النموذج مثال أو تمثيل للواقع، أو مثال يقتدى به، أو يُعمل به. ماكس فيبر يتحدث عن النموذج المثال، أو النمط المثال الذي هو تصور ذهني ومجرد يساعد على فهم الواقع. ومفهوم النموذج في الاقتصاد القياسي هو تمرين رياضي يختزل الواقع الاقتصادي في مجموعة من المتغيرات المختلفة، الداخلية والخارجية، التي يعتبرها الباحث ضرورية، بناءً على فرضيات، مع ثبات العوامل الأخري. وبطبيعة الحال، على قدر نوع الفرضيات تأتي النتائج. المقصود بالنموذج التنموي في النقاش الدائر هو ما يصطلح عليه في اقتصاد التنمية باستراتيجية التنمية (A.Hirschman1958, The Strategy of Economic Development, Yale University Press,1958)، أي جملة التوجهات، والاختيارات الكبرى الُمحدِّدة لها في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والجمالية، إلخ. التنمية سياق يندرج في المدة الطويلة، ولها علاقة بالبنيات الثقيلة، وبالأنماط القارة، وبالأنساق الاستراتيجية؛ بخلاف النمو الذي يرتبط بالسياسات الظرفية، ويتسجل في المدة القصيرة. ولبلورة النموذج التنموي الجديد، من حيث الخيارات الكبرى، أرى أن "المنهجية الأغنوصية"(Agnostique)، أو اللاأدرية، هي الأنسب، ذلك أننا، والحالة هذه، بصدد وضعية تأسيسية، ولحظة بنائية تتطلب تجربة ذهنية تتسم بقدر كبير من التجرُّد والحياد، وتفترض أن لا أحد على دراية بالمنافع التي سوف يجنيها من النموذج التنموي الجديد. تجربة ذهنية تتأدَّى، يقول عنها الفيلسوف جون راولس، تحت "حجاب الجهل"، الجهل بالمواقع، وبالمنافع، وبالمصالح. في المجتمعات الطبقية الخيارات هي، بقوة الأشياء، خيارات الطبقة الأقوى، والفئة الأغلب. وبالنتيجة، فإن العيش المشترك يقوم على التوازن بين الخيارات المتضاربة العامة والخاصة، الفردية والجماعية، لا ضرر ولا ضرار، "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم". الخيار الجماعي الأمثل، المستوعب لكافة الخيارات الفردية يكاد يكون مستحيلاً (K. Arrow, Arrow's impossibility theorem, 1951). من هنا، ينبغي العبور، في مرحلة ثانية، من المنهجية الأغنوصية نحو المقاربة التوافقية، كما سيأتي بيانه.