جيش الاحتلال يوسع هجومه البري في غزة والأمم المتحدة تدعو إلى وقف "المذبحة"    البوليساريو، إيران والجزائر: مثلث عدم الاستقرار الجديد الذي يهدد الصحراء والأمن الأوروبي    المغاربة يواصلون تصدر الجاليات الطلابية الأجنبية في فرنسا    رئيس الحكومة يترأس اجتماع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية.. "24,3 مليون مستفيد من التأمين الإجباري الأساسي"    منظمة النساء الاتحاديات تجدد التزامها بالدفاع عن قضايا المرأة والمشاركة السياسية    أكدت دعمها لدور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس ..القمة العربية الإسلامية الطارئة تجدد التضامن مع الدوحة وإدانة الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    أسطول الصمود المغاربي: سيرنا 9 سفن لغزة ونجهز 6 للإبحار اليوم    اليونيسف: أكثر من 10 آلاف طفل في غزة بحاجة لعلاج من سوء التغذية الحاد    الكان، الشان، ودوري الأبطال: الكاف يرفع الجوائز المالية ويشعل المنافسة القارية    خوان ماتا يتعاقد مع ملبورن فيكتوري الأسترالي    أوناحي: الأسود جاهزون للتتويج بكأس أمم أفريقيا في المغرب    زيادة عامة في أجور العاملات والعاملين بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    المستشفى العمومي بأكادير .. الورقة التي عرت عجز الحكومة وأسقطت قناع فشل المنظومة الصحية    بلاوي يشدد على الطابع الاستثنائي لبرقيات البحث ويدعو إلى صون حرية الأفراد    إطلاق طلبات دعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    أزيد من 4 ملايين.. عملية "مرحبا 2025" تسجل عبورا قياسيا    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    أوزود تحتضن سينما الجبل برئاسة محمد الأشعري وتكريم علي حسن و لطيفة أحرار وعبداللطيف شوقي    مسابقة لاختيار شبيهة للممثلة ميريل ستريب    الفترة الانتقالية بين الصيف والخريف تتسبب في ارتفاع الحرارة بالمغرب    أبو المعاطي: مكتب الفوسفاط في الريادة .. وتطوير الأسمدة ضرورة إستراتيجية    الممثل الهوليوودي روبرت ريدفورد يفارق الحياة        ضوابط صارمة.. منع "التروتنيت" في المحطات والقطارات وغرامات تصل 300 درهم    انتخابات 2026 .. الاتحاديون يطالبون بلجنة وطنية و"روبوتات بالأمازيغية"    إسبانيا تشترط للمشاركة في "يوروفيجن 2026" استبعاد إسرائيل    الأرصاد الجوية تحذر من زخات ورياح    مايسة سلامة الناجي تلتحق بحزب التقدم والاشتراكية استعدادا للاستحقاقات المقبلة    المغرب يتقدم في مؤشر الابتكار العالمي        لوكسمبورغ تعتزم الاعتراف بفلسطين    حفل الإعلان عن الفائزين بجائزة علال الفاسي لسنة 2024    "التغذية المدرسية" تؤرق أولياء أمور التلاميذ    كلاسيكو الرجاء والجيش يلهب الجولة الثانية من البطولة الإحترافية    عصبة الأبطال الأوربية.. أرسنال يحرم من خدمات ساكا و أوديغارد في مواجهة بلباو    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس            أساتذة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بطنجة يلوّحون بالتصعيد احتجاجًا على "الوضعية الكارثية"    الذهب يسجل ارتفاعا قياسيا مع تراجع الدولار قبيل اجتماع المركزي الأمريكي    ترامب يقاضي صحيفة نيويورك تايمز بتهمة التشهير ويطالب ب15 مليار دولار تعويضًا    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مهرجان "موغا" يكشف برنامج "موغا أوف" بالصويرة    غزة تتعرض لقصف إسرائيلي عنيف وروبيو يعطي "مهلة قصيرة" لحماس لقبول اتفاق    مجلة أمريكية: المغرب يفرض نفسه كإحدى أبرز الوجهات السياحية العالمية    أمرابط: رفضت عروضا من السعودية    دراسة: الأرق المزمن يعجل بشيخوخة الدماغ        صحافة النظام الجزائري.. هجوم على الصحفيين بدل مواجهة الحقائق    افتتاح الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي بمشاركة مغربية    موسكو تعزز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المغرب    بوصوف يكتب.. رسالة ملكية لإحياء خمسة عشر قرنًا من الهدي    الملك محمد السادس يدعو لإحياء ذكرى 15 قرناً على ميلاد الرسول بأنشطة علمية وروحية    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية        الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    المصادقة بتطوان على بناء محجز جماعي للكلاب والحيوانات الضالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيميائيون يبدأون مهمة شبه مستحيلة «لقتل» البلاستيك
نشر في كشـ24 يوم 20 - 08 - 2018

تبلغ كمية البلاستيك التجاري المستخدمة حالياً نحو 400 مليون طن سنوياً، ينتهي قسم كبير منها في مياه المحيطات وبطون الأسماك الهالكة.
