يذكر الكثير من المغاربة وخاصة المهتمين بالشأن العام ما ردده رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، في حملة انتخابية سابقة لأوانها من قلب إقليمسيدي إفني، وهو ما يزال حينها وزيرا للفلاحة في حكومة سعد الدين العثماني الأمين العام السابق لحزب "المصباح"، حيث قال في 24 نونبر 2019 أمام عدد كبير من التجمعيين خلال لقاء تواصلي، بأن حزبه يخوض عبر برنامج "100 يوم 100 مدينة": "معركة ترسيخ القيم الوطنية، معركة تنمية البلاد، معركة ضد الأعداء الحقيقيين، وهم البطالة والفقر والهشاشة، معركة أساسها التنمية البشرية، معركة تبدأ بالإنصات للمواطنين في جل مناطقهم، وإشراكهم في إيجاد حلول ملائمة لمشاكلهم وانشغالاتهم" فهل استطاع أخنوش إقناع الناخبين بالتصويت على حزبه من خلال برنامجه الانتخابي وما قدمه لهم آنذاك من وعود وتعهد به من التزامات؟ يبدو أن ذلك ما حصل بالفعل، حيث لم يتردد الكثيرون في التوجه بكثافة نحو صناديق الاقتراع يوم الأربعاء 8 شتنبر الاقتراع، وبوأوا حزبه الصدارة أمام كل من حزب "الأصالة والمعاصرة" وحزب "الاستقلال"، متوسمين الخير في أن يخرجهم التحالف الحكومي الثلاثي من النفق المظلم الذي حشرهم فيه حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين من 2012 إلى 2021، من حيث القرارات الجائرة واللاشعبية والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية، ومنها الإضراب والتقاعد والتشغيل وتحرير أسعار المحرقات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار باقي المواد الأساسية والغذائية، وأضر كثيرا بالقدرة الشرائية، ناهيكم عن ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة والبطالة… وها هو يعود اليوم من موقع رئاسة الحكومة، التي لم يعد يفصلنا عن نهاية ولايتها التشريعية سوى عام ونصف، ليكشف لنا يوم السبت 17 ماي 2025 من عمق عاصمة الصحراء مدينة العيون، عن أن معركة حزبه الحقيقية داخل الحكومة، هي "معركة ضد الفقر والبطالة والهشاشة والهدر المدرسي، والتفاوتات والفوارق الاجتماعية، التي تراكمت للأسف منذ سنين" ويؤكد خلال المحطة الثانية بعد محطة مدينة الداخلة من الجولة الوطنية تحت شعار "مسار الإنجازات" الذي يعتبر برنامجا تواصليا بامتياز، يهدف إلى "الإنصات لانشغالات المواطنات والمواطنين، والعمل في الميدان من أجل التفاعل مع مطالبهم وتحقيق تطلعاتهم، بأن الأغلبية الحكومية ستمضي بمسؤولية في هذه المعركة، انسجاما مع الإرادة الملكية السامية، لرفع مختلف التحديات وبناء مغرب المستقبل" وعند تناوله الكلمة في ذات اللقاء الحزبي بمدينة العيون، أبى رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي بحزب "الأحرار" إلا أن يرد على الانتقادات الموجهة للحزب بخصوص القيام بحملة انتخابية مبكرة، مشددا على أن الحزب يشتغل في انسجام تام مع مقتضيات الدستور، ويضطلع بأدواره التأطيرية والسياسية باحترام القانون، وأن قيادييه عازمون على خوض معركة الانتخابات بكل قوة عندما يحين موعدها، وأنهم سينتصرون فيها بكل ثقة واقتدار. بيد أنه رغم ما تم تسجيله من إيجابيات في تعزيز الاستثمار وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية ودعم عدد من الأسر الفقيرة والدعم المباشر للسكن والزيادة في الأجور وطي ملف المتعاقدين، وما يبذل من جهود للحد من الهدر المدرسي وتحسين جودة التعليم، وإحراز تقدم ملموس في توسيع التغطية الصحية لتشمل فئات أوسع… ماتزال الحكومة التي رفعت شعار "الدولة الاجتماعية" منذ تنصيبها، بعيدة عن تلبية انتظارات المواطنين، الذين يجمع معظمهم على كونها خيبت ظنهم هي الأخرى، حيث أنها فشلت ليس فقط في ترجمة وعودها إلى حقائق ملموسة، بل فشلت أيضا في تنفيذ الإصلاحات الكبرى ومكافحة مختلف أشكال الريع والفساد، باعتباره المعضلة التي تتهدد المسار السياسي والتنموي، وانعكاساتها السلبية على الأداء الاقتصادي والمؤسساتي الوطني، وفي التشغيل الذي بلغت فيه نسبة البطالة 13 في المائة، كما لم تستطع حماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومواجهة أزمة غلاء الأسعار ومراقبة المضاربات والاحتكارات. بالإضافة إلى ارتباكها في التنزيل السليم لورش الحماية الاجتماعية على مستوى ضمان استدامته المالية، واتخاذ إجراءات كفيلة بضمان مشاركة كافة المغاربة، وإقدامها على تقديم دعم عمومي بقيمة "13" مليار درهم لاستيراد الماشية واللحوم خلال السنة الماضية 2024، استفاد منه 18 مستوردا فقط من المحظوظين، دون أن يكون لذلك أي أثر إيجابي على الأسعار وجيوب المواطنين. إن المعركة الحقيقية والأكثر قدسية التي تتطلب التحلي بكثير من الشجاعة والإرادة السياسية القوية، في اتجاه القضاء على مختلف مظاهر "الفقر والأمية والبطالة والهدر المدرسي والتفاوتات الاجتماعية"، هي تلك المعركة الوطنية الكبرى التي يقودها القائد الملهم الملك محمد السادس ضد الفساد الذي طال جميع مفاصل الدولة بما فيها مؤسسات التعليم العالي. فالفساد يشكل خطورة قصوى على المجتمع، ولا ينحصر فقط في نهب المال العام وتبديده والتلاعب بالصفقات العمومية والتزوير والغش والابتزاز، وتدمير المبادئ والقيم الأخلاقية، وما لذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني والاستقرار، بل كذلك في خرق القوانين وانتهاك حقوق المواطنين، مما يقتضي من المغاربة قاطبة الانخراط فيها بحس وطني صادق.