حلت صباح الخميس لجنة مركزية تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية بمدينة كلميم، في زيارة تفتيشية تهدف إلى الوقوف على الوضع المحلي، عقب تصاعد الجدل حول ما وُصف ب"البلوكاج التنموي" الذي تعرفه المدينة، وتزامناً مع أجواء احتجاجات اجتماعية تشهدها المنطقة منذ أسابيع. وبحسب مصادر محلية، باشرت اللجنة عملها من مقر ولاية جهة كلميم وادنون، حيث استمعت إلى الوالي محمد الناجم بهي وعدد من المسؤولين الجهويين، قبل أن تنتقل إلى مقر جماعة كلميم للاطلاع على الملفات الإدارية والتدبيرية والاستماع إلى رئيس المجلس وأعضائه، في إطار مهام رقابية تهدف إلى تقييم سير المرافق المحلية وتدبير المشاريع المبرمجة.
وتأتي هذه الزيارة عقب بيان صادر عن مجلس جماعة كلميم عقب الجلسة الأولى لدورة أكتوبر العادية، وجّه فيه انتقادات حادة إلى ما سماه ب"تعثر غير مبرر" يطبع البرامج التنموية، محملاً عدداً من الشركاء العموميين مسؤولية التأخر في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، ومعتبراً أن المدينة أصبحت "حبيسة الأوراق"، في تناقض مع التوجيهات الملكية الداعية إلى ترسيخ ثقافة النتائج. وأشار البيان إلى تجميد عمل لجان القيادة والتتبع المكلفة بتجاوز الإكراهات وتسريع وتيرة الإنجاز، معتبراً أن "التلكؤ" في مشاريع كبرى مثل تأهيل المدينة العتيقة، وكلية الطب والصيدلة، والمركز الاستشفائي الجامعي، والمجزرة العصرية، يُظهر خللاً بنيوياً في تدبير الشأن المحلي. كما أثار المجلس ملف "التراجع" عن مشروع إنشاء جامعة بمنطقة الرك الأصفر، الذي يعود الاتفاق حوله إلى سنة 2009، واعتبره مثالاً على "تهميش الجماعة في بلورة المشاريع الترابية"، محذراً من "إقصاء المنتخبين" من الأنشطة الرسمية رغم تمثيليتهم القانونية. وتأتي هذه التطورات في سياق اجتماعي متوتر تعيشه المدينة منذ أسابيع، على خلفية احتجاجات شبابية متزامنة مع حراك "جيل زد" الذي يجتاح عدداً من المدن المغربية. وتشهد كلميم بين الفينة والأخرى احتجاجات اجتماعية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. تحالف الفقر والفساد وتصنف المندوبية السامية للتخطيط إقليمكلميم من بين الأقاليم الأكثر فقراً وارتفاعاً في نسب البطالة، فيما يشكو سكانها من غياب فرص العمل وتراجع الأنشطة الفلاحية بسبب الجفاف، ما يدفع عشرات الشباب سنوياً إلى ركوب قوارب الهجرة غير النظامية نحو جزر الكناري. ويحمّل مراقبون الوضع القائم إلى استشراء الفساد في الإقليم ، بالإضافة إلى "تراكمات في سوء التدبير المحلي"، إذ تواجه رئيسة الجهة مباركة بوعيدة (عن حزب الأحرار) انتقادات بسبب "إدارة شؤون الجهة من خارج الإقليم"، فيما يواصل رئيس الجماعة، الحسن الطالبي، ممارسة مهامه رغم صدور حكم قضائي ضده بالسجن خمس سنوات بتهمة اختلاس وتبديد المال العام. أما الوالي محمد الناجم بهي (71 سنة)، الذي يشغل منصبه منذ قرابة تسع سنوات، فيُتهم من طرف خصومه بأنه "رمز للجمود الإداري"، وسط حديث عن "علاقات متشابكة بين الأعيان والسلطة" ومضاربات عقارية تغذي حالة من فقدان الثقة في المؤسسات المحلية. وترتفع في الإقليم منذ فترة طويلة أصوات مدينة وحقوقية تطالب وزارة الداخلية بإعفاء الوالي، معتبرة أن طول بقائه في المنصب رغم تعاقب الحكومات وتفاقم الأوضاع يعمّق فقدان الثقة ويكرّس الإحباط لدى الساكنة، ومطالبتها بعزل رئيسة الجهة التي لا تباشر مهامها بمقر الإقليم الذي تفترض أنها ترأس جهته. وتربطت هذه الأصوات الحقوقية هذه المطالب بسابقة مدينة إنزكان، التي أعفي عاملها في وقت سابق مباشرة بعد زيارة مماثلة للجنة تفتيش مركزية من الداخلية، معتبرة أن "كلميم لا تختلف في طبيعة الاختلالات، بل تتجاوزها في حجمها وتعقيدها".