كيميائيون من حول العالم أخذوا على عاتقهم «مهمة شبه مستحيلة» لاختراع بلاستيك قابل للتحلل والتحول، بما يخدم الأهداف التجارية والبيئية، لعلهم يطيلون من عمر الكوكب بضع سنوات. في مختبر بجامعة إلينوي الأميركية صنع الدكتور آدم فاينبرغ لوحاً رقيقاً من البلاستيك الأصفر الفاقع ثم مزقه إلى قطعٍ صغيرة.
اختار فاينبرغ قالباً على شكل حرف «I» نسبةً لشِعار جامعته، حيث يعمل كيميائياً. ثمَّ ملأ القالب بالقطع البلاستيكية وأدخله في فرنٍ ساخن. يقول فاينبرغ لصحيفة The New York Times: «فتحت القالب ووجدت أمامي حرف «I» ذا اللون الأصفر الجميل هذا». اجتاز البلاستيك الجديد الذي صنعه أوَّل اختبارٍ له؛ إذ تبيِّن أنه قابل للقولبة باستخدام الحرارة مثل البلاستيك العادي. لكنَّ ثمة خطوةً مهمة أخرى كانت متبقية لإنجاز مهمَّة وضع تصوّر جديد لعالم البلاستيك المتين.
وضع فاينبرغ قطعة البلاستيك تحت ضوءٍ أبيض، وبعد خمس دقائق، لم يتبقَّ سوى نصفها. أما نصفها الآخر فقد سقط على الأرض. عندما جمَّع فانيبرغ أجزاء القالب المشكَّل على صورة حرف I، وجد ثقباً في منتصفه، ومكان هذا الثقب مادة صفراء لزجة. ما حدث للبلاستيك لم يكن مجرد ذوبان؛ بل إن وَحدات البناء المكوَّنة له، أي البوليمرات الاصطناعية الداخلة في تركيبه، عادت إلى وَحداتها الجزيئية الأصلية. قال فاينبرغ في وصف التجربة الناجحة: «انتابني شعورٌ يفوق الوصف».
لم تُصمَّم معظم البوليمرات الاصطناعية -وهي كلمة يونانية تعني «أجزاء كثيرة» لأنَّها عبارة عن سلاسل طويلة من عدة جزئياتٍ متطابقة- كي تتفكك أو تختفي. بل كان الغرض من تصميمها أن تبقى لأطوَل فترة ممكنة بمجرد أن بدأ استخدامها بديلاً للمعادن والزجاج في الأشياء المصنَّعة لتظل صالحة لمدة طويلة مثل السيارات والطائرات.
لكنَّ البوليمرات الاصطناعية باتت شائعة الاستخدام وقابلة للتغيير بحيث يتم استخدامها في أشياء مختلفة لدرجة أنَّها، بعد عقود، أصبحت في قلب العبء العالمي الذي يزن مليارات الأطنان مِن مخلَّفات البلاستيك. ثم بدأت حملات لإيقاف المنتجات التي لا يتناسب عُمر استخدامها مع عُمر بقاء المادة
ولهذا أصبح أحدث ما تستهدفه حملات الحفاظ على البيئة هي منتجات البلاستيك المُعدَّة للاستخدام الواحد المصنوعة من البوليمرات الاصطناعية؛ مثل مصَّاصات الشراب، ومرشّحات السجائر، وأغطية أكواب القهوة، وخلافه. وعلى مدار العقود الأخيرة، أدَّى عدم التناسب بين عُمر استخدام المُنتَج وعُمر بقاء المادة المُصنَّع منها إلى تراكُم المخلَّفات البلاستيكية في مكبَّات النفايات وفي البيئات الطبيعية، وبعضها يطفو على سطح المحيطات ويجرفه التيَّار حتى وصل إلى أقاصي العالم وتبتلع حيوانات من الحياة البحرية قطعاً منه. لا تتم إعادة تدوير سوى النزر اليسير منه؛ إذ تشير بعض التقديرات في الواقع إلى أنَّ 10% فقط من البلاستيك يُعاد تدويره سنوياً.
