الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    كرة القدم: "أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي" (إنفانتينو)    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لكم" يترجم مقتطفات من مذكرات الملك الإسباني السابق خوان كارلوس: قصة إنسانٍ عاش مجده ملكاً وانكسر في وحدته منفياً
نشر في لكم يوم 31 - 10 - 2025

في مذكراته الجديدة "المصالحة"، يكتب الملك الإسباني السابق خوان كارلوس كما يكتب إنسان عارٍ من التاج، وحيد في منفاه، محاصر بظله وبصدى المجد الذي انقضى. رجلٌ حملته الأقدار منذ طفولته إلى عرشٍ لم يختره، فقاد بلاده نحو الديمقراطية، ثم وجد نفسه في خريف العمر غريباً عنها، يعاني من الوحدة والخذلان، وقد انفضّ من حوله المقرّبون والأصدقاء.
هذه الصفحات التي دوّنها ملكٌ عاش أربعة عقود في وهج السلطة، ثم انكسر أمام أخطائه، ليست مجرد مذكرات سياسية، بل مرآة للإنسان حين يسقط من علياء الحكم إلى صمت العزلة. يكتب خوان كارلوس بمرارة: "الآن بعد أن أدار ابني ظهره لي بسبب واجباته، واختفى أصدقائي المزعومون، أدركت أنني لم أكن حراً أبداً."

يعترف الملك بأن الخطيئة ليست خطيئة الشعب، بل خطؤه الشخصي، "خطأ أخلاقي"، كما يسميه، حين سمح لنفسه بأن يتورط في ما شوّه صورته، فاختار أن يتنازل عن العرش طواعية لابنه فيليبي السادس. يقول: "الملوك يجب أن يتمتعوا بميزة النظرة البعيدة، على عكس السياسيين الذين تحركهم الانتخابات وتقلبات الرأي العام."
يروي كيف خان الجسد صاحبه، وكيف صار الظهور بزيّ عسكري على عكازين أو كرسي متحرك إذلالاً لا يليق بملك قاد يوماً جيوش بلاده. يقول في لحظة صفاء مؤلمة: "كنت أصارع نفسي وهذا الجسد الذي خانني... كان من المستحيل أن أظهر أمام الناس بهذا الضعف."
إنها حكاية إنسانٍ لم يغفر له التاريخ أخطاءه، كما لم تمنحه السلطة خلاصاً من وحدته. مذكرات خوان كارلوس ليست فقط شهادة على سقوط ملك، بل على هشاشة الإنسان حين يكتشف أن كل شيءٍ زائل: المجد، الصداقات، والأوطان أحياناً.
ومن هنا تأتي قيمتها الكبرى، كما يراها موقع "لكم" الذي يقدم ترجمة مقتطفات منها نقلا عن أسبوعية "لوبوان" الفرنسية، لا للإثارة، بل للعبرة والتذكير — لعلّ من في السلطة، أيّاً كانت درجاتهم، يجدون فيها مرآةً لأنفسهم قبل أن يداهمهم خريف العمر وصقيع الندم.
وفي ما يلي مقتطفات مختارة من المذكرات:
يأس وفراغ في خريف العمر
في منتصف صيف عام 2020غادرتُ مقر إقامتي في مدريد، قصر زارزويلا، متجهًا إلى أبوظبي. لم يكن أحد يعلم. من غير المعتاد أن يُقرر رئيس دولة أوروبية، رغم أنني لم أعد في السلطة بعد تنازلي عن العرش قبل ست سنوات لابني فيليبي، الذهاب إلى المنفى. لم تُجبرني حرب ولا إجراءات قانونية على ذلك. في مواجهة ضغوط من الإعلام والحكومة، عقب الكشف عن حساب مصرفي سويسري لي واتهامات لا أساس لها من الصحة بالرشاوى، قررتُ المغادرة، حتى لا أُعيق سير العمل في القصر أو أمنع ابني من ممارسة واجباته كملك البلاد. ظننتُ أنني سأغيب لبضعة أسابيع على الأكثر، لأختفي عن أنظار الإعلام وأُتيح للعدالة الإسبانية والسويسرية إجراء تحقيقاتها دون أي عائق. لم أتخيل يومًا أنني بعد خمس سنوات، منها سنتان لم أرَ فيها بلدي، سأظل في أبوظبي.
