بعد ثمانية عشر عاماً من الانتظار، لا يزال حلم آلاف الأسر المنخرطة في الوداديات السكنية بمنطقة "الرك الأصفر" بمدينة كلميم مؤجلاً إلى إشعار آخر. مشاريع اقتنيت بقعها منذ منتصف العقد الأول من الألفية، ووُعد أصحابها مراراً بتجهيز المنطقة ومنح رخص البناء، لكنها ما تزال رهينة تعقيدات إدارية و"تماطل غير مبرر" من الجهات المسؤولة، كما تقول الفيدرالية الممثلة لهم. تعود بداية القصة إلى أكثر من 18 سنة، حين أطلقت مجموعة من الوداديات والتعاونيات السكنية مشاريع بمنطقة "الرك الأصفر"، على أمل المساهمة في التوسع العمراني لمدينة كلميم وتوفير سكن لائق لمئات الأسر من الطبقة المتوسطة.
5000 أسرة تنتظر وعدا لم يتحقق منذ 2007 لكن بعد كل تلك السنوات، لم يحصل المستفيدون على رخص البناء، بسبب ما تصفه الفيدرالية في بلاغاتها ب"البيروقراطية الممنهجة واللامبالاة المتواصلة" من طرف مصالح المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمجلس الجماعي. في بلاغ رسمي صدر يوم 11 أكتوبر 2025، أكدت فيدرالية الوداديات والتعاونيات السكنية بكلميم أن "البلوكاج الحاصل" في مشاريع الرك الأصفر تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى مصالح المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، التي تماطل – حسب تعبيرها – في التسليم المؤقت للأشغال رغم جاهزية عدة تجزئات، بذريعة "استكمال القناة الرئيسية للتطهير أو ملفات تقنية". وقالت الفيدرالية إنها قررت تنظيم وقفة إنذارية سلمية يوم الأربعاء 15 أكتوبر الجاري أمام مقر المكتب الوطني للماء والكهرباء بشارع محمد السادس، "للتعبير عن نفاد الصبر ورفض استمرار التسويف". يقول أحد المنخرطين، محمد الوعباني: "الناس زهقات والعائلات تضررت… ما طالبينش المستحيل، غير حقنا في رخص البناء والسكن في ملكنا بعد 18 سنة من الانتظار". ويضيف آخر، سعيد جابر، بلهجة غاضبة: "الصبر نفد. نحن لا ذنب لنا في صراعات سياسية أو إدارية. ضحينا بمدخراتنا في سبيل سكن يصون كرامتنا، وها نحن عالقون في دوامة الوعود الكاذبة". وتشير تقديرات الفيدرالية إلى أن عدد المستفيدين من هذه المشاريع يفوق 5000 أسرة، جلهم من الطبقة المتوسطة وصغار الموظفين، بعضهم أدى كامل مستحقاته منذ أكثر من عقد، دون أن يضع حجراً واحداً في أرضه. اجتماعات كثيرة.. ووعود مؤجلة في 22 ماي 2025، عقد رئيس جماعة كلميم اجتماعاً مع رئيس الفيدرالية التوفيق بوخيام بحضور الأطر التقنية المعنية، وتم التوافق – حسب بلاغ رسمي للجماعة – على "تضافر الجهود لإخراج المشاريع السكنية إلى حيز الوجود". غير أن الأمور لم تتقدم كثيراً بعد ذلك. فبعد إلغاء صفقة عمومية لإنجاز القناة الرئيسية للتطهير، تمت إعادة إطلاقها، لكن الأشغال، التي بدأت فعلياً في 26 ماي المنصرم، تسير بوتيرة بطيئة جداً. ويعلق التوفيق بوخيام، رئيس فيدرالية الوداديات قائلاً: "صبرنا بدأ ينفذ، وهناك طرف يعمل في الخفاء لعرقلة المشروع… ما كل مرة تسلم الجرة". أما المنخرط علي ورّاب فيصف الوضع بأنه "فشل ذريع للسياسي والتقني وكل مكونات منظومة التعمير بالمدينة"، ويتساءل: "من له المصلحة في فرملة هذا المشروع التنموي؟ لقد قامت الوداديات بكل ما في وسعها: أنجزت الدراسات، وشقت الطرق، وساهمت في تجهيز المنطقة على نفقتها الخاصة". جماعة كلميم تتبرأ من بطء المشاريع وتشتكي غياب التنسيق في خضم الجدل حول مشروع الرك الأصفر، أصدرت جماعة كلميم بلاغاً عقب دورتها العادية لشهر أكتوبر 2025، عبّرت فيه عن قلقها من تعثر البرامج التنموية و"غياب الإرادة الحقيقية لإنجاح تجربة المجلس الحالي". وأكد البلاغ وجود تأخر كبير في تنفيذ المشاريع المبرمجة، وعلى رأسها الرك الأصفر، وكلية الطب والمركز الاستشفائي والمدينة العتيقة، محمّلاً المسؤولية إلى ضعف التنسيق بين المتدخلين و"غياب اجتماعات لجان القيادة والتتبع". ودعت الجماعة إلى تفعيل الاتفاقيات وتسريع وتيرة التنفيذ، واستحضار التوجيهات