كشف تقرير برلماني مغربي جديد عن استمرار التحديات البنيوية التي تواجه برامج محاربة الأمية في البلاد، رغم الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة منذ عقود لتقليص نسبها، والتي لا تزال، وفق المعطيات الرسمية، تمسّ أكثر من ربع السكان البالغين. أكثر من 25% من المغاربة لا يزالون أميين
وأشار التقرير، الذي أعدّته مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة بمجلس النواب لتقييم برامج محاربة الأمية، إلى أن نسبة الأمية في المغرب بلغت نحو 24.8% سنة 2024 مقابل 32.2% سنة 2014، أي بانخفاض طفيف رغم كثافة البرامج المعتمدة. وتبقى الفوارق الجغرافية والاجتماعية بارزة، إذ تصل النسبة إلى نحو 47.5% في الوسط القروي، مقابل 17.3% في المدن، كما ترتفع بشكل ملحوظ في صفوف النساء، حيث تبلغ 32.4% مقابل 17.2% لدى الرجال. التقرير، الذي يمتد على أكثر من 270 صفحة، يشكّل أول تقييم برلماني شامل لبرامج محاربة الأمية خلال الفترة 2021-2026، ويتناول أداء مؤسسات عدة أبرزها الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (برنامج محو الأمية بالمساجد)، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج (برنامج "سجون بدون أمية"). وحسب التقرير، فإن هذه البرامج مكّنت من تسجيل تحسن في عدد المستفيدين، الذي تجاوز في بعض المواسم الدراسية مليون مستفيد، غير أن البرلمانيين أشاروا إلى "نقص في التنسيق بين المتدخلين"، و"تشتت الجهود وضعف آليات التقييم"، فضلاً عن "تأخرات متكررة في صرف التعويضات للمؤطرين". محدودية الموارد وضعف الالتقائية أظهر التقرير أن الموارد المالية المرصودة لمحاربة الأمية ما زالت محدودة مقارنة بحجم التحدي، إذ لم تتجاوز الاعتمادات السنوية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية في السنوات الأخيرة 400 مليون درهم في المتوسط، رغم ارتفاع الطلب على التعلم في صفوف الفئات الهشة، خاصة النساء في المناطق القروية. كما سجلت اللجنة ضعف "الالتقائية المؤسسية" بين البرامج الحكومية، مشيرة إلى غياب التنسيق مع قطاعات حيوية مثل التشغيل والتنمية القروية والصناعة التقليدية، ما يحد من فرص الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمستفيدين بعد تعلمهم القراءة والكتابة. دعوة إلى استراتيجية موحدة ومستدامة ودعا التقرير إلى صياغة استراتيجية وطنية موحدة لمحاربة الأمية، ترتكز على مقاربة شمولية تدمج التعليم غير النظامي والتكوين المهني وتمكين النساء، مع تعزيز الشراكة مع الجماعات الترابية والمجتمع المدني. كما أوصى بإحداث نظام وطني للمعلومات والتتبع لضمان دقة المعطيات وفعالية التقييم المستمر. وأشار النواب إلى أن الأمية "لم تعد مجرّد قضية تربوية"، بل أصبحت "قضية تنموية تمس الكرامة والمواطنة والعدالة الاجتماعية"، معتبرين أن القضاء عليها يمثل شرطاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والرؤية الوطنية لإصلاح التعليم والتكوين.