أمن طنجة يوقف سائق عربة لنقل العمال دهس سائق دراجة نارية ولاذ بالفرار    الدوري التركي.. النصيري يتألق بثنائية، وفنربخشة يكتسح غازي عنتاب برباعية نظيفة    الكاميرون: بول بيا يفوز بولاية رئاسية ثامنة في عمر 92 عاما    المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه كوريا الشمالية في اختبار حاسم بمونديال الناشئات    إعادة انتخاب الحسن وتارا رئيسا لساحل العاج لولاية رابعة بغالبية ساحقة    ولد الرشيد يستقبل سفراء آسيا والمحيط الهادي ويؤكد انخراط المغرب في تعزيز التعاون البرلماني جنوب–جنوب    قافلة طبية جراحية لساكنة حد الغربية بضواحي طنجة    حادث انقلاب سيارة أجرة بطريق رأس الرمل وإصابة السائق بجروح متفاوتة الخطورة    محاولة تهريب 30 ألف و285 قرص طبي مخدر من معبر باب سبتة    مسعد بولس يصفع من جديد النظام الجزائري: تفاؤل أمريكي بحل نهائي لقضية الصحراء المغربية قبل جلسة مجلس الأمن    الانخفاض ينهي تداولات بورصة البيضاء    71 ألف و114 مستفيدا من دعم السكن    بولس يتفاءل بحل نهائي لنزاع الصحراء    سيدات الجيش في مجموعة متوازنة    الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة وجمعية نظرة للثقافة والإعلام تنظمان:مصر في مرآة رحلات مغربية معاصرة    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي.. إستلام 257 حافلة جديدة بميناء الدار البيضاء    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    العلوم السياسية في الثانوي    زمن النسيان العام    مجلس الحكومة يستعد الخميس المقبل لمنح ثلاث شركات للاتصالات تراخيص الجيل الخامس    محمد البارودي يقود الديربي بين الوداد والرجاء    الكاتب المغربي سعيد بوكرامي مرشحا لنيل جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة 2025    البلاوي: "حماية المال العام تعد من المهام الجسيمة التي تستلزم تعبئة تشريعية وقضائية ومؤسساتية متكاملة"    المانوزي: التمديد للشكر تم في منتصف الليل بشكل غير ديمقراطي وقد ألجأ للطعن إنقاذا للحزب    بركة: سنطلق في غضون أسابيع الربط المائي بين أبي رقراق وأم الربيع لنقل 800 مليون متر مكعب من الماء    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    اقتراب منخفض جوي يحمل أمطاراً ورياحاً قوية نحو الريف والواجهة المتوسطية    Trevo تفتح باب التسجيل للمضيفين المغاربة‬    أهداف حاسمة ومساهمات قوية ل "أسود الأطلس" في صدارة المشهد الأوروبي    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    تيزنيت: بتنسيق مع "الديستي"… عناصر الشرطة القضائية توقع بشخصين متهمين باضرام النيران بسيارتين بالشارع العام    شبكة لغسل أموال المخدرات عبر "منتجعات صحية" تُطيح بمسؤولين بنكيين    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    تصريحات لامين جمال تُشعل الكلاسيكو    فينيسيوس بعد استبداله في"الكلاسيكو": "سأغادر الفريق.. من الأفضل أن أرحل"    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    تعديلات جديدة تحصر القيد في اللوائح الانتخابية وتضبط استطلاعات الرأي    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    عودة الاحتجاج على تعطيل التكرير في مصفاة "سامير" وضياع حقوق الأجراء والمتقاعدين    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    روسيا تعلن اعتراض 193 مسيرة أوكرانية    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرث بالتعصيب…هل هو وحي من الله أم رأي من الفقهاء؟
نشر في هوية بريس يوم 27 - 03 - 2018

سبب كتابة هذا المقال هو ما روجه بعض الموقعين على ورقة النداء بإلغاء الإرث بالتعصيب، إذ زعموا أن الإرث بالتعصيب هو مسألة اجتهادية ورأي قابل للتغيير والتبديل، ومرادهم بهذا الكلام أن يهونوا من شناعة مطلب النداء وأن يعطوه جواز المرور، كما لو أنه ليس فيه مصادمة لكلام الله سبحانه، أو معارضة لكلام المعصوم عليه الصلاة والسلام، وإنما هو مطلب أو نداء في مقابل آراء الرجال وإن كانوا فقهاء.
ولهذا يحسن بنا أن نبين لعموم الناس ما معنى الإرث بالتعصيب أو الإرث بالعصبة بأسلوب ميسر، وهل مبناه كان على الاجتهاد والرأي أم على نصوص الوحيين.
