على بعد يوم واحد من فاتح ماي، رسمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صورة قاتمة عن واقع الشغل بالمغرب، حيث يتواصل هضم الحقوق، وإقرار تشريعات تراجعية آخرها قانون الإضراب، وانتهاك الحريات النقابية، وعدم توفير شروط الصحة والسلامة، وهزالة الأجور التي لا تضمن حياة كريمة للأسر، وغيرها. وقالت الجمعية في تصريح بمناسبة اليوم الأممي للعمال إن الطبقة العاملة المغربية تواجه أوضاع مزرية، حيث تتعرض الحقوق الشغلية لانتكاسة بليغة، ويتم تعميم البؤس والفقر والقهر الاجتماعي، في ظل انهيار القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع الأثمان وتجميد الأجور، إلى جانب اللجوء المتعاظم لاستعمال للقوة وفرض تراجعات تشريعية واجتماعية خطيرة، ناهيك عن ارتفاع معدل البطالة.
وعلى المستوى التشريعي، سجلت أكبر جمعية حقوقية بالمغرب عدم تصديق الرباط على أكثر من ثلثي النصوص الدولية المتعلقة بالحقوق الشغلية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، منبهة أيضا إلى أن مقتضيات الدستور ذات الصلة تظل ضعيفة، وأن مدونة الشغل، والمراسيم التطبيقية المرتبطة بها تشوبها سلبيات كبرى سواء فيما يتعلق باستقرار العمل، أو بالأجور، أو بمكانة ودور النقابة داخل المقاولة، وغيرها، وهو ما انضافت إليه تراجعات قانون الإضراب الذي ينبغي التراجع عنه، وحذرت من المحاولات الجارية لتعديل مدونة الشغل في اتجاه تكريس المزيد من هشاشة الشغل. ولفتت الجمعية إلى أن الحق في العمل، وفي الحماية من البطالة، والتعويض عنها وعن فقدان الشغل، رغم أنها من الحقوق المضمونة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنها ما فتنت تنتهك بشكل سافر وباستمرار في المغرب. وبشأن الحريات والحقوق النقابية، أكدت الجمعية استمرار وتصاعد الخروقات السافرة في هذا المجال، والمتجسدة أساسا في الاقتطاع من أجور المضربين، وفي الممارسات التعسفية ضد النقابيين، وفي امتناع السلطات المحلية عن استلام ملفات التصريح ورفض تسليم وصول الإيداع للعديد من النقابات العمالية…، ناهيك عن غياب تفاوض جماعي في أغلب المقاولات والقطاعات. وفيما يتصل بالحق في الأجر العادل والمرضي، سجل حقوقيو الجمعية أن الحد الأدنى للأجور علاوة على تعدد مستوياته، فهو لا يضمن بتاتا الحياة الكريمة، ناهيك عن عدم تطبيقه بالنسبة لأغلبية المؤسسات، بما فيها المتعاقدة مع بعض الإدارات والمؤسسات العمومية. كما أن الزيادة المعلنة في الأجور، تبقى قاصرة عن تحقيق العيش الكريم للأجراء ولعائلاتهم. خاصة مع الزيادات المتتالية في أثمان المواد والخدمات الأساسية. واستنكر ذات المصدر غياب شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل وتنامي حوادث الشغل المميتة، والحوادث على الطرق، ل تستدعي ضرورة إلزام المشغلين بتوفير وسائل نقل تستجيب للمقاييس والمعايير المعمول بها في المجال. ورصدت الجمعية استمرار انتهاك الحقوق العمالية الأخرى، كالحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، والحق في تحديد معقول لساعات العمل، وعطل دورية مؤدى عنها، وظروف عمل مأمونة وصحية، وحق كل إنسان في الضمان الاجتماعي، وبشكل خاص حقه في الصحة وفي تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وحقوق المرأة العاملة وحقوق الأطفال وحقوق اليافعين المجبرين على العمل. وسجلت الجمعية استمرار عدم تكافؤ أجر العاملات في بعض القطاعات مع أجور العمال، ناهيك على تعرضهن للاستغلال في شروط لا إنسانية، زيادة على استمرار تشغيل الأطفال في سن مبكر. ونبهت الجمعية إلى الأوضاع المزرية للعمال وأسرهم بسبب حرمان جزء كبير منهم من التغطية الصحية لسنوات، وتراجع دور الدولة في مجال الخدمات الصحية والثغرات التي تعتري نظام المساعدة الطبية للفئات المعوزة، إضافة إلى ما يعرفه الحق في التقاعد من انتهاكات خطيرة بسبب الحرمان أو هزالة المعاشات التي تظل جامدة رغم ارتفاع كلفة المعيشة، في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى معالجة اختلالات الصناديق على حساب المنخرطين. وبخصوص القضاء، انتقدت الجمعية، استمرار تحيز القضاء لفائدة المشغلين وأرباب العمل في النزاعات المعروضة عليه، وطالبت بالإسراع بتنفيذ آلاف الأحكام الصادرة لفائدة العمالات منذ سنوات عديدة. وإلى جانب ما سبق، طالبت الجمعية الحقوقية بالإفراج الفوري عن معتقلي الحراك الشعبي في الريف، وغيرهم من معتقلي الرأي والصحافة ومناهضي التطبيع وفاضحي الفساد، والمعتقلين السياسيين، وإسقاط المتابعات وإلغاء المحاكمات الجارية في حق النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، وبالحركة الحقوقية والاجتماعية، وإبطال التوقيفات الإدارية والمالية الأخيرة المتخذة في حق نساء ورجال التعليم على خلفية الإضراب البطولي الذي عرفه قطاع التربية والتعليم.