بنعلي: غياب تمثيلية الجالية غير مبرر    حضره ممثل البوليساريو.. محمد أوجار يمثل حزب أخنوش في مؤتمر الحزب الشعبي الإسباني    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    استئناف محادثات "حماس" وإسرائيل    مقتل 5 جنود إسرائيليين في قطاع غزة    جواد الزيات رئيسا جديدا لنادي الرجاء الرياضي    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    "الملعب الكبير".. سكان الناظور يسخرون من مجلس جهة الشرق: "صادقوا على حلم بلا درهم!"    الطالبة آية بومزبرة تفارق الحياة بفرنسا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    ولاية أمن أكادير تفند اتهامات بالشطط وتؤكد: محاربة الإرشاد السياحي غير المرخص تتم في إطار القانون    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي    حزب "فوكس" الإسباني يهاجم معرضًا مؤيدًا للبوليساريو: ترويج لعدو إرهابي قتل مئات الإسبان    أوزين: الصحة تنهار وشباب المغرب يفقد ثقته في الدولة    من الحر إلى الكارثة .. فيضانات وانهيارات أرضية بعدة مناطق في إيطاليا    الزيات يعود إلى رئاسة نادي الرجاء    تعثر تنزانيا وغانا في "كان السيدات"    أخنوش: الحكومة نجحت في فتح باب التغطية الصحية للجميع واستقرار المغرب مصدر إزعاج للبعض    ترامب يستقبل نتنياهو بالبيت الأبيض    استنكار حقوقي لمنع وقفة احتجاجية ضد مشاركة إسرائيل في منتدى السوسيولوجيا بالرباط    سيادة دوائية في الأفق .. أخنوش يكشف تفاصيل خارطة الطريق لإنتاج الأدوية واللقاحات    سلامة المواطن فوق كل اعتبار .. بولعجول يُطلق أضخم حملة توعوية صيفية    تصادم يقتل 3 أفراد من عائلة واحدة    تحذيرات من ارتفاع درجة الحرارة بالمنطقة الشرقية غدا الثلاثاء    مهرجان "ثويزا" يعود في دورته ال19 بطنجة تحت شعار "نحو الغد الذي يسمى الإنسان"    مهرجان ثويزا يشعل صيف طنجة بالفكر والفن والحوار    انطلاق أشغال المحطة الجوية الجديدة بمطار محمد الخامس    بلاغ إخباري حول تجديد مكتب جمعية دعم وحدة حماية الطفولة بالدارالبيضاء    التوقيع على مذكرة تفاهم بين المغرب والمنظمة العالمية للملكية الفكرية للحماية القانونية للتراث الثقافي المغربي    ارتفاع الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 30 عاما    وكالة بيت مال القدس الشريف تنفذ المرحلة الثانية من حملة الإغاثة الإنسانية للنازحين في مدينة غزة    لقاء تواصلي أم حفل فولكلوري؟    بالأرقام.. أشنكلي يُغرق الجهة في الديون ويُعيد تدوير الاتفاقيات وسط تعثُّر المشاريع وتأخُّر تحقيق التنمية المنشودة    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    شمال المغرب تحت رحمة المتسولين: مشهد مقلق في عز الموسم السياحي        فتح باب الترشيح لانتقاء الفيلم الطويل الذي سيمثل المغرب في جوائز الأوسكار 2026    المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط .. باحثون من أزيد من 100 بلد يناقشون «اللامساواة الاجتماعية والبيئية»    حق «الفيتو » الذي يراد به الباطل    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    بورصة البيضاء تحقق حصيلة إيجابية    الكرواتي إيفان راكيتيتش يعتزل بعمر السابعة والثلاثين    تكوين في التحري عن ادعاءات التعذيب    أسعار النفط تتراجع                محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم    أبرزهم أوناحي.. أولمبيك مارسيليا يُنزل 6 لاعبين إلى الفريق الرديف    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    تراجع الذهب نتيجة التقدم في تمديد مهلة الرسوم الجمركية    افتتاح متحف للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في هونغ كونغ    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في علاقة الحاكم بالمحكوم
