في خضم الاحتجاجات التي اندلعت شرارتها الأولى منذ يوم السبت 27 شتنبر 2025 في عدة مدن مغربية، من قبل مجموعة من الشباب الذين أطلقوا على حركتهم اسم "جيل Z" بعد أن قرروا نقل نشاطهم من الفضاء الرقمي إلى الشارع العام، للمطالبة بالكرامة، العدالة الاجتماعية، تحسين الخدمات في قطاعي الصحة والتعليم، محاربة الفساد وتوفير مناصب الشغل للعاطلين. وبعد أن دعا ملك البلاد محمد السادس في خطابه السامي أمام البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية عصر يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إلى تسريع وتيرة تنفيذ برامج التنمية الترابية، توفير فرص الشغل والنهوض بقطاعي التعليم والصحة، والعناية بالمناطق الأكثر هشاشة، خاصة مناطق الجبال والواحات، والتفعيل الأمثل لآليات التنمية المستدامة… خرج وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة يوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 للرد على الأسئلة الشفوية بمجلس النواب حول مجموعة من المواضيع، وخاصة منها تلك المتعلقة بظروف التمدرس ووضعية عدد من المؤسسات التعليمية، ليكشف أمام الجميع عن افتقار أربعة آلاف مدرسة في القرى والمناطق الجبلية إلى مراحيض، ومازالت تشكو كذلك من عدم ربطها بخدمة الماء الصالح للشرب، رافضا مثل هذا الوضع في مغرب اليوم، حيث أنه تساءل باستنكار "كيف يمكن للفتاة ألا تغادر المدرسة عندما تصل سن الرشد، دون توفر مدرستها على مرحاض وخدمة الماء ولا أدنى شروط الكرامة"؟ وليس وزير التربية الوطنية وحده من أثار الوضع المزري لعديد المؤسسات التعليمية، إذ سبقه إلى ذلك وزير التجهيز والماء نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي صرح خلال حلوله ضيفا على أحد البرامج التلفزيونية بالقناة الثانية يوم الأحد 5 أكتوبر 2025 بأن هناك حوالي خمسة آلاف مدرسة تعيش دون كهرباء وتنتظر أن يتم ربطها بالماء الصالح للشرب. وهو نفسه الذي أكد قبل ذلك في شهر يونيو الماضي التزام وزارته بتنفيذ مشاريع مهيكلة، تهدف إلى تعزيز استدامة الموارد المائية، من خلال اللجوء إلى تحويل أسطح المدارس إلى خزانات عملاقة لتجميع مياه الأمطار… ففي تقرير رسمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، نجده يكشف عن ضعف البنية التحتية التربوية، ويشير إلى أن ثلثي المؤسسات بدون دورات المياه، مما يعرض التلاميذ إلى أمراض متنوعة. كما أن إحدى النائبات من فرق المعارضة وجهت سؤالا كتابيا إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة السابق شكيب بنموسى، تؤكد من خلاله ليس فقط غياب المرافق الصحية بالمدارس التعليمية، بل كذلك إلى وجود جدران وأسقف مهترئة ومليئة بالشقوق، ولاسيما في المناطق القروية والنائية، فضلا عن قلة النظافة ووسائلها، مما ينعكس سلبا على نوعية التعليم وجودته وصحة المتعلمات والمتعلمين، ويساهم بقسط وافر في تزايد معدل الهدر المدرسي، الذي يعد واحدا من بين أفظع المعضلات المجتمعية الأساسية بالبلاد. وبالفعل يعد الهدر المدرسي من أبرز التحديات التي تشغل بال القائمين على الشأن التربوي، خاصة أن آلاف الأطفال والمراهقين يحرمون سنويا من مواصلة دراستهم، وهو ما ينعكس على مستقبلهم الفردي ويمس بالتنمية المجتمعية عامة. لذلك تبنت الوزارة الوصية عدة استراتيجيات للحد من هذه الظاهرة المقلقة والمؤرقة، عبر القيام بتعميم التعليم الأولي في محاولة جادة لمساعدة المتعلمين على تعزيز مكتسباتهم وخفض معدلات التسرب، وتوسيع العرض المدرسي عبر إحداث المدارس الجماعاتية وتوفير خدمات الدعم الاجتماعي من قبيل النقل والإطعام المدرسيين، حيث أنه ووفقا لخارطة الطريق 2022/2026 تسعى الوزارة إلى تقليص نسبة الهدر المدرسي بنحو الثلث. وليس وحده تفشي الفساد من يحول دون النهوض بالمدرسة المغربية وغيرها، بل هناك أيضا غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة، حيث أنه لا الخطب الملكية السامية ولا التقارير الوطنية والدولية ولا ميزانيات الإصلاح الضخمة استطاعت إصلاح المنظومة التعليمية وإيقاظ ضمائر المسؤولين ببلادنا، الذين غالبا ما يقفون عند حدود التشخيص والوعود بدل المرور إلى الفعل، مما اضطر معه العاهل المغربي إلى الدعوة لإحداث تحول حقيقي، يقوم على تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النتائج، مؤكدا أن التحول الكبير الذي يسعى جلالته إلى تحقيقه، يتطلب عملا ملموسا يركز على الأثر الواقعي للمشاريع على حياة المواطنين إننا نأمل أن تنصب جهود القائمين على الشأن التربوي ببلادنا في اتجاه إصلاح المدرسة العمومية، باعتبارها أولوية وطنية وضرورة مجتمعية، وذلك من خلال السهر على توفير بنيات تحتية مناسبة وخاصة ما يتعلق بالمرافق الصحية. وضمان تعليم ذي جودة، يكون في متناول جميع أبناء الشعب بدون تمييز في المدن والقرى والمناطق النائية. وتحويل المدرسة إلى فضاء مريح وذي جاذبية، بما من شأنه الإسهام في تقليص منسوب الهدر المدرسي، والرفع من نسبة المتعلمات والمتعلمين المتحكمين في التعلمات الأساس بالسلك الابتدائي على وجه الخصوص، تعزيز روح الانفتاح والمواطنة عندهم. ونتمنى كذلك أن يفي الوزير الحالي محمد سعد برادة بوعده بخصوص تأهيل المؤسسات التعليمية المتضررة، بعد اعترافه بأن غياب مرحاض نظيف يشكل عاملا مباشرا في مغادرة آلاف الفتيات للمدرسة، مما يستدعي الانكباب على تجاوز هذا الإشكال البنيوي الذي يسهم بصمت في تنامي ظاهرة الهدر المدرسي بينهن، حيث تتضاعف نسب الانقطاع عن الدراسة لديهن في المستوى الإعدادي، جراء انعدام المرافق الحيوية والخصوصية اللازمة داخل المؤسسات التعليمية.