اسم الجلالة في العنوان إشارة إلى التشريع الإسلامي، والنسخ الرديئة للإله، الكيان الحديث المسمى الدولة في شخص أنظمتها السياسية المتباينة إيديولوجيا وتنظيميا. وفكرة المقال هي التساؤل التالي : – في ظل المحرقة الصهيونية لقطاع غزة، هل من مشروعية لحقوق الإنسان التي صدعنا بها السياسيون والمثقفون والمفكرون…من الشرق ومن الغرب؟ بعبارة أخرى، لقد كشفت الإبادة الجماعية في غزة عن الإفلاس المطلق للتشريعات البشرية التي أقامت صرحها النظري والعملي على أنقاض التشريعات السماوية منذ عصر النهضة الأوروبية إلى اليوم. وإذن، ماذا بقي من صلاحية هذه القوانين العاجزة كل العجز عن حماية حق الحياة الذي هو أسمى الحقوق وأولها؟ لن نجيب مباشرة عن هذا السؤال تفاديا للسقوط في فخ القوالب الجاهزة وفخ الجدال العقيم مع أصحاب هذه الفخاخ العتيقة. كما أنه ووفقا لما قلناه في مناسبات سابقة فهذا العصر هو عصر الأجوبة الحاسمة بامتياز لسبب بسيط وهو أن عامل الزمن المغيب في الماضي لم يعد كذلك في الحاضر وعقود التجريب العديدة والمديدة لوصفات الشرق والغرب قد بلغت منتهاها. وبقليل من العقل بات الآن من الممكن الحكم عليها أو لها. الزمن كشاف، ومدة صلاحية التشريع البشري انتهت مع شبح الموت القابع هناك في غزة يُخرس الألسنة ويتحدى الجميع. واحتراما للأرواح الصاعدة يوميا إلى السماء، لن نكثر الكلام لأن الألم لا يطاق. سنكتفي بعرض بعض من التناقضات الداخلية للقانون البشري المتواطئ في الإبادة الجماعية لسكان القطاع المحاصرين لسنوات طويلة. 1 – قانون الإنسان للإنسان : من يضع القانون يتحكم في رقاب من وُضع لهم القانون. ولأن واضع القانون أدرى به من غيره فهو أول من ينأى بأوضاعه ووضعياته وموضوعاته عن هذا القانون. إنه يخرق القانون بكل حياد وموضوعية. ودعونا رجاء من ترهات الماديين والوضعيين والنفعيين…ونظرياتهم القانونية الجميلة جدا على الورق لكنها لا تصمد كثيرا أمام فظائع وجرائم الواقع. لا وجود للملائكة بين البشر. من يُشرع للإنسان إنسان. وكل إنسان حبيس إنسانيته لا يمكن أن يتجرد منها ليكون إنسانيا مع كل إنسان أو لكل إنسان. أي لا ضمان ولا ضامن لعدم إنسانية هذا الإنسان في حق الإنسان..في التشريع وفي غيره. والإنسان الذي يحرص على كل إنسان أكثر من حرصه على نفسه هو استثناء للقاعدة العامة وللحكمة المأثورة التي تقول : – ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك! أي لا أحد أحرص بك منك أنت. هذا ما ينبغي أن يكون على الأقل نظريا. لكن، وبما أننا سلمنا أمورنا كلها إلى النسخ الرديئة للإله، واستسلمنا لهم كالخرفان الوديعة، فالمشرع الوحيد الآن على هذا الكوكب والذي يطاع من الشرق ومن الغرب وبشكل مطلق هم الصهاينة ولوبياتهم المتغلغلة في كل مكان. لنصعد قليلا إلى السماء ولنتأمل معا بعضا من خصائص التشريع الإسلامي الذي يهمنا. مصدر هذا القانون هو القرآن والسنة لا فلان أو فرتلان من ′′خبراء القانون′′. وإن كان من سمة جوهرية لهذا التشريع فهو حرية الاختيار بين تطبيقه من عدمه. إنه يضع صاحبه في موضع التكليف بكل حرية ومسؤولية هنا وهناك في العالم الآخر وكفى! ورب السماوات والأرض خلافا للمتألهين في الأرض من الزعماء والسياسيين لا يرغم أحدا على قوانينه ولا يجبرهم ولا يتلصص عليهم ولا يترصد عوراتهم ولا يصطاد عثراتهم ولا يقتات من دمائهم ولا يصادر أموالهم…إلخ ذلك من المخططات الجهنمية التي لا تخطر ببال الشيطان نفسه. وعلى من يقول بالعكس أن يأتينا بالدليل على ذلك أي الحالات التي نزل فيها الرب من عليائه ليتدخل في شؤون البشر ويفسد عليهم حياتهم كما يتفنن في ذلك زبانية الكراسي وجنودهم من الجن والإنس. ′′ تخبرنا كتب التاريخ أن ′′المجتمعات الأسطورية′′ – كما يسميها للأسف الشديد بعض الأنتروبولوجيين المتعصبين لعقيدة التقدم العلمي – كانت تعيش في وئام وانسجام عندما كانت تشريعاتها نابعة من ′′الفكر الأسطوري′′ وأن الفترات السوداء من تاريخ هذه ′′الشعوب البدائية′′ لم تسقط كلعنة من السماء وإنما بسبب السياسيين الذين لم يرقهم أبدا أن تخضع رقاب شعوبهم لغيرهم من ′′القوى الأسطورية′′. لهذا حاربوا بلا هوادة تشريعات السماء..