ليس من السهل أن يُجبر المرء على النزوح والعزلة في خريف حياته. أشعر بالاستسلام، مجروحًا بشعور الهجرة. لا أستطيع كبح مشاعري عندما أفكر في بعض أفراد عائلتي الذين لم أعد أهتم بهم، وخاصةً إسبانيا التي أفتقدها كثيرًا.
أيامٌ من اليأس والفراغ. أعيش بلا آفاق، بلا يقين بإمكانية العودة للعيش في بلدي. رغم أن جميع القضايا القانونية قد رُفضت ولم يُوجّه أي اتهام ضدي، إلا أنني ما زلت صامدًا رغم كل الصعاب. بدافع غريزة البقاء، بدافع قوة الشخصية.
رغم صعوبات حركتي التي تُؤرقني، ومحاولات تشويه سمعتي العديدة، لم أكن منذ ولادتي متحكمًا في مصيري. حتى اليوم، عليّ أن أخضع لرغبات العائلة المالكة والحكومة الحالية. في النهاية، حُكمت حياتي بمطالب إسبانيا والعرش. لقد أعدتُ الحرية للشعب الإسباني بإرساء الديمقراطية، لكنني لم أتمكن قط من التمتع بها. الآن بعد أن أدار ابني ظهره لي بسبب واجباته، واختفى أصدقائي المزعومون، أدركت أنني لم أكن حرا أبدًا.
أنا والدكتاتور والفأر
في طريقي إلى هناك، تذكرت نصيحة والدي: "عندما تقابل فرانكو، استمع إليه بعناية، لكن تحدث بأقل قدر ممكن. كن مهذبًا وأجب عن أسئلته بإيجاز". بعد حوالي عشرين عامًا، قدم لي فرانكو نفس النصيحة: "الذباب لا يدخل فمًا مغلقًا". وأيضًا: "نحن نملك ما نسكت عنه، ونحن عبيد ما نقول". قضيت سنواتٍ حبيس الصمت، لحماية نفسي حتى توليت العرش عام1975. أعلم أن العديد من الإسبان فسروا هذا الصمت على أنه غباء. وجدت ذلك مسليًا للغاية.
في شتاء عام1948، تأثرت كثيرًا بفكرة لقاء رئيس الدولة. كنت في العاشرة من عمري، وكانت تلك أول مرة أزور فيها مكتب شخص بهذه الأهمية. كنا نجلس متقابلين في مكتبه، غرفة كبيرة مظلمة مليئة بالأوراق. مازح البعض لاحقًا بأن لدى فرانكو كوْمتيْن من الملفات: تلك التي سيعالجها الزمن، وتلك التي عالجها الزمن أخيرًا. كانت طريقةً لمغازلة طبيعته الغاليسية الهادئة والغامضة. ارتدى زيه العسكري، وجلس منتصبًا وحدق بي. وبينما كان يتحدث، كنت أشاهد ُ الكتب بعناية، والأثاث الخشبي الداكن، والسجاد. ورأيتُ فأرًا هناك، يركض بين قوائم المكتب.
لطالما رويت هذه الحكاية، التي لا تزال تُضحكني بعد أكثر من سبعين عامًا! بدأتُ أتتبع الفأر بعينيّ، ولاحظ فرانكو ذلك. سألني: "إلى ماذا تنظر؟". أجبتُ ضاحكًا: "يا مون جنرال، هناك فأرٌ قريب منك!". كان مندهشًا للغاية. انضمت إلينا زوجته، كارمين بولو. زرتُ قصر باردو، حيث توفي جدي الأكبر، ألفونسو الثاني عشر. ثم أهداني فرانكو سلاحًا، بندقية صيد.
في ظلّ الدكتاتور
كان الجنرال قليل الكلام، حتى أثناء تناولي الطعام. بدا وكأنه يُنصت، لكنه نادرًا ما يُبدي رأيه. كان سلوكه هادئًا ومنعزلًا. بعد هذه الوجبات الغذاءية كان يدعوني إلى مكتبه، ونجري محادثات خاصة مطولة، نقاشات جادة. حاولتُ التحدث معه بصراحة، مع أنني كنتُ أعلم أن لا أحد يجرؤ على ذلك. كنتُ أسأله أسئلةً مثل: "لماذا لا تسمح بحرية إنشاء الأحزاب السياسية؟" فيُجيب: "لا أستطيع فعل ذلك بنفسي، لكنك ستفعل لاحقًا".
