عبد النباوي يحذر من الجريمة المنظمة    نشرة إنذارية..طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح بعدد من مناطق المملكة    الأكاديمية الدولية للشعر تتوج المغرب    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    بنعلي وقيوح يبحثان التعاون العملي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    جوفنتوس يكتسح العين الإماراتي بخماسية    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    حرائق الواحات بالمغرب… تهديد للبيئة وخسائر اقتصادية    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ثقافة التكفير والظلم.. إلى ثقافة التفكير والعدل!.. تكفير المعتزلة أنموذجا
نشر في هوية بريس يوم 13 - 04 - 2018


هوية بريس – كريم النافعي
أكثرَ خصوم المعتزلة من التشنيع عليهم، ورميهم بالبدعة والانحراف والزندقة والكفر! بل وصل الأمر ببعض" العلماء!" إلى الفتوى باستباحة دماءهم وأموالهم وأعراضهم!!
وإن المرء ليستغرب ويتعجّب أشدّ العجب وهو يطالع الكتب التي تحدثت عن أحوال الفِرَق الإسلامية ، التي تميّزت _أغلبها_ بالبعد عن الطريقة العلمية في الحكم على الآراء، والإجحاف في نقل النصوص والتحريف والتهويل عند الحديث عن أصول وفروع الفرق الإسلامية، مع أن الله تعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))
ويزيد التلبيس والتدليس عند حكاية الخصوم آراء المعتزلة على وجه الخصوص!!
وعلى سبيل المثال ، نذكر هذا الحكم الذي أطلقه الإمام عبد القادر البغدادي على المعتزلة ومن معهم وهو مما_ تقشعر منه الجلود والأبدان!!
حيث يقول:" وَأما أهل الأهواء من الجارودية والهشامية والنجارية والجهمية والامامية الَّذين كفروا أخيار الصَّحَابَة والقدرية الْمُعْتَزلَةعَن الْحق!! والبكرية المنسوبة الى بكر ابْن اخت عبد الْوَاحِد والضرارية والمشبهة كلهَا والخوارج فانا نكفرهم !! كَمَا يكفرون اهل السّنة وَلَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِم عندنَا وَلَا الصَّلَاة خَلفهم وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي التَّوَارُث مِنْهُم فَقَالَ بَعضهم نرثهم وَلَا يرثوننا وبناه على قَول معَاذ بن جبل ان الْمُسلم يَرث من الْكَافِر وَالْكَافِر لَا يَرث من الْمُسلم وَالصَّحِيح عندنَا ان اموالهم فَيْء!! لَا توارث بَينهم وَبَين السنى وَقد روى ان شَيخنَا أَبَا عبد الله الْحَرْث بن اسد المحاسبى يَأْخُذ من مِيرَاث ابيه شَيْئا لَان اباه كَانَ قدريا وَقد أَشَارَ الشافعى الى بطلَان صَلَاة من صلى خلف من يَقُول بِخلق الْقُرْآن وَنفى الرُّؤْيَة وروى هِشَام بن عبد الله الرازى عَن مُحَمَّد ابْن الْحسن انه قَالَ فِيمَن صلى خلف من يَقُول بِخلق الْقُرْآن انه يُعِيد الصَّلَاة !وروى يحيى بن اكثم ان أَبَا يُوسُف سُئِلَ عَن الْمُعْتَزلَة فَقَالَ هم الزَّنَادِقَة!!
… ورد مَالك شَهَادَة اهل الاهواء فِي رِوَايَة اشهب عَن ابْن الْقسم والحرث بن مِسْكين عَن مَالك انه قَالَ فِي الْمُعْتَزلَة زنادقة لَا يستتابون بل يقتلُون!!
وأما الْمُعَامَلَة مَعَهم بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فَحكم ذَلِك عِنْد اهل السّنة كَحكم عُقُود الْمُفَاوضَة بَين الْمُسلمين الَّذين فى اطراف الثغور وَبَين اهل الْحَرْب وان كَانَ قَتلهمْ مُبَاحا!!