الملكية حول "محاربة الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات"، مؤكدة أن الاستثمار العمومي يجب أن ينعكس فعلياً على حياة المواطنين. الملف يصل إلى البرلمان في تطور لافت يعكس اتساع دائرة التذمر من تعثر مشاريع الوداديات السكنية بمنطقة الرك الأصفر، وجه البرلماني عن فريق الأصالة والمعاصرة محمد صباري ثلاثة أسئلة كتابية إلى كل من وزير الداخلية، ووزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بتاريخ 13 أكتوبر 2025، داعياً إلى تحرك حكومي عاجل لتفادي مزيد من الاحتقان الاجتماعي. في سؤاله الموجه إلى وزير الداخلية، حذر صباري من حالة "الاحتقان الاجتماعي المتزايد" التي تعرفها كلميم نتيجة تأخر تسوية وضعية مشاريع الوداديات السكنية بالرك الأصفر رغم جاهزيتها التقنية، مطالباً بالكشف عن الإجراءات المزمع اتخاذها لتسريع التنسيق بين المتدخلين وتفادي انفجار الوضع الاجتماعي. أما في سؤاله إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان، فقد ركز على صعوبات تجديد الرخص العالقة التي تعرقل استكمال الأشغال وتؤخر الربط بالشبكات الحيوية، مما يتسبب في "خسائر مادية ومعنوية كبيرة ويؤثر على الاستثمار في القطاع السكني بالمدينة"، داعياً إلى تبسيط المساطر وتسريع دراسة الملفات العالقة. وفي مراسلته إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، طالب البرلماني بمراجعة شروط المساهمة المالية المفروضة على الوداديات لتغطية تكاليف الربط بالكهرباء، معتبراً أنها "مجحفة وغير منصفة"، داعياً إلى اعتماد معايير شفافة تراعي الطابع الاجتماعي للمشاريع وقدرة المنخرطين المادية. وفي السياق ذاته، تقدّم النائب البرلماني عن فريق الاستقلال للوحدة والتعادلية عبد الرحيم بوعيدة بسؤال كتابي إلى وزير التجهيز والماء بتاريخ 13 أكتوبر 2025، حول التأخر الكبير في ربط مشاريع الوداديات السكنية بمنطقة الرك الأصفر بشبكتي الماء الصالح للشرب والتطهير السائل. وأوضح بعنيدة أن هذا التأخر تسبب في "تعطيل مصالح آلاف المنخرطين ووقف استثمارات مهمة بالمنطقة"، مبرزاً أن المكتب الوطني للماء لم يستكمل بعد الأشغال المرتبطة بالقناة الرئيسية للتطهير رغم مرور أكثر من 15 سنة على بداية المشروع. ودعا النائب إلى توضيح الأسباب التقنية والإدارية وراء هذا التأخر، واتخاذ إجراءات عملية لتسريع وتيرة الأشغال وتمكين الوداديات السكنية من الربط بشبكتي الماء والتطهير في أقرب الآجال. وتأتي هذه المراسلات البرلمانية لتؤكد أن قضية الرك الأصفر لم تعد مجرد مطلب محلي، بل تحولت إلى ملف وطني يثير تساؤلات حول الحكامة الترابية وجدوى اتفاقيات الشراكة التي ظلت، كما يقول أحد المنخرطين، "حبراً على ورق منذ 18 سنة". "ليس تصعيداً بل إنذاراً" في المقابل، يرى متابعون محليون أن تداخل الاختصاصات بين الجماعة، والمكتب الوطني للماء والكهرباء، وشركة العمران، والسلطات الولائية، خلق ما يشبه "التواطؤ الصامت" الذي جعل الملف رهينة دواليب إدارية بلا قرار حاسم. تؤكد الفيدرالية أن احتجاجها المرتقب الأربعاء المقبل "ليس تصعيداً بل إنذاراً" موجهًا إلى كل الجهات المعنية، مطالبة ب: التسليم المؤقت للمشاريع المنتهية فوراً؛ رفض فرض أي مساهمات جديدة لربط المنطقة بشبكة الكهرباء؛ تسريع أشغال القناة الرئيسية؛ تسوية وضعية الطريقين 202 و204 اللذين يربطان التجزئات بالشبكات الخارجية. كما شددت على أن الوقفة ستكون "حضارية وسلمية"، وأن هدفها هو "الدفاع عن الحق في السكن والكرامة". يلخص المنخرط نوردين عبادي الإحباط العام قائلاً: "لقد طال انتظارنا بما فيه الكفاية. نحمل المسؤولية لوالي الجهة ورئيس المجلس البلدي. حان الوقت لتغليب المصلحة العامة وتحقيق وعود التنمية والكرامة". وبين صمت الإدارات، وغضب المنخرطين، يبقى "الرك الأصفر" عنواناً لمعضلة عمرانية وإنسانية تختصر كما قال أحدهم " فشل السلطة المحلية في تدبير ملف بسيط: حق الناس في سكنهم".