عادةً، كان عليّ أن أفكّ تلميحاته الخفية. هذه المرة، كان صريحًا بشكلٍ مُفاجئ. أحيانًا، عندما لا يُريد الإجابة على أحد أسئلتي، كان يتظاهر بأنه لم يسمع. ابتسمتُ في داخلي. كانت لديه رؤية واضحة للوضع الراهن لإسبانيا ومستقبلها. كان يُقيّم ديناميكيات السلطة من حوله على المدى الطويل. […] هل كانت بيني وبين فرانكو علاقة أب وابنه؟ كان الفارق العمري بيننا ستة وأربعين عامًا. لم يكن لديه أبناء. ربما كان يُظهر لي شعورًا أبويًا. لم يُخفِ تعاطفه معي، بل ربما كان يُظهر بعض الحنان واللطف. كان يُخصص وقتًا لرؤيتي بانتظام، ويُحافظ على حوار مُستمر.
وصية فرانكو الأخيرة
في مطلع نوفمبر 1975، أُطيلت حياة الجنرال بشكل مصطنع. يزعم البعض أن عائلته أرادت إبقائه على قيد الحياة ليتمكن من تجديد ولاية رئيس الكورتيس، وبالتالي منع أي تفكيك للنظام. ليس لديّ دليل على ذلك. لقد صُدمتُ من الحرص الطبي الشديد الذي تعرّض له وهو فاقد الوعي تمامًا خلال عدة أيام. هل كان الخوف من المستقبل هو ما دفعهم إلى هذا التصرف؟ دار بيني وبينه حديث أخير.
كنتُ جالسًا بجانبه على سريره في المستشفى. أمسك بيدي وقال، كما لو كان يلفظ أنفاسه الأخيرة: "صاحب السمو، لا أطلب منك سوى شيء واحد: الحفاظ على وحدة البلاد". كانت تلك أمنيته الأخيرة. لم يطلب مني الحفاظ على النظام كما هو أو على مبادئ الحركة الوطنية. لذا، ترك لي حرية التصرف في إجراء الإصلاحات طالما لم تكن وحدة إسبانيا مهددة. شعرتُ أنه يمنحني حرية التصرف.
و أخيراً، الديمقراطية!
خلال الجلسة الافتتاحية للبرلمان، تولّت لا باسيوناريا، إحدى نائبتي الرئيس، وهي من رموز المعسكر الجمهوري، والمعروفة بخطابها الشهير: "لا باساران!". جرت العادة على تكريم أكبر الأعضاء المنتخبين سناً في الجلسة البرلمانية الأولى. كانت تبلغ من العمر أكثر من 80 عاماً، وكانت قد عادت لتوها من منفاها الطويل في الاتحاد السوفيتي. كانت العضوة الوحيدة في البرلمان التي انتُخبت عام 1936 وأُعيد انتخابها عام 1977. يا له من رمز! تخيّلوا المشهد: ملك، عيّنه فرانكو، إلى جانب أعتى الستالينيين. كان هذا أمراً لا يُصدّق قبل ثمانية عشر شهراً.
بالنسبة للأجيال الحالية، التي لم تشهد هذه الحقبة، من الصعب بالتأكيد استيعاب التحولات السياسية والثقافية السريعة التي أدت إلى هذا المشهد. كنا ندخل عصراً جديداً من التسامح والاحترام المتبادل، مع الديناميكيات المعتادة للأحزاب السياسية. وأصبحت بلادنا مثل أي ديمقراطية،
جنرال بلا سروال!
قبل شهرين تقريبًا من الثالث والعشرين من فبراير 1981، تناول والدي العشاء مع الجنرال ميلانس ديل بوش في منزل صديقه المقرب، لويس دي أوسيا، كونت غيتانيس، الذي أصبح سكرتيره الخاص. كان لقاءً وديًا، بدا بريئًا. قال له الجنرال بثقة: "قبل أن أتقاعد، سأُنزل بالدبابات إلى الشوارع!". بصراحة، عندما روى لي والدي هذا، اعتبرته مزحة. كان عليّ بالتأكيد أن آخذه على محمل الجد. […] كنت أعلم أن السخط يتصاعد في الثكنات. كان بعض العسكريين يصفون أعضاء الحكومة علنًا ب"الخونة"، وفي مقدمتهم أدولفو سواريز ووزير دفاعه ونائبه، الجنرال غوتيريز ميلادو، لكنني لم أكن أتخيل أبدًا أن هناك مؤامرة انقلابية. كانت الأحزاب السياسية أيضًا تُدبّر المؤامرات، وتتنافس على السلطة. كنا نمر بفترة أزمة أقلقتني. لم أعد أملك السلطة التنفيذية للتصرف. لم يكن بوسعي سوى الاستماع وإطلاق الإنذار. ثم حدث ما لا يُصدّق.
