عبر ماكينتها الإدارية والإعلامية الضخمة، تحاول الأنظمة السياسية في العالم أن توهم مواطنيها أن تشريعاتها القانونية من أرقى الإنتاجات الإنسانية في التاريخ وأن الحضارة الحديثة قد بلغت من التقدم والحرية وحقوق الإنسان ما لم تبلغه سابقاتها. لكن وبنقرة صغيرة على محركات البحث الأكاديمية التي تتيح الدخول إلى أعرق الجامعات والمكتبات العالمية وتحديدا إلى المراجع المتعلقة بالتاريخ السياسي القديم إلى اليوم، نكتشف التالي : – تاريخ العصر الحديث هو تاريخ إيديولوجيات لا تاريخية! أي أن كل ما يروج له على وسائل الإعلام الرسمية من ′′حقائق تاريخية′′ لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بما دونته كتب التاريخ عبر التاريخ! وبعبارات أكثر وضوحا، فالخطاب السياسي حول التاريخ يقفز من النهايات إلى البدايات، وكسنجاب الغاب يجمع هنا وهناك ما لذ وطاب من ′′البذور التاريخية′′ ليزرعها في عقول المواطنين ليذعنوا ويسلموا لما تجود به قريحة السياسيين من قذارة سياسية لم يعرف لها التاريخ البشري مثيلا.
لقد أبانت حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة إلى أي حد يمكن أن تصل هذه القذارة السياسية. وإذا بقي من شيء للمنظرين في العلوم السياسية والتاريخ السياسي فهو أن يقدموا استقالتهم ويعتذروا عما أتخموا به جماجم الطلبة والدارسين من ′′ترهات أكاديمية′′. في مقال سابق لنا بالموقع تحت عنوان : هل يحمي القانون الضعفاء؟ كان الجواب بالنفي. وقد بسطنا القول في الأسباب بعيدا عن التعقيدات النظرية. اليوم وبعد عشرة أشهر من المذابح والجرائم في غزة، ماذا نقول؟ وماذا يقول المهووسون بمدارس الفكر السياسي وتاريخ الفكر السياسي؟ وبماذا سيقنعنا المتعالمون من الشرق أو من الغرب الذين جعلوا من الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية حصان طروادة للإغارة على كل ما له علاقة بالديانات السماوية من يهودية ومسيحية وإسلام؟ تخبرنا كتب التاريخ أن ′′المجتمعات الأسطورية′′ – كما يسميها للأسف الشديد بعض الأنتروبولوجيين المتعصبين لعقيدة التقدم العلمي – كانت تعيش في وئام وانسجام عندما كانت تشريعاتها نابعة من ′′الفكر الأسطوري′′ وأن الفترات السوداء من تاريخ هذه ′′الشعوب البدائية′′ لم تسقط كلعنة من السماء وإنما بسبب السياسيين الذين لم يرقهم أبدا أن تخضع رقاب شعوبهم لغيرهم من ′′القوى الأسطورية′′. لهذا حاربوا بلا هوادة تشريعات السماء..باسم آلهة السماء..ليتحولوا بدورهم إلى آلهة الأرض بلا منازع. بعد عمر طويل من العزلة عن الناس، قرر خادم أجراس كاتدرائية نوتردام أن ينزل من الأعلى إلى الأسفل..قرر أن يخالط الناس..أن يعيش الأحداث اليومية للباريسيين… ورغم أنه أحدب وذميم الخلقة، إلا أنه وبمشاعره الصادقة وذكائه استطاع أن يبث قيم الجمال والحب والعدالة بين الناس. فمتى يا ترى ستنزل التشريعات السماوية من الأعلى إلى الأسفل؟ متى ستخالط الناس؟ متى ستقرر أن تعيش الأحداث اليومية للناس؟ متى ستبث قيم الجمال والحب والعدل بين الناس؟ لقد اختنقنا بأنفاس السياسيين الملوثة بالدماء والأشلاء..ضقنا ذرعا بأذرعهم التي طالت كل شيء..سئمنا من أساطيرهم العلمية وأساطينهم الفكرية… لقد كفرنا بآلهة الأرض وآن الأوان أن نرى بأم أعيننا ما يدعيه آلهة التراب في حق السماء.. سنؤمن بما في السماوات..سنعتنق جميع الديانات..سنقطع الشك باليقين و… نقطع دابر السياسيين!