من كان يظن أن المدينة التي كانت تُلقب ب"حلالة" – نسبة إلى زهورها العطرة وأحيائها النظيفة وفضاءاتها الوارفة – ستتحول إلى خزان كبير للروائح الكريهة، والغبار الخانق، والأزقة المحفرة، والبيئة المنهارة؟ من كان يتوقع أن القنيطرة، المدينة التي كانت بالأمس القريب ملاذًا للهدوء وجمال الطبيعة، ستغرق اليوم في نفاياتها، وتتعفن في صمت سياسي خانق؟ الداخل إلى القنيطرة من مدخلها الشرقي قرب غابة الطايشة، أو الخارج منها من جهة باب فاس، لا يخطئ تلك الرائحة التي تخترق الأنوف بلا رحمة، وكأن انفجارًا خفياً قد وقع في أعماق البنية التحتية للمدينة، لا أثر له في الإعلام، لكن أثره بادٍ في وجوه الساكنة وأحاديثهم اليومية. ليل القنيطرة بات يُختنق بروائح كريهة "الخراء"، وأحيانًا برائحة تشبه تلك التي تخرج من معامل تكرير النفط. أهي معامل سرية؟ أم تواطؤ في تقصير بيئي غير مسبوق؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة. الغريب في الأمر أن القنيطرة لا تفتقر إلى الإمكانيات. فهي مدينة تتوفر على فائض مالي يُقَدَّر بالملايير، وشبكة جامعية وعلمية واسعة، وموقع استراتيجي يُغري بالاستثمار، وغطاء غابوي يُعد من الأكبر في شمال المملكة، إضافة إلى شواطئ ومصب نهر سبو وبحيرة سيدي بوغابة المصنفة عالميًا. ومع ذلك، تعيش المدينة تراجعًا خطيرًا في مستوى العيش، وتدنيًا غير مسبوق في جودة الفضاء العام. كيف يعقل أن نرى كورنيش سبو غارقًا في الأزبال، من دون جمالية، ولا نظافة، ولا إنارة تليق بمكان يفترض أن يكون واجهة المدينة؟ الطريق الى شاطئ المهدية ضيقة ومقطعة ومظلمة، وحواف الهضبة التي تطل على نهر سبو باتت آيلة للانهيار الكلي بعد أن تساقطت منها أجزاء لم تُرمم! المجالس المنتخبة منشغلة بصراعاتها السياسوية، تقايض الزمن التنموي بالتحالفات الهشة والمزايدات العقيمة بين مكوناتها الحزبية، وسلطة الوصاية تقف موقف الحائر، أو المتسامح مع تدهور يومي يُهدد صحة المواطن وكبرياء المدينة. إن عامل إقليمالقنيطرة مطالب اليوم بتحمل مسؤوليته الكاملة وفق صلاحياته القانونية والدستورية. فالقنيطرة ليست مجرد مدينة عابرة في جغرافيا المملكة، بل هي إحدى المدن التي عرفت زيارات ملكية متكررة، ويقصدها ولي العهد ضمن أنشطته المتعددة، ويقصدها السياح من كل الدول. ما يحدث فيها لا يليق بصورة المغرب، ولا يتماشى مع خطابات التنمية، ولا ينسجم مع شعار الدولة الاجتماعية. إن سكوت النخب، وتواطؤ الجمعيات التي تقتات من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وركون الصحافة المحلية إلى الحياد أو المجاملة، كلها عوامل تغذي هذا الانحدار. القنيطرة لا تحتاج إلى خطب رنانة ولا إلى تبريرات مالية، بل إلى نخبة صادقة، ومسؤولة، وغيورة، تضع المدينة فوق الحسابات الحزبية، وتنتصر لمصلحة الساكنة على مصالح الأفراد. لقد آن الأوان لأن نعلن أن القنيطرة زهرة ذبلت، لكنها لم تمت بعد. والوقت لم يفت بعد لاستعادة بريقها، شريطة أن نكف عن دفن الحقيقة تحت رماد الصمت الإداري والتقصير السياسي.