أخيراً، سجّلتُ رسالتي للأمة. وصلت الكاميرات، وجُهّز استوديو على عجل في مكتبي. ارتديتُ سترة الجنرال. ولتوفير الوقت، لم أرتدي حتى سروالي. كان خطابي موجزاً وفعّالاً، مدته تسعون ثانية. ما زلتُ أذكره: "إنّ العرش، رمز بقاء الأمة ووحدتها، لا يتسامح بأي شكل من الأشكال مع أفعال أو مواقف من يسعون إلى تعطيل العملية الديمقراطية بالقوة".
بين لحظة مغادرة السيارتين – إحداهما تحمل شريطا فارغا كطُعم في حالة توقفها – وبث إعلاني على التلفزيون، بدا الوقت وكأنه توقف، كما لو كان متجمدًا في مكانه. تم تشغيل المسيرات العسكرية في حلقة متكررة على التلفزيون والراديو. انتظرت، وانتظرت، بفارغ الصبر. […] أخبرني الناس لاحقًا أنهم كانوا يستعدون بالفعل للذهاب إلى المنفى. ذهب بعض النشطاء إلى مكاتب أحزابهم لإحراق الأرشيف.
أرسلت تلكسًا ثانيًا إلى ميلانس ديل بوش في الساعة 1:45 صباحًا. في الساعة 2:30 صباحًا، سألته للمرة الثالثة عن سبب عدم تنفيذ أوامري حتى الآن. كان عنيدًا جدًا. لم تعد الدبابات إلى ثكناتها إلا في الساعة 4:30 صباحًا. يبدو أن بعضها كان يتوقف حتى عند الإشارات الحمراء! ظل تيجيرو محاصرًا في البرلمان، عنيدًا. لم يستسلم إلا حوالي ظهر يوم 24 فبراير، بعد حصار دام ثماني عشرة ساعة.
خطأ فادح
حثّني رئيس البلاط الملكي ورئيس الاتصالات على الاعتذار فور مغادرتي غرفتي في المستشفى. كنت أعلم أنني مضطرٌّ للتكفير عن خطئي. ربما لم أختر الكلمات المناسبة أو الظروف المناسبة. في أوقات الأزمات، يصعب إرضاء الجميع. رأى البعض أن الملك لا ينبغي أن يعتذر. ورأى آخرون أنني لم أفعل ما يكفي. كان عليّ أن أثبت للشعب الإسباني أنني أُدرك خطورة الموقف. هل سأتمكن من إصلاح الرابطة التي جمعتني بهم لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا؟ […] كانت هذه العلاقة خطأً أندم عليه بشدة. قد يبدو تافهًا؛ فقد غُيّب عني الكثير من الرجال والنساء لدرجة أنهم لم يروا ما هو واضح. بالنسبة لي، كان له تأثيرٌ مدمر على حكمي وحياتي العائلية. لقد قوّض الانسجام والاستقرار بين هذين الجانبين الأساسيين من حياتي، مما دفعني في النهاية إلى اتخاذ القرار الصعب بمغادرة إسبانيا. لقد شوّه سمعتي في نظر الشعب الإسباني. في هذه الحملة الشرسة، أثبتتُ أنني فريسة سهلة. لكن هذا الضعف هو ضعف الرجل. لم يتدخل مطلقًا في اهتماماتي كملك لبلاده.