وتقدَّم الاتحاد الأوروبي بمقترحٍ لمنع منتجات البلاستيك المُعدَّة للاستخدام الواحد، سعياً لخفض إنتاج بعض العناصر بدءاً مِن معدَّات الصيد وحتى أعواد تنظيف الأذن القطنية. وتحاول أيضاً بعض مدن الولايات المتحدة حظر استخدام بعض أنواع البلاستيك، مثل أكياس البقالة ومصَّاصّات الشراب المنتشرة التي أصبحت فجأة رمزاً لموطِن الخلل في ثقافتنا الاستهلاكية.
ساعدت الآثار البيئية لتكدُّس البلاستيك وانحسار شعبية منتجاته في دَفع الكيميائيين في مهمَّةٍ لصناعة مواد تحقِّق مطلبين متضاربين: أن تكون متينة، وقابلة للتحلُّل عند الطَلب. باختصار، ينشد العلماء صُنع بوليمرات أو أنواع من البلاستيك تحتوي آلية تدمير ذاتي في تركيبها. قال فاينبرغ: «إنَّهما معياران على طرفيّ النقيض ونحاول السير على حبلٍ مشدودٍ بينهما».
ويقول إنَّه من الأسهل تشكيل بلاستيك متين دون تدميره، ولكن في الوقت ذاته، لا ينبغي ألا يظل موجوداً إلى الأبد. ويقول مارك هيلماير، مدير مركز البوليمرات المستدامة بجامعة مينيسوتا: «البراعة الحقيقية تكمن في أن تجعل البوليمرات ثابتة أثناء استخدامها، وغير ثابتة عند عدم الرغبة في استخدامها». ومع أنَّ البلاستيك ذاتيّ التدمير لن يكون الحل الناجع لمشكلة مخلَّفات البلاستيك، إلَّا أنَّ بمقدوره أن يفسح المجال لتطبيقاتٍ جديدة في مجالات توصيل الأدوية، والمواد المُلتئِمة ذاتياً، بل وحتى بعض الإلكترونيات.
تتطلب الخطوة الأولى انتقاء بوليمرات غير مستقرَّة بطبيعتها، وعادةً ما يتم تجاوزها على مر التاريخ نظراً لهشاشتها. إذا ما خُيِّرت هذه البوليمرات، فإنَّها تميل لأن تبقى في هيئة جزيئاتٍ صغيرة. ما يقوم به العلماء هوَ أنَّهم يجبرون تلك الجزيئات على الارتباط ببعضها البعض في صورة سلاسل طويلة، ثم الإمساك بالبوليمرات الناتجة. أحياناً تسمَّى عملية حلّ تلك البوليمرات باسم «تفكّك البوليمرات»، لأنَّه بمجرَّد تعرُّض البوليمرات لحدث تنشيطٍ ينزع عنه تِلك العوامل الحابِسة، فإنَّ وَحداته تسقُط واحدةً تلو الأخرى حتى تعود البوليمرات بالكامل إلى حالتها الأولى في صورة جزئياتٍ صغيرة.
ويشرح جيفري مور، المُشرِف على فاينبرغ بجامعة إلينوي: «بمجرَّد أن تبدأ العملية، تستمر الجزيئات بالتفكُّك دون توقُّف». حُبِسَت بوليمرات فاينبرغ في حلقاتٍ دائرية، بدلاً مِن أن تكون في سلاسل مفتوحة الأطراف. كانت الحلقات مستقرة. وحتى يُصنَع البلاستِك ذاتيّ التدمير، خَلَط فاينبرغ البوليمرات بالقليل من الصبغة الصفراء الحسَّاسة للضوء. وعندما يسلَّط الضوء على البلاستيك، تنتزع جزئيات الصبغة المنشَّطة الإلكترونات من البوليمرات. تنكسر الحلقات، تاركةً أطراف البوليمرات مكشوفة، لتتفكّك.