نشر في لكم يوم 24 - 05 - 2012

إنه كلما أخضعنا علاقة الحاكم بالمحكوم في عالمنا العربي لتأمل وتقييم عميقين ، إلا وأدركنا أنها علاقة يحكمها تصوران مختلفان متناقضان تماما ، حيث يبني الطرف الأول ، وهوالأقوى والراجح قوله دائما وأبدا في هذه العلاقة ، تصورا يقوم على أبعاد أربعة ذكرها الدكتور عز الدين العلام في كتابه " الآداب السلطانية " وهو عبارة عن دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي ، نشرته مجلة "عالم المعرفة في عددها 324 فبراير2006 ؛ أولاها "الحاجة " وثانيها "الرعاية" وثالثها "القوة" ورابعها "الخوف" . وهي أبعاد من شأنها أن تضمن استمرارية تبعية المحكوم للحاكم ؛على اعتبار أن الحاجة تجعل من صاحبها منقادا وخاضعا وطائعا ، ومنفذا لكل أوامر ونواهي من يغطي ويلبي هذه الحاجة .
و "الرعاية " تجعل من المحكوم مطمئنا لرفق وإحسان حاكمه ، تماما كما هو الشأن بالنسبة للقطيع مع الراعي ، والأب مع ابنه ، والوصي مع يتيمه.
و" القوة "، قوة الحاكم، التي يستمد منها المحكوم قوته، ولكنه لا يسلم من مخاطرها أيضا، فهي كالسيف ذي الحدين الذي يشبه البحر كثير الماء ولكنه عميق الهوة، والشمس والنار اللتين تمنحان التدفئة ولكنهما تحرقان أيضا.
ثم" الخوف " خوف المحكوم الذي يجب أن يلازمه كظله اتقاء لأي سلوك سلطاني ، هذا الأخير الذي يشبه تماما سلوك الصبي " لا تدري ما سيأتي به من أفعال لا صداقة معها إذ كلما ذهب واحد جاء آخر " على حد تعبير الدكتور عز الدين العلام .
وبما أن الرعية :( مجبولة على الفساد واتباع الأهواء وقلة السداد ) كما يقول لسان الدين بن الخطيب ، و كونها أيضا (كثيرة وعارضة للفساد ، ولأن جور الرعية أشد من جور السلطان والفتنة أشد من القتل .. ) كما ذهب إلى ذلك رضوان السيد في كتابه " الأمة والجماعة والسلطة، دراسات في الفكر السياسي العربي الإسلامي ص14 و15 دار اقرأ 1984. فإن هذه العلاقة يجب أن تحضر فيها الأبعاد الأربعة المشار إليها أعلاه. *
أما الطرف الثاني ، وهو الأضعف في هذه العلاقة ، فإنه يبني علاقته بالحاكم على أبعاد أربعة أخرى ، وهي بمثابة تداعيات للأبعاد التي أتيتُ على ذكرها أعلاه ولذلك ارتأيت أن أسميها كما يلي: المانح ، والأب ، والحامي ، والمدافع ، وهي أبعاد من شأنها حسب اعتقاد المحكوم أن تضمن استمرارية رضا الحاكم عليه،وتشكل وقاية فعالة له من غضب هذا الأخير وجبروته .
فالحاكم دائما حسب ما هو مترسب في أعماق لاشعور المحكوم "الإنسان المقهور" كما سماه بذلك الدكتور مصطفى حجازي في كتابه القيم : التخلف الاجتماعي ، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور ، الطبعة الثامنة ، المركز الثقافي العربي
هو من يمنح كل شيء، ما عدا الهواء والماء.فلذلك لا مناص من احترامه وحبه حد التقديس .
وهو أيضا ذلك الأب الذي لا يمكن للمواطن أن يعيش دون أن يشعر بحنانه وعطفه بالرغم من أنه قد يغضب ويؤذي ولكنه يظل أبا عطوفا وحنونا .
