نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر يومي الثلاثاء و الأربعاء، بما أنها صحيفة مسائية، افتتاحية قوية حول العلاقات المغربية الفرنسية بنبرة لم تتعودها الصحيفة في التعاطي مع المغرب منذ عدة عقود. الافتتاحية، التي جاءت في سياق تحقيق مطول تنشره الصحيفة الفرنسية عن العلاقات المغربية الفرنسية في عدة حلقات سنعود إلى تفاصيله، حملت عنوانا يدعو إلى وقف التصعيد بين باريسوالرباط، لكن بين ثناياها حملت شروط باريس واشتراطاتها في لغة فيها الكثير من التحذير إن لم نقل "التهديد". ففي نص افتتاحية الصحيفة التي غالبا ما تعبر عن وجهة نظر الدولة العميقة في فرنسا، كتب ما يلي "من الملح الآن وقف تصاعد العداء. وتقارب العلاقات الإنسانية والاقتصادية والثقافية بين فرنسا والمغرب يتطلب استعادة مناخ الثقة"، قبل أن تضيف ما يتوجب على باريس فعله قائلة: "أمام باريس الكثير من العمل الذي يتعين عليها القيام به للابتعاد عن الموقف الأبوي الذي تظهره في كثير من الأحيان تجاه ممتلكاتها الاستعمارية السابقة". وفي المقابل طالبت الصحيفة المغرب قائلة "بنفس الطريقة، يجب على الرباط أن تفهم أن فرنسا مطالبة بالتصالح مع القانون الدولي بشأن قضية الصحراء الغربية. كما يجب عليها أن تعترف بأن جمودها الاستبدادي في الداخل وممارساتها المتطفلة في الخارج، التي كشفت عنها شركة بيجاسوس وكذلك "موروكو غيت" في بروكسل، تضر بصورتها أكثر مما تساعدها"، معتبرة أن مثل هذه الأمور هي التي أدت إلى تآكل قوة المغرب الناعمة وليس في مغامراته الوهمية! الافتتاحية وقفت عند الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقات بين المغرب وفرنسا طيلة السنتين الماضيتين، حتى بلغت الأمور إلى الحد الذي توجد عليه اليوم. وقالت الصحيفة "لا الرباط ولا باريس لديها أي مصلحة في السماح للعلاقات الثنائية بينهما، التي اتسمت بالمرارة وسوء التفاهم على مدى عامين، أن تتدهور أكثر". وسجلت أن "لا شيء يسير على ما يرام بين باريسوالرباط. يخيم برود قطبي على العلاقات الثنائية التي كانت ذات يوم ممتازة، ونموذجاً للتواطؤ في مرحلة ما بعد الاستعمار، وودية حتى إلى حد الإفراط". وأضاف كاتب الافتتاحية "إن خيبة الأمل الفرنسية المغربية تترسخ بلا هوادة، تغذيها الاحتكاكات الدبلوماسية حول الصحراء الغربية والجزائر وضعف العلاقة الشخصية بين إيمانويل ماكرون والملك محمد السادس، وأدى الزلزال المميت الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير في 8 سبتمبر إلى تفاقم التوترات بدلاً من تخفيفها، الأمر الذي ينبئ بالكثير عن عمق القلق". وفي هذا السياق أوضحت الافتتاحية "رفضت الرباط عرض باريس للمساعدة، وهو حقها السيادي الأكثر إطلاقية، لكنه يعكس عدم ثقة سياسية واضحة. وردًا على تغطية الصحافة الفرنسية التي اعتبرتها "معادية" للمملكة، أطلقت وسائل الإعلام القريبة من القصر العنان لموجة من الخطب اللاذعة ضد ماكرون بشكل حاد ونادر". ووقفت الافتتاحية عند قضية الصحراء وعلاقات باريس مع الجزائر، باعتبار هاتين القضيتين المتداخلتين هما جوهر الخلاف بين باريسوالرباط وكتبت "لمدة عامين الآن، أدى عدم التفاهم إلى تقويض العلاقات الثنائية. لا يكاد المغاربة يقدرون الدفء الذي أدار به السيد ماكرون عمله من أجل المصالحة مع الجزائر، العدو الإقليمي الشقيق. ويخشون من أن مثل هذا التقارب سيحد من قدرة باريس على المضي قدما في قضية الصحراء الغربية نحو اعتراف أكثر صراحة بسيادتهم على المستعمرة الإسبانية السابقة. لكن الرباط شددت موقفها حول الموضوع منذ الاعتراف الأمريكي، نهاية 2020، ب)الطبيعة المغربية( للصحراء الغربية من قبل دونالد ترامب في نهاية ولايته. كما سمح التطبيع اللاحق للعلاقات مع إسرائيل للمغرب بتعزيز قدراته العسكرية، مما منحه ثقة جديدة تقترب من الغطرسة". كما عرجت الافتتاحية على مشكل التأشيرات بين المغرب وفرنسا، والذي أدى إلى سوء تفاهم كبير بين البلدين، وعلى قضية التجسس المعروفة بقضية "بيغاسوس"، وكتبت في ها الصدد قائلة "في هذا السياق، أدى قرار باريس بتقييد سياسة التأشيرة الخاصة بها بشكل كبير في منطقة المغرب العربي في خريف عام 2021 إلى تأجيج التوترات في المغرب. أما النخب الناطقة بالفرنسية والمحبة للفرانكوفونية، فقد انقلبت ضد باريس، بعد أن أذلتها العوائق التي اعترضت حركتها. وفي الوقت نفسه، أدى كشف الصحافة عن ممارسات التجسس المغربية باستخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي إلى خلق حالة من الفتور بين الملك محمد السادس والسيد ماكرون، الذي كان رقمه مستهدفًا لاختراق محتمل. كان لخلافهم الشخصي تأثير أكثر إحباطًا حيث تفككت الجسور بين العاصمتين على مر السنين".