يحبس علماء آخرون جزيئات البوليمرات خاصتهم بسدِّ أطراف السلاسل الطويلة أو ربط السلاسل ببعضها البعض في صورة شبكات. ومن خلال تصميم تقنيات الحَبس تلك لتنكسر البوليمرات فور مواجهة حدثٍ منشط ما مثل الضوء أو الأحماض، يمكن للعلماء التحكُّم بأوان وكيفية تفكّك البوليمرات. تقول إليزابيث غيليز، الكيميائية المختصَّة بالبوليمرات لدى جامعة ويسترن في لندن بإقليم أونتاريو بكندا: «يمكننا إحداث تغييرٍ كبير في خواص البوليمر أو إحداث تحلّل كليّ له جرَّاء حدثٍ واحد فحسب». وتقول إنَّ التفكيك السريع وعند الطلب يمنح البوليمرات المتفكِكة أفضلية على نظيرتها القابلة للتحلُّل الحيوي، إذ إنَّ التحلل الحيويّ عادةً ما يكون بطيئاً ويصعب التحكم به.
نظرياً، ربما يساعد هذا الجيل المقبل من البوليمرات في التخفيف من مشكلات التلوُّث المصاحبة لمنتجات البلاستيك. إذا جرى تجميع وَحدات بناء البوليمرات بعد تفكّكها لصِناعة بوليمرات جديدة، فإنَّ هذا قد يؤدي لإعادة تدويرها كيميائياً. ومُعظَم عمليات إعادة التدوير التي تُنفَّذ اليوم تتضمَّن إذابة البلاستيك وإعادة قولبته. وقال الدكتور هيلماير: «في رأيي هذه العملية واعِدة، وتكمُن المشكلة في جَعلها زهيدة التكلفة بما يكفي، وجعل خواص البوليمرات الجديدة تنافِس تلك الشائع استخدامها بدرجة تكفي لتكون ذات نفعٍ ولكي تتمكن من اختراق السوق والوصول إلى المستهلك». من الناحية الاقتصادية، يعد إحلال البوليمرات المتفكِّكة محل البوليمرات الأكثر استخداماً مثل البولي إيثيلين (أكياس البقالة)، أو البولي بروبيلين (شباك الصيد) أو البولي تيرافيسيليت (الزجاجات ذات الاستخدام الواحد)، أمراً غير ممكن.
قالت الدكتورة إليزابيث: «البلاستيك المستخدَم في التغليف والتعبئة هو أرخص شيء على الإطلاق». وبدلاً مِن التركيز على تِلك السِلَع الرخيصة، يولي العلماء من أمثال هيلماير اهتماماً بالمواد ذات القيمة الأكبر مثل رغوة البولي يوريثان التي يشيع استخدامها في المراتِب ومقاعد السيارات. وفي عام 2016، صنع هيلماير وفريقه «بولي يوريثان» مِن بوليمرات متفكَّكة قابلة لإعادة التدوير الكيميائي. تُشتَق الوحدات الجزيئية المكوِّنة له من السكر وتُربَط معاً لتكوِّن أجزاء البوليمر، التي توصَّل معاً بشكلٍ متشابِك لتكوِّن شبكاتٍ من البولي يوريثان. يبقى الإسفنج الناتج ثابتاً عند درجة حرارة الغرفة لكنَّه يتفكَّك إلى وحدات عند تسخينه لدرجة حرارة أعلى من 400 درجة فهرنهايت.
قال هيلماير إنَّ استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير الكيميائي ربما يصبح حلاً عملياً لا سيما إذا بدأت الشركات تتحمَّل مسؤولية منتجاتها بعد تجاوزها لعمرها الافتراضي. شارك هيلماير في تأسيس شركةٍ ناشئة تُدعى Valerian Materials هدفها الاتّجار في البولي يوريثان القابل لإعادة التدوير. ويقول إنَّه إذا ما اضطُرَت شركات السيارات لاستعادة سيَّارة مستعملة، ربما يكون مفيداً أن يكون لديهم نظام داخلي لإعادة التدوير الكيميائي لصِناعة موادٍ جديدة مِن المواد القديمة. وقالت جينيت غارسيا، وهي كيميائية مختصَّة بالبوليمرات لدى شركة IBM للتكنولوجيا: «هذه العملية هيَ استخلاصٌ للمواد الخام بكل ما تعنيه العبارة من معنى».