التعصيب: هو الإرث بغير تقدير، والعصبة في المواريث هم الذكور الذين يرثون بلا تقدير، وهم كل من يأخذ جميع المال عند الانفراد، أو يأخذ الباقي بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم وحقوقهم، وقد لا يبقى له شيء. وجهات العصوبة بنوّة، ثم أبوة، ثم أخوة وبنوهم، ثم أعمام وبنوهم. والدليل على توريث العصبة مستمد من كتاب الله وسنة نبيه وإجماع الأمة.
1- الأدلة العامة التي دلت على التوريث بالتعصيب
* السنة النبوية المحكمة
روى الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وفي رواية واللفظ لمسلم: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
يعدّ هذا الحديث جامعاً لقواعد علم الفرائض التي هي نصف العلم، وهو يبين بأسلوب شامل وواضح:
كيفية قسمة المواريث المذكورة في كتاب الله لمن يستحقها؛
كيفية قسمة ما فضل من المال عن تلك القسمة مما لم يصرح به في القرآن من أحوال أولئك الورثة، ومراتبهم؛
كيفية توريث بقية العصبات الذين لم يصرح بتسميتهم في القرآن.
وذلك بأن يعطى أصحاب الفروض المقدرة فروضهم في كتاب الله «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا». وهى: الثلثان، والثلث، والسدس، والنصف، والربع، والثمن.
فما بقى بعدها، فإنه يعطى إلى من هو أقرب إلى الميت من الرجال لأنهم الأصل في التعصيب «فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»، وهو مقتضى عموم كلام النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فيتم تقديم العصبة على ترتيب منازلهم وقربهم من الميت.
وهذا الحكم محل إجماع بين أهل العلم، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من العلماء، من بينهم:
أبو الحسنابن بطال المالكي (ت449) في كتابه شرح صحيح البخاري،فقال: "وأجمعوا أن ما فضل من المال عن أصحاب الفرائض فهو للعصبة". اه
أبو الحسن ابن القطان الفاسي المالكي (ت 628) في الإقناع في مسائل الإجماع، فقال: "وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، وما بقي فلأولى رجل ذكر»، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المال للعصبة.وأجمع أهل العلم على القول به".اه
أبو زكريا يحيىالنووي الشافعي (ت 676) في شرح مسلم، فقال: "وقد أجمع المسلمون على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب،فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب". اه
وبناء عليه، فحكم توريث بالتعصيب كان مبناه على أدلة نقلية عامة منالسنة والإجماع الذي كان مستنده النص، ولم يكن مبناهعلى الرأي والاستحسان كما يروجه الموقعون على نداء الإلغاء للتوريث بالتعصيب، وسيأتي تأكيد هذا الأمر بالأدلة التفصيلية.
2- الأدلة الخاصة التي دلت على التوريث بالتعصيب
* أب الميت يرث بالتعصيب وحيا من الله ورسوله وليس رأيا من الفقهاء.
قوله تعالى: ﴿وَلأَبَوَيْهِ لَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ...﴾. الآية.
نصت الآية الكريمة على نصيب مفروض بالتساويلكل من الأبوين (الأب والأم) عند وجود أولاد الميت؛ وهو السدس: {وَلأَبَوَيْهِ لَكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ}.
وأما إذا لم يكن للميت أولاد، وله أبوان، فإن ثلث المال يكون من نصيب الأم بالفرض كما نصت الآية{فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ}، وباقي المال الذي هو الثلثان يكون من نصيب الأب بالتعصيب، ولا يتصور في الآية معنى آخر سوى ما ذُكر. وقد قرر جميع المفسرين هذا المعنى، ومنهم ابن جرير الطبري، قال في التفسير:
"فإن قال قائل: فمن الذي له الثلثان الآخران؟
قيل له: الأب.
فإن قال:بماذا؟
قلت: بأنه أقرب أهل الميت إليه،ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان الباقيان، إذ كان قد بيَّن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباده أن كل ميِّت فأقربُ عصبته بهأولى بميراثه، بعد إعطاء ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه". اه
– أخ الميت يرث بالتعصيب وحيا من الله ورسوله وليس رأيا من الفقهاء.
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [جزء من آية النساء:11].
نصت الآية الكريمة على نصيب البنات عند عدم وجود الابن وهو الثلثان، وهن يشتركن فيه {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}، ويبقى ثلث مال التركة، والذي قد يكون من نصيب الأخ بالتعصيب إما كاملا أو جزءا منه عند انعدام من يحجبه، وقد بينت السنة النبوية صورة كانت هي سبب نزول هذه الآية، ورث الأخ فيها بالتعصيب بعد أخذ أصحاب الفرائض حقوقهم، وكما هو مقرر في علم أصول الفقه أن سبب النزول قطعي في الدخول؛ أي تدل عليه الآية الكريمة دلالة قطعية لا يقبل التأويل.
روى أبو عيسى الترمذي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي أُحُدٍ شَهِيداً، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً، وَلاَ يُنْكَحَانِ إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ.