وَلَا يجوز ان يَبِيع الْمُسلم مِنْهُم مُصحفا! وَلَا عبدا مُسلما فِي الصَّحِيح من مَذْهَب الشافعى وَاخْتلف اصحاب الشافعى فِي حكم الْقَدَرِيَّة الْمُعْتَزلَة عَن الْحق فَمنهمْ من قَالَ حكمهم حكم الْمَجُوس لقَوْل النبى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقَدَرِيَّة انهم مجوس هَذِه الامة فعلى هَذَا القَوْل يجوز اخذ الْجِزْيَة مِنْهُم وَمِنْهُم من قَالَ حكمهم حكم الْمُرْتَدين!!!! وعَلى هَذَا لَا تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة بل يستتابون فان تَابُوا والا وَجب على الْمُسلمين قَتلهمْ !!!!!!! اه
(الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر البغدادي (المتوفى: 429ه)، 1/150 وما بعدها)
نعوذ بالله من هذا الكلام !! كيف يحل لمسلم التلفظ به والنبي العدنان عليه أفضل الصلاة والسلام يقول (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا))
ويقول عليه الصلاة والسلام (( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ))
وبعيدا عن ثقافة التكفير واستباحة الدماء المعصومة، نذكر_باختصار_ الأسباب التي تولّد من رحمها هذا الفكر "التكفيري " وقد اخترنا بيان التدليس الذي وقع على المعتزلة أنموذجاً-باعتبارهم في نظري أنهم أكبر فرقة إسلامية تعرضت للشيطنة والتلبيس!
و يمكن إرجاع هذا_الظلم_ الذي تعرّض إليه المعتزلة إلى الأسباب الآتية:
1. عدم جمع الخصوم لمقالات المعتزلة عن العقل الكلامي والعقل الأصولي، بل اقتصروا على الحديث عن العقل الكلامي عند المعتزلة قصدا أو جهلا !
وفي الحقيقة لا يمكن فهم حقيقة العقل وعلاقته بالشرع عند المعتزلة إلا بواسطة هذا الجمع، فقد كان أئمة هذه المدرسة في علم الكلام معتزلة، وفي علم الأصول، حنفية شافعية !.
ومن لم يتفطن لهذ الازدواجية المذهبية؛ فقد أخل بما يقتضيه المنهج العلمي؛ وهو ما وقع فيه أغلب الذين كتبوا عن العقل عند المعتزلة!
2. نقل المنتقدين آراء المعتزلة من خصومهم لا من مصادرهم !!
حيث نجد أغلب المصنفين الذين بحثوا في المذاهب والاختلافات الإسلامية اعتمدوا في نقولهم على المعتزلة على خصمهم (ابن الراوندي) المرتد الذين أجمعت المعتزلة وجميع الطوائف على ردته عن الدين!!
قال العلامة الكوثري مقدمة ((تبيين كذب المفتري)): (( وكثيراً ما يُعزى إلى الفرق أقوالٌ لا توجد في كتبهم، إما توليداً وإلزاماً، أو نقلاً من كتب غير الثقات من الخصوم، كما يقع لعبد القاهر البغدادي في ((الفرق بين الفرق)) و ((الملل والنحل)) له، وكما يفعل ابن حزم في ((الفِصَل))..))
وسبب ذلك كما أشرنا اعتماد مصنفي كتب الملل والنحل (وبالأخص عبد القاهر، الذي نقل عنه من بعده أقواله) على ابن الراوندي الملحد باتفاق الأمة الذي ردّ على المعتزلة بزعمه.
قال الرازي في مناظراته مع أهل ما وراء النهر في المسألة العاشرة عند ذكره لكتاب ((الملل والنحل)) للشهرستاني: (( إنه كتابٌ حكى فيه مذاهب أهل العلم بزعمه إلا أنه غير معتمد عليه، لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى ب((الفَرق بين الفِرق)) من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي، وهذا الأستاذ كان شديد التعصب على المخالفين، ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه، ثم إن الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإسلامية من ذلك الكتاب، فلهذا السبب وقع الخلل في نقل هذه المذاهب)اه
قلت: وقد بيّن كذب هذا الأفاك الكذاب ابن الروندي صاحب كتاب {فضيحة المعتزلة} الإمام أبي الحسين الخياط المعتزلي في كتابه (الانتصار والرد على ابن الروندي الملحد)!
3. الأخذ بلازم المذهب!
_والأخذ بلازم المذهب ذريعة فتحها خصوم المعتزلة ومحبي التكفير والدماء !لاستسهال تكفير المخالف والتجني عليه باتهامه بالبدعة والانحراف والكفر والزندقة…وصولا لاستباحة الدماء الذي تعتبر عند البعض أطيب غداء…!!