وهو أيضا ، أي الحاكم ،حام لك ، من الطبيعي أن يؤذيك عن قصد أو عن غيره ، ولكنه في الآن نفسه لا يترك غيره يؤذيك أبدا .
وهو أيضا المدافع على مصالحك في المحافل الدولية، والمدافع عن حرمتك، وحرمة بلدك ضد كل مستعمر، وكل من سولت له نفسه المساس بشبر واحد من تراب وطنك أو بشرف وكرامة واحد من مواطنيك أيضا.
وبالتالي فإنه لن نجازف إذا اعتبرنا أن أبعاد الطرف الأول لا تزال حاضرة بقوة إلى اليوم في تعامله مع المحكومين انطلاقا من سن سياسات في مختلف مجالات حياة المواطن على أساس هذه الأبعاد ، فهو أي الحاكم ، اعتقد ولا يزال ، منذ فجر الاستقلال أن رعاياه لا يمكن أن يصلحوا ويلينوا وينصاعوا وينبطحوا إلا إذا حكمت هذه الأبعاد علاقته بهم ، ولم يدرك للأسف الشديد أن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده ، ولم يستوعب ، بل لم يستسغ ، بفعل سحر السلطة وجاذبية الكرسي أو العرش نصائح بعض أقرب الأقربين إليه التي كانت تحذره من أن الحاجة والرعاية لهما صاحب متى ما شعر أنه في غنى عنهما ، وأنه يمكن أن يحصل عليهما في مكان آخر تحول إلى وحش كاسر ، وأن الخوف والقوة مترابطان كلاهما يستدعي وجود الآخر ، يختفيان تماما متى ما أحس المحكوم بهشاشة وخوف الحاكم ، وبانهيار قواته وأجهزته أمام محكوم قد يجد لدى الجانب المعادي من يقدم له هذه القوة ومن يزيل عنه غمامة الخوف التي تغشي بصره ؛ ولعل هذا ما كشفت عنه ثورات الربيع العربي الديمقراطي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ، حيث اختفت تماما أبعاد الحاكم وأبعاد المحكوم ، فلم يعد ينفع لا حاجة ولا رعاية ولا قوة ولا خوف ، كل هذه الأبعاد التي لطالما عول عليها الحاكم في "ضبط " و" تدجين " المحكوم ، وأبعاد أخرى توسل بها هذا الأخير رضا الحاكم عليه ،كلها تلاشت كما يتلاشى الثلج تحت أشعة شمس صيف حارق . فقد أحس الحاكم بالعزلة والضعف والهوان والذل، في حين أحس المحكوم بغباء لا مثيل له يغطيه من رأسه إلى أخمص قدميه ، وطفق ينظف ذاكرته من قناعات كانت مجرد أوهام وسراب من قبيل : الحاكم المانح ، والأب ، والحامي ، والمدافع .
إن الوقت قد حان إذن أن يبني الحاكم والمحكوم ، علاقتهما على أسس الديمقراطية المتعارف عليها عالميا ، ولا بأس من مراعاة خصوصيات ثقافية ودينية ،ديمقراطية تحكم الاستراتيجيات التي تُرسم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكرية ، حيث تنبني هذه السياسات كلها على أساس أن يؤمن المواطن والحاكم معا ويشعرا دائما أن "حاجتهما " والرعاية التي يجب أن يحظيا بها ، والطمأنينة والأمن والسلام كلها ستظل حقوقا توفرها المؤسسات وليس الحاكم ولا المحكوم، وينبغي أن يؤسس الحاكم كما المحكوم حياتهما اليومية على هذه الخلفية ، وليس على القناعة التي ذكرتها الآداب السلطانية بدءا من ابن المقفع (145هجرية) الأب الروحي المؤسس لهذه الآداب التي وُجدت لتكرس هيمنة الحاكم وإهانة المحكوم .
*من كتاب :الآداب السلطانية للدكتور عز الدين العلام
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.