التنازل عن العرش؟
كيف يعرف المرء متى يحين وقت التقاعد والتخلي عن منصب السلطة؟ […] يعود تاريخ التنازل السابق عن العرش الإسباني إلى عام 1555. اعتزل شارل الخامس، أقوى ملوك القرن السادس عشر، في دير يوستي، الواقع في إكستريمادورا. في نهاية حياة مليئة بالنضال، منهكًا من الحروب الداخلية التي عصفت بمملكته الشاسعة، ومنهكًا من المشاكل الصحية، تنازل الإمبراطور عن جميع صلاحياته. تنازل عن العرش لابنه فيليب الثاني وشقيقه فرديناند ليتمكن من إنهاء أيامه في سلام الرهبان. كانت تلك السابقة الوحيدة التي عرفتها البلاد. […] كانت ملكة إنجلترا تقول لي: "الملك لا يتنازل أبدًا". ووفقًا لوالدي، "الملك يموت وهو يرتدي حذائه". لو كان حاضرا معنا اليوم لعارض القرار الذي كنت على وشك اتخاذه. […] انخفضت نسب التأييد في استطلاعات الرأي بشكل حاد منذ حادثي في بوتسوانا عام 2012. يتمتع الملوك بميزة النظرة بعيدة المدى للأحداث، على عكس السياسيين الذين يعتمدون على الانتخابات وتقلبات الرأي العام. كنت أعلم أنني لم أعد أتمتع بدعم شعبي شامل خلال العامين الماضيين. على مدار تسعة وثلاثين عامًا من الحكم، ظلت هذه النسبة مقبولة. منذ عام 2008 تعاني البلاد من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وأزمة أخلاقية أيضًا. خلال هذه الفترة، كنت أصارع نفسي وهذا الجسد الذي خانني. كان من المستحيل أن أظهر أمام الناس بزي عسكري على كرسي متحرك، أو حتى على عكازات، لأستعرض القوات المسلحة.
رسالتي إلى ابني
جلالة الملك، فيليبي العزيز،
بنفس الرغبة في خدمة إسبانيا التي ألهمتني طوال فترة حكمي، وبالنظر إلى التداعيات العامة لبعض الأحداث الماضية في حياتي الخاصة، أود أن أعرب عن استعدادي التام لمساعدتك في أداء واجباتك، بالهدوء والسكينة اللذين تتطلبهما مسؤوليتك السامية. إن ميراثي المعنوي وكرامتي كشخص يتطلبان ذلك.
قبل عام، أبلغتك بنيتي ورغبتي في التوقف عن المشاركة في الأنشطة الرسمية. واليوم، انطلاقًا من قناعتي بواجبي في الاستمرار في خدمة الشعب الإسباني ومؤسساته، وخدمتك وأنت ملك، أبلغك بقراري المدروس بعناية بمغادرة إسبانيا مؤقتًا. إنه قرار أتخذه بجدية، ولكن بهدوء وطمأنينة بالغى. لقد كنت ملكًا لإسبانيا لمدة أربعين عامًا، وطوال تلك السنوات، كنت دائمًا أتمنى الأفضل لإسبانيا وللعرش.
مع إخلاصي ووفائي المعهود. مع مشاعر المحبة والمودة،
مواجهة الموت
عندما يحين أجلي، سيأتي. حينها سيفعلون بي ما يشاؤون. هل سأكون التالي؟ هل هناك أي شيء مُخطط له في جنازتي؟ لا أعلم. […] أعلم أن المقبرة الملكية في الإسكوريال ممتلئة. هناك مساحة لبناء مقبرة أخرى. ماذا ستقرر الحكومة؟ الأمر كله بأيديهم. إنها مسألة ميزانية وإرادة سياسية. في الوقت الحالي، يبدو لي أنه لم يُقرر أو يُرتب شيء.
اليقين الوحيد هو العملية التقليدية لوضع الجثمان في نعش، وهي محنة قاسية! يرقد الجثمان لمدة خمسة وعشرين عامًا في غرفة تُسمى "بودريديرو" (غرفة التعفن)، حيث يتعفن المتوفى حرفيًا. ثم يكسر رهبان دير الإسكوريال عظام الرفات، بحضور رئيس العائلة المالكة. ثم توضع هذه العظام في نوع من الجرة المغلقة، والتي تترك القبو المؤقت ليتم تركيبها في المقبرة الملكية. ليس الأمر جذابًا تمامًا… لكن هكذا هو حال هذا التقليد الذي يعود إلى عهد آل هابسبورغ.
لا أعرف إن كنت سأنجو منه، لكنني لا أهتم به حقًا. لستُ مهووسًا بهذه الاعتبارات. قبل كل شيء، آمل أن أحظى بتقاعد هادئ وأنا على قيد الحياة، وأن أُعيد بناء علاقة منسجمة مع ابني، والأهم من ذلك كله، أن أعود إلى إسبانيا، إلى وطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.