قَالَ جابر: فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «يَقْضِى اللَّهُ فِي ذَلِكَ».
قَالَ جابر رضي الله عنه: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ: «أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِىَ فَهُوَ لَكَ».
فكان قضاء الله الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هو توريث الأخ بالتعصيب بعد ما أخذ أصحاب الفروض حقوقهم. فلم يكن توريث الأخ رأيا رآه الفقهاء.
وحديث جابر صححه الحاكم في المستدرك، وفي سنده ابن عقيل وهو متكلم فيه، وقد قبِل جماعة من أهل العلم بالحديث حديثه واحتجوا به وخالفهم في ذلك آخرون، ولكن الشاهد منه محفوظ، فقد قال أبو عمر ابن عبد البر المالكي (ت 463) في الاستذكارعند حديث جابر: هذه سنة مجتمع عليها لا خلاف فيها والحمد لله.
– أخت الميت ترث بالتعصيب وحيا من الله ورسوله وليس رأيا من الفقهاء.
بداية، المرأة لا تكون عصبة، فالعصبة كل ذكر يدلي بنفسه بالقرابة ليس بينه وبين الميت أنثى، ولكن جرى على لسان الفقهاء تسمية الأخت مع بنت الميت عصبة، وقد بين القرطبي -نقلا من فتح الباري لابن حجر-سبب ذلك فقال رحمه الله: "وأما تسمية الفقهاء الأخت مع البنت عصبة فعلى سبيل التجوز؛ لأنها لما كانت في هذه المسألة تأخذ ما فضل عن البنت أشبهتالعاصب". اه.
رواه البخاري في الصحيح وغيره أنه سُئِلَ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: أَقْضِى فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- «لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِىَ فَلِلأُخْتِ».
يدل هذا الحديث أن الأخت ورثت بالتعصيب قضاء من رسول الله كما شهد به ابن مسعود وأكده بقولهلأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. كما في صحيح البخاري.
وقد استقرالفقه الإسلامي على ما قضى بها النبي صلى الله عليه وسلمفي هذا الحديث، يقول الشوكاني في نيل الأوطار: وفيه دليل على أن الأخت مع البنت عصبة، تأخذ الباقي بعد فرضها إن لم يكن معها ابنة ابن، كما في حديث معاذ، وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض بنت الابن كما في حديث هزيل (أي حديث ابن مسعود)، وهذا مجمع عليه.
قلت: وحديث معاذ الذي ذكره الشوكاني ينقل صورة أخرى التي ترث فيها أخت الميت مع البنت وتصير الأخت عصبة، روى أبو دواد بسند صحيح عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَرَّثَ أُخْتًا وَابْنَةً فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَنَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ حيّ.
ومما يجدر التنبيه عليه، أن ميراث أخت الميت بالتعصيب هو مثال واضح يبطل مزاعم الموقعين على النداء؛ وهي أن علة الإرث بالتعصيب هي الواجبات المالية التي أوجبها الله على العصبة -أي على الذكور من جهة عصبة الرجل-مثل ثمن الدية على عصبة القاتل أي على العاقلة، أو واجبات النفقة على الرجال من جهة العصبةللمرأة، وغيرها من الواجبات المالية التي هي على الرجال دون النساء، ولكن في هذين المثالين قد تخلفت تلك العلة المزعومة أو الدعوى المزعومة، وهذا يدل على أن ما عللوا به ليس صحيحا، وهو سبب كاف بإبطال مزاعم الموقعين على النداء.
وحري بنا كذلك أن نشير إشارة خفيفة أن لكل حكم من أحكام الشريعة حكمة وغاية، قد تظهر في بعض الأحكام جلية وقد تكون في أخرى خفية، والجلي منها لا ينضبط فضلا عن الخفي منها، وأمثل لكم بمثال واحد يتضمن حكمُه حكمةً جلية لتقريب المقصود:
الصلاة في السفر تصلى بالتقصير وهي رخصة من الله سبحانه، والحكمة من ذلك هو رفع المشقة على المسافر، وهي حكمة جلية لا يختلف فيها اثنان، ولو علقنا الحكم بحكمته وهي المشقة في هذا المثال لجاز أن نقصر الصلاة في الحضر حينمانشعربالمشقة، بل قد يتأتى لنا في بعض الأسفار راحة معينة تنفي عنا المشقة، ويكون إتمام الصلاة هو المطلوب في ذلك السفر، وبالتالي نقع في مخالفة مراد الله وحكمتهوسوء تطبيق لحكمه.
