لم يكن للرجل اسم، ولا لابنه ظلّ. كانا يسيران عبر الممرات الملطّخة بالدم، كأن الأرض قد شربت من الخيانة حتى ارتوت. كل خطوة كانت تردّد صدى طلقاتٍ قديمة، وكل جدارٍ كان يهمس بأسماء الذين سقطوا في صفقاتٍ لم تتم. لم يكن يعرف إن كان يهرب من قاتليه، أم من نفسه، أم من وعدٍ كُسر في منتصف الليل. الابن يمسك بيده، واليد تهتز، لا خوفًا بل لأن العالم كله أصبح هشيمًا من زجاجٍ أسود. قال الابن: «هل نحن أحياء؟» فأجابه: «لا أحد ينجو من الولادة، يا بني، نحن فقط نتعلّم كيف نموت ببطء.» في الطريق، كانوا يرون وجوهًا معلّقة في الهواء: شركاء الأمس وقد تحوّلوا إلى مرايا مكسورة. الخيانة لها رائحة، كرائحة الحديد الصدئ حين يختلط بالدم، كرائحة الأحلام حين تتحوّل إلى مقابر. العدالة؟ كلمة مهجورة، تُباع في الأزقّة مثل المخدّرات الرخيصة. ومع ذلك، كان الرجل يجرّ ابنه في اتجاهٍ مجهول، نحو شعلةٍ لم يعرف إن كانت نارًا أم نجاة. الفوضى كانت تغنّي، بصوتٍ يشبه التراتيل الجنائزية. السماء تسقط رمادًا، والبحر يضحك بموجٍ أسود، والأب يهمس: «سنصنع من جراحنا خريطة، ومن موتنا ولادة.» لكن الطفل لم يُجب. كان يحدّق في الطريق، وكأنّه يعرف أن النهاية ليست سوى دائرة، وأنهما سيعودان دومًا إلى نفس النقطة: حيث الدم يبتسم، وحيث الخيانة تفتح ذراعيها مثل أمٍّ تنتظر أبناءها المذنبين.