باسم آلهة السماء..ليتحولوا بدورهم إلى آلهة الأرض بلا منازع.′′ ( راجع مقال التشريعات السماوية وأحدب نوتردام المنشور بالموقع بتاريخ 17 يوليوز 2024 ) باختصار شديد وكما خلصنا إليه في موضع آخر : – ′′ يوجد إله، ويوجد إنسان ينكر هذا الإله أو يوظفه للتأله على أخيه الإنسان′′ ( مقال أيها الناس الله يخاطبكم بالموقع بتاريخ 09 يونيو 2018 ) وهذا التأله بطبيعة الحال ليس إلا عن طريق القوانين والتشريعات البشرية. وهل يوجد أفضل منها؟ 2 – قوانين لا تنتهي! لأن برلمانات العالم لا تتوقف عن التشريع في كل شاردة وواردة ليل نهار لدرجة أصبح معها من المستحيل الإحاطة بالقوانين من طرف خبراء القانون أنفسهم. خلافا لما عرفه المسلمون طيلة 12 قرنا من ′′فقه شعبي′′ في متناول الجميع بلا قيد أو شرط. والسبب كما فصلناه في مقال سابق : ′′ طيلة 12 قرنا لم تتغول السلطة السياسية على السلطتين التشريعية والقضائية! كانت هناك استثناءات تاريخية معزولة بطبيعة الحال لكنها وفي جميع الأحوال لم تكن لتغير من طبيعة معادلة الحكم شيئا، أي أن السلطة السياسية لم تحتكر السلطة التشريعية والقضائية لسبب بسيط هو أنها ليست مصدر التشريع الإسلامي الذي ظل يستمد أصوله من القرآن والسنة أساسا..وعلى يد فئة عالمة من المجتمع الإسلامي، العلماء والفقهاء المستقلين عن السلطة السياسية.′′ ( مقال نحو باراديكم جديد للفكر العربي الاسلامي بالموقع بتاريخ 24 يوليوز 2023 ) كانت الثقافة القانونية جزءا لا يتجزأ من تكوين المسلم العادي في أمور حياته كلها من زواج وطلاق وأكل وشرب وبيع وشراء وسفر وحضر…إلخ 3 – العبودية القانونية : ′′ مع كل تشريع جديد تتقلص حرية الإنسان وتفرض عليها قيود جديدة إن لم تصادرها بالكلية. وهذا هو الهدف المضمر لجل التشريعات الحديثة ودع عنك ما تدعيه من الشعارات البالية كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى ما هنالك من الكلمات الفضفاضة التي لم تعد تعني الشيء الكثير بل تحولت إلى نقائضها تماما في العديد من الدول الغربية التي نحت فيها المجتمعات منحى أورويليا بلا مبالغة. (المراقبة الرقمية كمثال)′′ ( مقال هل يحمي القانون الضعفاء بالموقع بتاريخ 25 غشت 2023 ) من المفيد في هذا الصدد مقارنة منطق السادة والعبيد الذي يحكم التشريع البشري بما جاء في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم..في كتب الفلسفة على غير العادة لا كتب السيرة. ′′ يقول المفكر والفيلسوف الراحل الدكتور محمد عابد الجابر رحمه الله في الصفحات الأخيرة من كتابه ′′العقل السياسي العربي′′ ما يلي : (لقد رفض النبي ص مرارا أن يسمى ملكا أو رئيسا، محددا هويته بكونه نبيا رسولا لا غير…ومما له دلالة في هذا الصدد أن أتباعه لم يكونوا ينظرون إلى أنفسهم، ولم تكن قريش أو غيرها من خصومهم تنظر إليهم على أنهم مرؤوسون محكومون، بل كانوا يسمون أنفسهم، وكان العرب يسمونهم باسم لا يحمل من معنى الملك والرئاسة شيئا : لقد كانوا ′′أصحاب′′ محمد أو ′′صحابته′′) ص.318 من الطبعة الرابعة للمركز الثقافي العربي.′′ ( مقال الحركات الاستسلامية بالموقع بتاريخ 02 يونيو 2019 ) ثم بعد هذا يطل علينا جنس المهووسين بالسلطة والتسلط ليقنعوننا بالعكس. ′′ لكن وعوضا عن مناقشة تأله الدولة بأجهزتها البيروقراطية التي تتحكم في الرقاب، يُناقش إله الدين الذي لا علاقة له بإله الدولة. ولا يمكن تفسير هذا الانحراف في النقاش الفكري إلا بالتالي : – الخوف من أن يتحول إله الدولة يوما ما ويُحِل دولة الإله مكان إله الدولة!′′ ( مقال نحو باراديكم جديد للفكر العربي الاسلامي) سنتوقف عند هذا الحد رغم أن في جعبتنا المزيد من الملاحظات لكن شلال الدم لا يتوقف هناك في غزة التي تمسك أهلها ومقاوموها بعقيدة وشريعة الله للدفاع عن حقوقهم وتركونا نحن تحت أقدام النسخ الرديئة للإله بلا حقوق!