ولهذا أجمع العلماء على تعليق الحكم بالعلة التي هي وصف ظاهر منضبط، ولم يعلقوا الحكم على الحكمة لعدم انضباطها وإن كانت جلية. وفي المثال الذي ضربت كانت علة الحكم هي السفر، فالسفر وصف ظاهر منضبط، فحيث وجد السفر تكون رخصة التقصير وحيث غاب لم يشرع التقصير، كما أن السفر مظنة الحكمة التي هي المشقة؛ لأن غالب الأسفار فيها مشاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب"، وبهذا تتحقق حكمة الشارع وانضباط أحكامه.
والغرض من هذا الكلام أن نصل إلى أنّ أقصى ما يتشبث به أصحاب نداء الإلغاء هو تعليق حكم التعصيب بالحكمة التي ظنوا أنها حكمة وهيهات هيهات؛ وهي أن الإرث بالتعصيب كان لحكمة في زمن التشريع وهي كثرة مسؤوليات المالية على الرجل دون المرأة، ولهذا استحق هذا التمييز، وبما أن المرأة أصبحت تعمل وتشتغل في وقتنا المعاصر فلابد أن نغير حكم الإرث بالتعصيب.
وهذه الحكمة التي زعموا أنها حكمة غير ظاهرة ولا منضبطة تماما، فقد كانت النساء في زمن الأول تشتغلن -وإن كنا قلة- ولهن أموال ترصد للتجارة أو الزراعة أو غيرهما، ولا تخفى على الجميع حال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها صاحبة التجارة الكبيرة، ورغم ذلك شرع الله أحكام الإرث بالتعصيب، بل قدّم المرأة دون الرجل في حالة وجود بنت الميت وأخته وعمه، فأعطى للبنت النصف وللأخت النصف ولم يؤخذ العم شيئا، بل حتى أخ الميت غير الشقيق لا يؤخذ شيئا وتأخذ الأخت الشقيقة ما بقي من التركة، وهذا بيان واضح لعدم ظهور الحكمة المزعومة.
أما عدم انضباطها فلأن تعليق الحكم بهذه الحكمة المزعومة وهو المشاركة في العمل، والتي تقتضي أن نعطي المرأة العاملة ونمنع المرأة غير العاملة، فترث بنت لأنها كانت تساعد أباها في النفقة، ونمنع أختها لأنها لم تساعد أباها في النفقة، وهذا المقتضي يسري كذلك حتى على الرجال، فنعطي من يعمل ونمنع من لا يعمل، ونعيش في فوضى عدم انضباط الحكم كما مثلنا في المثال السابق بتقصير الصلاة وإن كانت الحكمة فيه جلية، فكيف بحكمة وهمية ليس لهاأساس ولا أزِمّة ولا خطام.
وما يصادفنا أحيانا من محاولة بعض العلماء أو الباحثين تلمس السر في التفرقة بين الذكر والأنثى في الميراث حينما تكون الأفضلية للذكر بسب التعصيب أو غيره،ما هي إلا محاولة منهم لمقاربة حكمة الحكم والباعث عليه،وليس لأجل تعليق الحكم به؛ لأن ما قيل من كلام في الموضوع غير ظاهر ولا منضبط ولا مؤثر في الحكم، والعاقل يجزم بكل اطمئنان وتسليم أن أنصبة الإرث من حيث هي نسب غير معقولة المعنى، ولا إمكانية لمعرفةعللها بالمعنى الأصولي، ولا مجال لتغييرها، فحقيقتها أمر تعبدي لا مجال للاجتهاد فيه... {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
وإذ كنا نقرر في هذا المقال أن الإرث بالتعصيب كان مبناه على القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، وليس على مجرد الرأي والاجتهاد كما يدعيه أصحاب النداء، فإن الخلاف الحاصل في بعض مسائل الإرث بالتعصيب -وهي قليلة مرده إلى فهم النصوص الشرعية، وليس في أصل الدليل المتبع، كما أن اختلاف العلماء في مسألة ما ليس مسوغا للقفز على الأدلة الشرعية المحكمة أو على منظومة الإرث الثابتة بالأدلة القطعية،والذي جاء موضوع مقالنا ليبرهن عليها.
هذا المقال-الذي هو في حقيقة الأمر-موجه بالأساس إلى المغاربة المتشبثين بدينهم حتى يعلموا الأسس التي قامت عليها أحكام الإرث التي فرضها الله بعلمه وحكمته، والتي هي عدل كلها ومصلحة كلها، عَلِمها مَن علمها أو جهلها مَن جهلها.
أما أصحاب النداء بإلغاء الإرث بالتعصيب فنحن على يقين أنهم لا يتحاكمون معنا إلى مقتضى الأدلة الشرعية، بل عنها متنكبون مستهزئون، وخير دليل على ذلك الشعار الذي يرفعونه ويرمزون به إلى تخطئة الله سبحانه (1+1=3)، ولكنهميموهون بشبه لئيمة حتى تخفى على الناسمرجعيتهم العلمانية "الحداثية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.