يمكُن أيضاً استخدام البوليمرات متفكّكة في إنتاج مواد لاصقة يمكِن إبطال مفعولها. وربما يساعد هذا في فصل عناصر ومواد معقَّدة مثل الألعاب أو الأسطح المصنوعة من مادة الفورميكا إلى مكوِّناتها الفردية لإعادة تدويرها. وقال سكوت فيليبس، الكيميائي المختصّ بالبوليمرات في جامعة ولاية أيداهوا بمقاطعة بويسي: «أداؤنا بالغ السوء فيما يتعلق بإعادة تدوير الصفائح، والمواد المركَّبة، بل وحتى الإلكترونيات». أدخَل فيليبس بالتعاوُن مع هيونغوو كيم، وهو يعمَل الآن لدى جامعة تشونام الوطنية في كوريا الجنوبية، قدراً ضئيلاً من بوليمر متفكِّك في نوعٍ آخر من البوليمر الرخيص شائع الاستخدام.
ولا يكون أيّ من نوعيّ البوليمر لزجاً إذا ما استخدما بشكل منفصل. لكن عند خلطهما معاً، يتشابكان ليكوِّنا شبكات، ويتحولان إلى مادةٍ لزجة رمادية اللون. ولإبطال عمل المادة اللاصقة الناتجة، وضع فيليبس وكيم مركب الفلوريد على حوافّ شريحتين زجاجيتين مجهريتين مُلصقتين معاً، وانفصلت الشريحتان عن بعضهما البعض في غضون دقائق.
يعد وجود البوليمرات المتفكِّكة والمواد القابلة لإعادة التدوير كلياً خطوةٌ نحو الأمام، لكن لا يزال على المستهلكين إعادة تدوير المنتجات على نحوٍ صحيح. وقال ستيف ألكسندر، رئيس اتحاد مُعيدي تدوير البلاستيك في الولايات المتحدة: «التلوُّث حدث لأنَّ المادة لم تُجمَع. إذا لم تفرز أنواع القِمامة بشكلٍ سليم، فإنَّه سينتهي بها الأمر أن تكون مجرد نفايات، مهما بلغت قيمتها». ويقول ألكسندر إنَّ الجَمع والفرز لا يزالان المشكلة الكبرى التي تواجِه العاملين في إعادة التدوير اليوم. ويقول راماني نرايان، الكيميائي المتخصّ بالبوليمرات لدى جامعة ولاية ميشيغن، إنَّ العامل الأهم في ذلك هوَ امتلاك بيئةٍ واضحة ومحدَّدة للتخلُّص من أي غرضٍ بعد انتهاء عُمر استخدامه.
قال نرايان إنَّه يمكن القول إنَّ البلاستيك القابل للتحلُّل الحيوي يحتوي هوَ الآخر على آليةٍ التدمير الذاتي، شريطة أن تنتهي هذه الأنواع من البلاستيك في المكان الصحيح وفي وجود الميكروبات اللازمة. غير أنّ هذه الأنواع من البلاستيك عانت من أعوامٍ من الدعاية الكاذبة والارتباك من جانب المستهلك. ولهذا السبب، يقود نرايات حملةً رائدة للتوجُّه نحو البلاستيك القابل للتحوُّل لسمادٍ للبيئة، بدءاً مِن الأواني المنزلية ومنتجات التغليف المُعدَّة للاستعمال الواحد التي تصنِّعها الشركة المتفرِّعة من هذه الحملة، شركة Nature-Tec.
ولا يقتصر تأثير التحويل إلى سماد على تغيير مجرى البلاستيك المعد للاستخدام الواحد المرتبط بالطعام فحسب، بل يمكن أيضاً أن يحوِّل مسار مخلَّفات الطعام نفسها. يقول نرايان: «إنَّ استخدام مصطلح «قابل التحوُّل لسماد» أمرٌ يحدِّد مصير البئية من حولنا». ويضيف أنَّه تعريفٌ «حاسم» بالنسبة للمستهلكين الذين يحاولون اختيار السلة التي يلقون فيها بالقمامة.
