في ظل النقاش الكبير المثار في المغرب، حول ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، مع كل ما يترتب عن ذلك، من شل للقدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات، أصبح يتعين على الدولة في كل مستوياتها، ضرورة التدخل لإعادة النظر في الترسانة القانونية المتعلقة بحرية المنافسة وتحرير الأسعار، لأن هناك "رأسمال جشع" وغير أخلاقي، استغل نقائص القا نون، وشرع في طحن الطبقة المتوسطة، واستهداف الفئات الهشة والمسحوقة في المجتمع بدون رحمة في معيشها اليومي، مما سيدفع حثما إلى مصادمة الدولة مع المجتمع، وهذا ما لا نرضاه لبلدنا، الذي يتمتع بقدر كبير من السلم والامن والاستقرار . التشريع المغربي، لا يمنع المضاربة التي تخضع لقانون السوق (الطلب والعرض) بل يفرض على المضاربين إشهار أسعار المنتجات المعروضة للبيع فقط، دون التدخل في تحديد سعر بيعها! رجال السلطة وغيرهم من الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، ليس من حقهم تحديد الأسعار، مادام أن الدولة قننت التحرير والمنافسة، وكل ما يمكن لرجال السلطة القيام به في هذا الصدد، هو دعوة الباعة إلى إشهار الأثمنة التي يبيعون بها البضائع التي في حوزتهم! السلطة وبقوة القانون لا تستطيع أيضا وقف التصدير ، وهنا مكمن الخطورة وأصل الداء، لأن المنتج يفضل تصدير منتجاته إلى السوق الخارجية على التسويق الداخلي، وذلك بسبب هامش الربح الكبير الذي يجنيه من هذه العملية. من هم المصدرون؟ ماهي علاقتهم بمن يحكمون أو يدبرون الشأن العام في مغرب اليوم؟ وهل هناك من تضارب للمصالح؟ نزيف ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة سيستمر كما توقع المندوب السامي للتخطيط، ما لم تتدخل الدولة من أعلى مستوياتها، وتجد حلا مناسبا لهذه المعضلة التي ترتبط بممارسات لا علاقة لها على الاطلاق بالسياق الدولي، او غير ذلك من الكليشيهات، التي روجت لها الحكومة من خلال وزرائها وناطقها الرسمي. يمكن كحل مؤقت، أن تلجأ الدولة إلى شراء المنتجات الفلاحية من المنتجين، ودعم المستهلك على غرار الدعم المقدم له في بعض المواد الأساسية وفي غاز البوتان، لامتصاص الاحتقان الاجتماعي الذي بلغ أعلى مستوياته. تحرير الأسعار وحرية المنافسة، يحتاجان إلى قيود وضوابط، للحد من تغول الرأسمال الجشع، وإلا فإن البلد سيمضي إلى المجهول، في ظل اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء بشكل غير معقول! الطبقة المتوسطة بكل مستوياتها المحددة في الدراسات الصادرة عن المندوبة السامية للتخطيط، أصبحت مهددة في وجودها بالاندثار، وهذا أخطر سيناريوا ممكن توقع حدوثه لأن دورها في الحفاظ على التوازن داخل المجتمع مهم للغاية. وجود قوانين، او اتفاقيات دولية، أو التزامات حكومية مع مؤسسات دولية، لا يمنع الدولة من التدخل بشكل مستعجل لوقف نزيف التصدير، لأن استقرار الدولة من استقرار المجتمع، والسلم الاجتماعي هو الأولوية الذي لا ينبغي التفريط فيها، مهما كان نفوذ وقوة الرأسمال الجشع الذي يبحث عن مراكمة الأرباح فقط.