أكد نشطاء حقوقيون استمرار الاعتقال السياسي بالمغرب، وتوقفوا على محطات من هذا الاعتقال منذ الاستقلال وإلى اليوم، منبهين إلى كلفته المادية الكبيرة وكذا كلفته على سمعة البلاد والتنمية. وانتقد الحقوقيون في ندوة نظمتها جماعة العدل والإحسان بعنوان "الاعتقال السياسي بالمغرب: سؤال الذاكرة والكلفة والمآل"، استمرار الإفلات من العقاب في حق من مارسو التعذيب على المعتقلين، بل وترقية بعضهم. ممارسة ملازمة للاستبداد وقال عبد الإله بنعبد السلام منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان إن الاعتقال السياسي هو ممارسة سياسية ملازمة للأنظمة الاستبدادية التي تفتقد لأية مشروعية ديمقراطية. وتوقف بنعبد السلام في مداخلته على محطات من الاعتقال السياسي في تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال، والاختطافات والتصفيات الجسدية والزج في السجون والمعتقلات السرية، والاستهداف لكل المشاريع الوطنية التي كانت تعمل من أجل بناء دولة الحق والقانون. واعتبر الفاعل الحقوقي أن السلطات المغربية لم تتوان عن قمع الاحتجاجات لمختلف الفئات الشعبية على مر تاريخها، وحركة 20 فبراير لم تأت من عدم، بل إن المغرب ظل يعرف منذ 1956 إلى الآن مقاومة مستمرة للحكم الاستبدادي المطلق. وأشار المتحدث إلى بعض ما عرفته مرحلة التسعينات مما قد يوصف بالانفراج، قبل العودة القمع ومواصلة مسار الاعتقالات وقمع حرية الرأي والتعبير في صفوف المعارضين والصحافيين. وانتقد بنعبد السلام استمرار سياسة الإفلات من العقاب، خاصة عندما نجد المسؤولين عن الانتهاكات في الماضي ما زالوا يحتلون مواقع رئيسة في الأجهزة الأمنية والمخابراتية المختلفة، بل وترقيتهم. كلفة باهظة ومن جهته عرف محمد الزهاري رئيس فرع التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات بالمغرب الاعتقال السياسي بأنه الاعتقال الذي يتم تنفيذه عادة من قبل السلطات بحق أفراد أو حق جماعات، على خلفية المواقف السياسية المعارضة أو الانتماءات الحزبية والتنظيمات المعارضة، مبرزا أن الاعتقال السياسي جزء من الاعتقال بسبب الرأي. واعتبر الزهاري أن غاية الاعتقال السياسي غالبا هي الحد من حرية المعتقل، أو عقابا له بمجرد إيمانه بعقيدة أو فكر معين أو رأي سياسي أو التعبير عنه، مؤكدا أن الاعتقال السياسي يندرج ضمن الاعتقال التعسفي. ونبه الحقوقي إلى الكلفة الباهظة للاعتقال السياسي بالمغرب، لافتا إلى الكلفة المادية باعتبارها كانت الجواب الرسمي للدولة لمعالجة الانتهاكات والتي عدت بعشرات الملايير من السنتيمات، وهي الكلف. التي لا تزال مستمرة إلى اليوم. وإلى جانب الكلفة المادية، توقف الزهاري على الكلفة التي تؤديها سمعة البلد بالرجوع إلى مقررات الأممالمتحدة في شأن الاعتقال السياسي التي كلها إدانة للسياسات العمومية المتبعة في مجال حقوق الإنسان، كما أن هذه الكلفة تشمل أيضا مؤشرات النمو والتنمية البشرية، ومؤشرات الحرية والصحافة وغيرها. اختيار ممنهج للسلطات ومن جانبه، قال محمد النويني رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان إن الاعتقال السياسي اختيار ممنهج من قبل السلطات المغربية وأسلوب مفضل لديها، مؤكدا أن هذه الظاهرة وما رافقها من انتهاكات جسيمة لم تغادر مغرب ما بعد الاستقلال. وسجل النويني أن هذا المنهج استعملته الدولة في مواجهة خصومها السياسيين، أمام فشلها في إعمال الوسائل الناعمة من قبيل الاحتواء والإدماج، والتطويع والتحكم من الداخل. واعتبر المتحدث أن هاجس السلطوية بالمغرب للقضاء على المعارضة وكبح جماحها، دفعها بعد الستينات إلى نهج سياسة الأرض المحروقة في مواجهة كل المناضلين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية. وتوقف الحقوقي على عدة محطات من الاعتقال السياسي ما بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي، و ما رافق هاته الاعتقالات من أساليب وحشية في التعذيب، إضافة إلى انتهاكات جديدة حدثت في فترة انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة، على رأسها ما حدث على خلفية أحداث 16 ماي 2003. واعتبر النويني أن الانفراج النسبي الذي عرفه المغرب إبان حركة 20 فبراير لم يدم طويلا، حيث شهدت الحقوق المدنية والسياسية ما بعد 2014 ترديا وتراجعا كبيرين، عبر قمع الاحتجاجات السلمية واعتقال الصحفيين والمدونين ونشطاء الحراك الاجتماعي وكذا المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. سمات الاعتقال السياسي بالجماعة محمد أغناج، عضو الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، توقف في مداخلته على تجربة الجماعة في الاعتقال السياسي، الذي يمتد منذ اربعين سنة مع اعتقال عبد السلام ياسين. وسرد أغناح عدة سمات تميز الاعتقال السياسي في صفوف "العدل والإحسان"، ومنها الامتداد الزمني والامتداد الجغرافي حيث لا تخلو محكمة من محاكم المغرب من ملف من ملفات اعتقال تخص الجماعة، إضافة إلى "التنوع العمري"، و"شمول الاعتقالات للجنسين معا"، و "تنوع القطاعات المستهدفة" كالطلبة والنقابيين. وسادس السمات، حسب أغناج، "لجوء السلطة لجميع أشكل الحرمان من الحرية"، فهناك اعتقالات تمت بمحاكمات وأخرى بدونها وثالثة في مراكز سرية، وهناك أيضا اختطافات واعتقالات قسرية، إضافة إلى "تنوع من مارس الاعتقال" بين شرطة قضائية وشرطة ودرك وأمن سري ومخابرات وحتى متصرفي وزارة الداخلية، و "تنوع أساليب الاعتقال"، بين اختطاف ليلي أو من أماكن العمل أو عن طريق نصب كمين وغيرها، و"استعمال العنف خلال الاعتقال" دون داع. كما أن من جملة ما يميز الاعتقال السياسي الذي يطال الجماعة "مُدد الاعتقال خارج نطاق القانون"، و"تنوع المتابعات"، و"العقوبات الثقيلة"، و "عدم استفادة أي من معتقلي الجماعة من أي عفو أو تخفيض من العقوبة" إلا في حالات نادرة جدا، و "حرص السلطة على نفي صفة الاعتقال السياسي عن منتسبي الجماعة"، ناهيك عن "الاستمرارية والتجدد".