وفيما يتعدَّى غرض إعادة التدوير، قال مور إنَّه يمكن للبوليمرات المتفكِّكة أن تفتح المجال لتطبيقاتٍ جديدة بدءاً من طرق إعطاء الأدوية وحتَّى تصنيع مواد ملتئِمة ذاتياً. وفي حين لا تزال الأجهزة المزروعة بمجال الطب الحيوي أو الإلكترونيَّات ذات خاصية التدمير الذاتي أمراً بعيد المنال، إلَّا إنَّ علماءٍ مثل إليزابيث غيليز يصنعون بالفعل مواد تغليفٍ وتعبئة ذكية من البوليمرات المتفكِّكة. لا لحَمل البقالة، بل لتحتوي حمولاتٍ مثل عقاقير لعلاج مرض السرطان يُمكِن إطلاقها فقط على الأورام أو سمادٍ يُرَش فقط عند الحاجة له في الحقول.
وبالنسبة لهذه التطبيقات، يجب أن تكون الوَحدات آمنة وغير ذات خطورة. وتقول إليزابيث إنَّ جزيّء الغليوكسيلات، وهو جزيّء يوجَد في الطبيعة داخل الكائنات الدقيقة الموجودة في التربة، مرشحٌ محتمل لهذه المهمة. وصنع فريق إليزابيث بوليمرات متفكِّكة مكوَّنة من وحدات الغليوكسيلات وحَبس تفكُّكها بأنواعٍ مختلفة من السدادات في أطراف السلاسل حتى يمكن توظيفها في سيناريوهات مختلفة. وقالت: «لدينا أساسٌ شاملٌ هنا ويمكننا فقط تغيير السُدادة الموجودة في طرف السلسلة حتى نغيِّر استجابتها للمحفِّزات المختلفة»، مثل الضوء في حالة الحقول الزراعية أو البيئة منخفضة الأكسجين فيما يخص الأورام.
وبالنسبة لمور، فإنَّ الهدف هو صنع مواد قابلة للالتئام الذاتي. في هذا الصدد يقول: «نريد للمواد التي نصنِّعها أن تكون قابلة للتعافِي من أي تلف يلحق بها وتحافظ على مستوى أدائها لفتراتٍ طويلة». يتصوَّر مور مستقبلاً صُنع كبسولاتٍ صغيرة مصنوعة من بوليمرات متفكِّكة مع حشوها بمركَّباتٍ ملتئمة ذاتياً ثم دَمج هذه الكبسولات داخل الطبقات الخارجية للمنتجات. ويقول إنَّه ربما تكون بوليمرات هذه الكبسولات تستجيب للضوء، بحيث أنَّه عندما تتشقَّق الطبقة الخارجية للهاتف الخلوي، على سبيل المثال، ينشِّط الضوء النافذ عبر الغلاف تحلل الكبسولات، ثم تنصبّ منها المركَّبات الملتئمة لتسد الشقوق. وبذلك تعود الطبقة الخارجية للهاتف إلى حالةٍ أشبه بالجديدة من تلقاء نفسها، بما يقلل الحاجة لشراء جهازٍ جديد.
وبينما ننتظر ظهور هذا الجيل الجديد من البوليمرات، يجري ضخُّ أنواع البلاستيك التجاري المستخدمة حالياً بكمٍ مهول يبلغ 400 مليون طن سنوياً. وتقول جينيت غارسيا إنَّ أنواع البلاستيك تلك مصنوعةٌ لتكون في أقصى صورة من القوّة والمتانة لتظل موجودة لأطول فترةٍ ممكنة. وقالت جينيت: «إنَّ تصميم بوليمرات جديدة سيكون أمراً ذا أهميةٍ بالغة وضرورةٍ قصوى». لكنَّها قالت أيضاً إنَّ المشكلة الأكبر ستتمثَّل في كيفية إحلال إرث الأرض الحاليّ من مخلَّفات بوليمرات البلاستيك بشكلٍ مشابه، بحيث تكون الصورة المثالية هي تفكَّكها لتعود إلى صورة جزيئاتها الأولية. وأضافت: «هذا الأمر يمثل تحدياً لتحقيق أمر شبه مستحيل».

عربي بوست


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.