أربع دقائق. مدة زمنية قصيرة. مدة تختزل حياة دييغو أرماندو مارادونا، وتختزل شخصيته وسحره في ملاعب الكرة. في أربع دقائق، سجل اللاعب الفذ هدفين على نفس حارس المرمى: بيتر شيلتون الإنجليزي. هدف اعتبر الأكثر جدلا في تاريخ اللعبة. وهدف يعتبر إلى الآن الأجمل، والأفضل، والأكثر إثارة للإعجاب في تاريخ كرة القدم. في ذلك اليوم المكسيكي من أيام صيف عام 1986، وبعد تسجيله للهدف الأول بلمسة يد لم يراها الحكم، كان مارادونا سيدخل التاريخ من بابه الخلفي. لكن الرجل كان له رأي آخر. دخل تاريخ كرة القدم والمونديال من أوسع أبوابه وهو يسجل الهدف الثاني، بعد أن قام – وهنا أستعير عبارة مصرية لذيذة – بترقيص نصف لاعبي الفريق الإنجليزي. بعد ذلك، لم يعد من الممكن تصور ألا يصل ذلك الفريق الأرجنتيني – وقائده العجيب – إلى النهائي. ولم يوجد أحد لكي يتخيل أن ذلك الفريق وقائده العجيب، لن يفوزوا بكأس العالم تلك. غضب الإنجليز أيما غضب. ومعهم بعض ممن كانوا يعاتبون على مارادونا شطحاته وسلوكه خارج الملاعب، أي في حياته الخاصة. لكن الغالبية الساحقة من أطفال العالم، ومن عشاق الكرة الجميلة – بمن فيهم كثير من رعايا الملكة إليزابيث – بكوا فرحا، ورقصوا نشوة، وصفقوا حتى الثمالة. لم يكن مارادونا، الذي غادر الحياة بعد أن عاشها طولا وعرضا، شخصا عاديا. كان نابغة في فن مداعبة الكرة. كان رمزا لكرة قدم إنسانية، أو على الأقل لكرة تترك الانطباع بأنها لعبة إنسانية. لعبة شعبية. لعبة الشعوب. لعبة يمكن لأي كان أن يستمتع بمشاهدتها، حتى وإن كانت جيوبه فارغة. رحل مارادونا بعد أن أمتع الملايين. سوف يتذكره الناس، على مر التاريخ، كواحد من أعظم اللاعبين، إن لم يكن أعظمهم، وأمهرهم، وأقواهم. قلة سوف تحدثنا، أحيانا، عن الجوانب المظلمة في حياته، وهي كثيرة. لهؤلاء ترك مارادونا، الذي ترعرع في حي هامشي من أحياء العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ترك قولا هو الآتي: "أطلب منكم، فقط، أن تدعوني أحيا حياتي. أنا لم أسعى أبدا لأن أكون مثالا يحتذى".