يأتي تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية في لحظة سياسية دقيقة تعكس رسوخ التوجه الدولي الداعم لمصداقية المقاربة المغربية القائمة على مبادرة الحكم الذاتي، بإعتبارها الإطار الواقعي والعملي لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل. فالمعطيات التي تضمنها التقرير، سواء في مضامينه أو في خلفيته السياسية، تعكس إنتقال الملف من منطق الصراع إلى منطق الإقرار بالسيادة الفعلية للمغرب على أقاليمه الجنوبية. لقد رسخ التقرير الإعتراف الدولي المتنامي بشرعية الموقف المغربي، حيث أشار صراحة إلى التحولات النوعية التي شهدها العام 2025، من تجديد الولاياتالمتحدة إعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، إلى الموقف البريطاني الصريح الذي إعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد الجاد والواقعي. هذه المواقف تشكل منعطفا ديبلوماسيا حاسما، يترجم إنحسار التأييد للطرح الإنفصالي وتراجع نفوذ داعميه التقليديين داخل الإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي، ويؤكد أن الرؤية المغربية باتت تحظى بإجماع داخل المجتمع الدولي كحل واقعي يوازن بين الشرعية والسيادة والاستقرار الإقليمي. لقد عكست مضامين التقرير إقرارا ضمنيا بالسيادة المغربية الفعلية، من خلال رصده للدينامية التنموية الكبرى التي تعرفها الأقاليم الجنوبية تحت إشراف الدولة المغربية، مقابل حالة الجمود والإرتباك التي يعيشها الكيان الإنفصالي شرق الجدار الدفاعي. كما أبرز التقرير الدور المحوري للقوات المسلحة الملكية في حفظ الأمن والتنسيق الميداني مع بعثة المينورسو، في ظل العراقيل التي تفرضها الجبهة الإنفصالية على تحركاتها، وهو ما يعكس تآكل حضورها الميداني وافتقادها لأي سلطة فعلية. كما كشف التقرير بوضوح فشل المنظومة الأممية داخل مخيمات تندوف بسبب غياب الشفافية ورفض الجزائر فتح تحقيقات حول مصير المساعدات الإنسانية، مما أعاد إلى الواجهة مسؤولية الجزائر القانونية بصفتها دولة حاضنة فوضت سلطاتها لتنظيم مسلح خارج إطار الشرعية الدولية. ووصف الأمين العام الوضع الإنساني في تندوف بأنه من بين الأسوأ عالميا، في ظل مؤشرات مقلقة تتعلق بتغذية الأطفال والنساء، وبانتهاكات خطيرة تشمل التجنيد القسري والإحتجاز غير القانوني، وهي معطيات تدحض الإدعاءات التي تروجها الجزائر والبوليساريو حول الأوضاع الحقوقية في الصحراء المغربية. وأبرز ذات التقرير أن الأممالمتحدة تقترب أكثر من تثبيت منطق "الحل السياسي الواقعي والدائم" بدل التلويح بخيار الإستفتاء المتجاوز، انسجاما مع قرارات مجلس الأمن الأخيرة،خصوصا القرارين 2654 و2703 ، التي أكدت على أولوية الحل السياسي التوافقي ودعت جميع الأطراف بما فيها الجزائر، إلى الإنخراط الجاد في العملية السياسية تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام. هذه القرارات تؤكد مسؤولية الجزائر المباشرة في النزاع وتدحض ادعاءها الحياد. وفي نظرنا المتواضع، وفي أفق انعقاد مجلس الأمن في الثلاثين من أكتوبر الجاري، سيتجه التقدير السياسي نحو تجديد ولاية المينورسو ضمن سياق يعزز المكتسبات المغربية ويكرس المقاربة الواقعية التي باتت تحظى بإجماع واسع. ومن المنتظر أن يعكس القرار المرتقب إستمرار الدينامية الإيجابية للمغرب، الذي بات يشكل فاعلا محوريا في حفظ الأمن والإستقرار الإقليمي في الساحل والصحراء، مقابل عزلة متزايدة للطرح الإنفصالي وتراجع نفوذ الجزائر في المحافل الدولية. ختاما، إن قراءة التقرير الأممي لسنة 2025 تؤكد أن المسار الدبلوماسي المغربي بلغ مرحلة النضج الإستراتيجي، حيث تلاقت الشرعية الدولية مع السيادة الميدانية في ترسيخ مشروع الحكم الذاتي كأفق وحيد لتسوية النزاع. وبذلك، يكون المغرب قد انتقل من مرحلة الدفاع عن وحدته الترابية إلى مرحلة ترسيخ الإعتراف الدولي بمغربية الصحراء، في تحول نوعي يؤذن عمليا بنهاية الأطروحة الانفصالية وبداية مرحلة الحل السياسي تحت السيادة المغربية الكاملة. د/ الحسين بكار السباعي محلل سياسي وخبير إستراتيجي