قال العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه(أليس الصبح بقريب،ص 181) عند حديثه عن أسباب تأخر علم الكلام قال رحمه الله:"_التنابز وإلزام لوازم المذاهب وذلك أوجب إباية الرجوع إلى الحقٍّ إذ في طبع الإنسان كراهية الرجوع إلى من يجترئ عليه، والخلاف بين العقلاء نادر لَو راموا التقارب، ولو اهتدى الناس بهدي السلف لقالوا قلولَهم: "لا نُكَفٍّر أحداً من أهل القبلة"، اتّخذ المرتابون في العقائد سلاحهم عن الضعف عن تأييد مذاهبهم التكفير سلاحاً والأخذ بلوازم المذاهب! يدفعون بذلك الذين يخشون قوة جدلهم !، أما السلف العلماء فقد كانوا يحبون أن يسألهم المسترشد أو يجادلهم الضالُّ؛ ليزيلوا عنه ما عساه أن يلمَّ به من الشبه، وما كانوا يتحاشون من موافقة بعض الفرق المخالفة متى اتَّحَدَ طريق النظر، أما المتأخّرون وخصوصا الأشاعرة فقد أكثروا من الأخذ باللوازم وفتشوا لكلٍّ طائفة عن مقالة ألزموها بها الكفر ! حتىَّ كفروا المعتزلة ! الذين هم أقرب الناس وفاقاً معهم ! وقد ترقوا فألزموا أصحابهم أيضاً لوازم سيئة …وأوّل ما حدث من التكفير والأخذ باللازم في الخلاف ما حدث من الفتن في مسألة خلق القرآن، تلك الفتنة المضحكة المبكية..ويشبه الأشاعة في غلّوهم على المخالفين الزمخشري في "كشافه".
ومن توابع هذا الباب كثرة تحريف المخالفين كلام مخالفيهم ! وذلك شيء يعسر الاستثناء فيه" اه
ومذهب العلماء المحققين الخائفين من رمي المخالف بما ليس فيه، واتهامه بالباطل، وتحريف رأيه هو تقريرهم بأن " "لازم المذهب ليس بمذهب" !
يقول الإمام ابن تيمية " "وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب؛ هل هو مذهب، أو ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق أحدهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله، وإن كان متناقضًا، وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع ملزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه" (الفتاوى لابن تيمية: [29/42]).
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "لا يجوز أن يُنسب إلى مذهبٍ من يُصرِّح بخلافه، وإن كان لازمًا من قوله" (قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت: [1/172]). ويقول القرافي رحمه الله في الفروق: إن "شيوخنا البجائيين والمغربيين كانوا يقولون إن لازم المذهب ليس بمذهب، ويروى أنه رأي المحققين أيضًا، فلذلك إذا قرر على الخصم أنكره غاية الإنكار" (الفروق مع هوامشه؛ للقرافي: [3/408]،).
وقال ابن حزم رحمه الله: "وأما من كفَّر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم، وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفرًا" (الفصل في المِلل؛ لابن حزم: [3/139]
وبعد بيان بعض مظاهر ثقافة التكفير والظلم، نعرّج سريعا للشق الثاني من العنوان، وهو الدعوة إلى التحلي بثقافة التفكير والعدل !
ونظل مع المعتزلة أنفسهم، لبطل ما زعمه كثير من الباحثين حينما بالغوا بقولهم"..و المعتزلة يحكّمون العقل مطلقا! حتى أنهم يوجبون رد الشرع إذا خالف مقتضى العقل! …وذهبت المعتزلة خلافا للأمة إلى أن العقل هو الحاكم في الأشياء كلها!
وأن الشرع إما مؤكّد لحكم العقل وإما مبين لما خفي على العقل بيانه"اه(من كتاب معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال، للسالمي عبد الله1/113)
ولست أدري أين قال المعتزلة مثل هذا؟!
إن هذا القول على إطلاقه فيه الكثير من المبالغة وعدم الدقة والموضوعية!
إن الثابت عند المعتزلة _كما عند عامة المسلمين_ أن الحاكم هو الشرع، كما قال عبد العلي الأنصاري الحنفي" لا حكم إلا من الله تعالى بإجماع الأمة؛ لا كما في كتب بعض المشايخ؛ أن هذا عندنا، وعند المعتزلة الحاكم العقل، فإن هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام، بل إنما يقولون: إن العقل معرّْف لبعض الأحكام الإلهية، سواء ورد به الشرع أم لا. وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضا…والنزاع هكذا لا يليق أن يقع بين أهل الإسلام، لما مرّ أن إجماع المسلمين على أن لا حاكم إلا الله تعالى" (فواتح الرحمون بشرح مسلم الثبوت1/308).
