وإنابة، وصلح وإخبات، وصدق وندم، وعزم وإقلاع، واستعانة واستغفار، وصبر وإلحاح، وحمد وثناء وشكر، هو رجوع يُوجِدُ في الأرض ويُطيِّبُها بصنف وجنس من كان إذا استقسم على الله أبره، من أوليائه وأصفيائه، الصابرين في المحنة والشاكرين عند المنحة.
ولا ريب أنه وجود كفيل بفضل الله ومنته أن يرسل السماء علينا مدرارا، وأن يجعل الغيث حوالينا لا علينا (على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وأن يجعل غيثنا صيبا نافعا، وأن لا يحوجنا وهو الغني إلى كبير طرق ولا مسترسل ضراعة وعلانية نداء وبعيد انتظار، فما كان عطاؤه محظورا ولا مده منقوصا مطففا سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.