عديدة ومتنوعة هي علامات التعجب والاستفهام التي ما انفكت تثيرها تصريحات رئيس الحكومة عزيز أخنوش كلما أتيحت له فرصة التواصل مع المواطنين سواء في اللقاءات المباشرة أو عبر وسائل الإعلام الوطنية، ففي معرض كلمته يوم السبت 21 يونيو 2025 بمدينة أكادير أمام عدد من مناضلي حزبه "التجمع الوطني للأحرار"، بمناسبة انعقاد الجولة الرابعة مما أطلق عليه "مسار إنجازات"، أبى إلا أن يتحدث بلغة الواثق من نفسه وباعتزاز شديد تحت وابل من التصفيقات الموجهة، عما استطاعت حكومته تحقيقه من مؤشرات إيجابية، ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد الوطني خلال السنتين الأخيرتين. إذ أنه تكلم عن تمكن التحالف الحكومي الثلاثي من تقليص نسبة التضخم الذي كان يبلغ في وقت سابق إلى 6,5 في المائة إلى ما دون 1 في المائة فقط، مؤكدا أن الفضل في ذلك يعود إلى التدخلات الحكومية الموفقة، التي أدت أيضا إلى التحكم في عجز الميزانية الذي انتقل من 7 في المائة سنة 2021 إلى 3,9 في المائة سنة 2024. وما يتوقعه من بلوغ نسبة النمو خلال هذه السنة 2025 إلى 4 في المائة وفق ما جاء به البرنامج الحكومي، فضلا عن انكباب الحكومة في الوقت الراهن على ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية وضمان الاستدامة المالية لمختلف البرامج العمومية في الدعم الاجتماعي المباشر والتعليم والصحة، والسعي الحثيث إلى التحكم في نسبة المديونية، وما إلى ذلك مما يعتبره إنجازات غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المتعاقبة. بيد أن الواقع غير ذلك ليس فقط بالنسبة للخبراء ومتتبعي الشأن العام، بل كذلك بالنسبة للمواطنين المغاربة الذين تضاعفت معاناتهم على عدة أصعدة. وأنه مهما حاول أخنوش أو غيره من أعضاء حكومته إقناع المواطنات والمواطنين بالإنجازات الحكومية، فإنه لن يستطيع أبدا أن ينكر أنها فشلت فشلا ذريعا في طي ملف ضحايا زلزال الحوز الذين مازالوا يعيشون منذ شتنبر 2023 أوضاعا صعبة، وفي مواجهة غلاء الأسعار أمام تهاوي القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، حيث أن ارتفاع الأسعار لم يطل المحروقات وحسب، وإنما شمل كل المواد الغذائية والخدمات الاجتماعية على مستوى الصحة والتعليم، وفشلت كذلك في مكافحة الفساد والتقليص من معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي ومعالجة ملف الطاقة والماء والحد من منسوب الاحتقان الاجتماعي الذي يتزايد بشكل لافت. فمن بين أبرز نقط ضعف الحكومة، هناك ملف التشغيل الذي يثير الكثير من القلق في أوساط آلاف الأسر المغربية، إذ أن نسبة البطالة وخاصة في أوساط خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين بلغت في السنوات الأخيرة مستويات قياسية، وسجلت خلال هذه السنة الأخيرة من ولاية الحكومة 13,7 في المائة، مما أصبح يثير مخاوف كبيرة من عدم قدرة الحكومة على توفير فرص شغل مناسبة للشباب. ناهيكم عن تصاعد أعداد الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون أي تعليم أو تكوين أو تدريب، حيث وصل عددهم حسب المعطيات الرسمية أكثر من مليون ونصف شاب وشابة، وهو ما يعتبر قنبلة مؤقتة قابلة للانفجار في أي لحظة، ما لم يعمل مدبرو الشأن العام على تدارك الأمر وبحث السبل الكفيلة باحتوائهم. صحيح أن حكومة أخنوش استطاعت تحقيق بعض الإجراءات الإيجابية مثل الزيادة في الأجور لصالح عدد من الفئات ضمنهم الأطباء والأساتذة والموظفين في القطاعين العام والخاص، كما تم رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي، وتخفيض الضرائب على الدخل لفائدة الطبقة الوسطى، ودعم السكن والدعم الاجتماعي المباشر وتمكين المواطنين من التغطية الصحية الإجبارية، غير أنها تبقى إنجازات محدودة وغير كافية في نظر الكثير من الملاحظين، ما دامت لا ترقى إلى مستوى ما التزمت به من وعود انتخابية وتطلعات الجماهير الشعبية، حيث الانتقادات الموجهة للحكومة تكاد لا تنتهي. فمازالت هناك بعض التحديات الكبرى الي لم تستطع الحكومة إلى الآن رفعها، ومنها تباطؤ النمو الاقتصادي الذي تأثر بالجفاف والتغيرات المناخية، تراجع عدد القطيع الوطني، تواصل مسلسل غلاء المعيشة، تفاقم عجز الميزان التجاري وارتفاع معدل المديونية، القصور في تحقيق العدالة الاجتماعية، استمرار الفجوة بين السياسات العمومية وشعار الدولة الاجتماعية، إفلاس آلاف المقاولات الوطنية، فشل برامج التشغيل الحكومية مثل "فرصة" و"أوراش" التي لم تحقق ما أعلن عنه من أهداف، علاوة على أساليب القمع والتهديد وتكميم أفواه الأصوات المعارضة والهجوم على مؤسسات الحوكمة وتقاريرها… من هنا ومن وجهة نظري الشخصية المتواضعة، يمكن القول إن حكومة أخنوش شأنها شأن عدد من الحكومات المتعاقبة، ورغم تحججها بالجفاف وتقلبات السوق الدولية وغيرها، قامت بمجموعة من الإجراءات وحققت سلسلة غير يسير من الإنجازات بهدف محاولة تحسين ظروف عيش المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية، غير أن كل ما بذل من جهود يظل دون مستوى انتظارات الطبقات الفقيرة والمتوسطة، فضلا عن عدم قدرتها على الوفاء بما قطعه على أنفسهم قادة التحالف الحكومي الثلاثي من وعود انتخابية…