وقال أبو الحسين البصري المتكلم المعتزلي (436 ه) شيخ المعتزلة وهو يقول" وأن الأمة اتفقت على وجوب طاعة الله ورسوله، وامتثال أوامرهما طاعة لهما،..ولا خلاف بين الأمة في الاستدلال بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم على الأحكام. وإذا علمانا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل فعلا على جهة الوجوب، فقد تعبّدنا أن نفعله على جهة الوجوب، وإن علمنا أن تنفّل به؛ كنا متعبّدين بالتنفل به، فإن علمنا أن فعله على وجه الإباحة؛ كنا متعبّدين باعتقاد إباحته لنا وجاز لنا أن نفعله"(المعتمد في أصول الفقه، 1/67)
_ومن أحسن الدراسات التي أبطلت هذه الشبهة التي ألصقت بالمعتزلة_ظلما وزورا_ وغيرها من التهم الأخرى، نجد رسالة د.مليكة ختيري الموسومة ب"تراث المعتزلة في اصول الفقه: دراسة تحليلية" وكذلك كتاب ذ.عبد النور بزا "نظرية التعليل في الفكرين الكلامي والأصولي" حث تناول هذه_الشبهة_ وأبطلها عند حديثه عن نظرية التحسين والتقبيح العقليين عند المعتزلة، بمنهج علمي دقيق، خلص فيه إلى جملة من الاستنتاجات وهي كالآتي:
أ_تمجيد المعتزلة للعقل وإرشادتهم بقدراته المعرفية، لا يعني أكثر من التنبيه إلى أهميته، ودوره في اكتساب المعارف التي هي من اختصاصه، سواء قبل مجيئ الشرع أو بعد مجيئه، وما إدراكه النسبي لأصول الاعتقاد، وقواعد القيم، وما فيها من الأشياء والأفعال من حسن أو قبيح، إلا دليل قصوره المعرفي.
ب_لم يقل المعتزلة باستقلال العقل عن الشرع، ولم يقدموه عليه في مجال الأحكام التفصيلية، سواء في قضايا العقيدة، أو الشعائر التعبدية، أو القيم الأخلاقية، أو المعاملات الاجتماعية، وذلك لاعتقادهم_كباقي المسلمين_ بأنه لا حكم إلا لله، وأما العقل فهو مناط التكليف، ودوره محصور في التلقّي والفهم والاستنباط لأجل التنفيذ العملي.
ج_ لم يقدم المعتزلة النظر العقلي على النص الشرعي إلا مجال الاستدلال العقدي وما يتعلق بأصول القيم. وهو مما ليس فيها كبير خلاف بين أهل العلم من جميع المذاهب الإسلامية، فأغلبهم قال بذلك، وإن اختلفوا في التعبير.
د_فرّق المعتزلة بوضوح بين ما مجاله النظر العقلي؛ وهو كل ما يثبت بمنطق الاستدلال العقلي، ويشمل أصول الاعتقادات وأمهات القيم(الواجبات العقلية)، وما مجاله الحكم الشرعي؛ وهو ما يعتمد صحيح الدليل الشرعي، ويشمل تفاصيل المعتقدات والأحكام العملية (الواجبات الشرعية).
ولا غرابة في هذا التفريق؛ فقد كان أئمة هذه المدرسة في علم الكلام معتزلة، وفي علم الأصول، حنفية شافعية.
د_لا يمكن فهم حقيقة العقل وعلاقته بالشرع عند المعتزلة، إلا بالجمع بين مقالاتهم عن العقل الكلامي والعقل الأصولي!!
ومن لم يتفطن لهذ الازدواجية المذهبية؛ فقد أخل بما يقتضيه المنهج العلمي؛ وهو ما وقع فيه أغلب الذين كتبوا عن العقل عند المعتزلة!
ومجمل اعتقادهم في العقل لا غير. ولو أنهم استحضروا الجانب الآخر من المنظومة الاعتزالية؛ وهو العقل الأصولي. ولم يغيبوه لأمر ما، لما نسبوا للمعتزلة مالم يفكروا فيه، ولم يخطر لهم على بال.
و_حجية العقل غير حاكمية العقل، فالعقل مصدر إدراك، وليس مصدر تسريع بعد مجيئ التشريع كما هو مقرر عن المعتزلة.
ز_ لقد آن الأوان لنتعامل مع ترتثنا عموماً، وتراث المعتزلة خصوصاً بما يقتضيه المنهج العلمي الموضوعي؛ فنعبّر عنه كما هو، وننقل مضامينه للأجيال كما أرادها أصحابها؛ ولنتخل عن التعامل الانتقائي أو الحزبي، ولنبتعد عن التعصب المذهبي في تعاملنا مع الرأي المخالف أيا كان. وبذلك يمكن أن نسهم حقيقة في البناء الثقافي؛ وإلا فهو الهدم الذي لا ينتج إلا المزيد من التراجع الحضاري" أه
ولو أنصف النظّار لم يصبحوا ……. في كل بحث فرق شتىّ
إن طريق الحق معرفة ……… لا عوج فيها ولا أمتا
وفي الأخير نقول بأنّ ثقافة التكفير والظلم سهلة المورد، يحسنها كل أحد، بينما ثقافة التفكير والعدل صعبة المنال، لا يتّحلّى بها إلاّ الكمّل من الرجال !
هذا والله أعلم ، وإنما الموفق من وفقه الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.