إميضر من صلاح الدين عابر 09 أبريل, 2017 - 05:36:00 منذ ست سنوات وهم هنا، يعتصمون بقمة الجبل. نساء ورجال وشيوخ وأطفال، جاؤوا من مختلف الدواوير المجاورة لجبل "ألبان" ضواحي منطقة "إميضر" الأمازيغية بإقليم مدينة تنغير. حدث ذلك سنة 2011، عندما اعتصموا بالجبل ومن يومها رفضوا النزول منه إلى حين إيجاد حل لقضيتهم حول "الأرض والماء" ونهاية صراعهم مع شركة معادن إميضر، التي تُنقب جوار أراضيهم عن مواد خالصة للفضة وتستغل مياه القرية عبر أنابيب عملاقة تتسلق الجيل مثل ثعابين أسطورية. لم يكن أهل إميضر حسب رواياتهم يعتقدون أن اعتصامهم "البطولي" قد يدوم كل هذا الوقت الطويل أيّ ست سنوات، غير أن التزامهم بالدفاع عن أراضيهم وثروتهم المحلية ما فتئ يزداد كلما دارت عجلة الزمن واستعصى الحل لدى الحكومات المغربية المتعاقبة التي تجاهلت ملفهم المطلبي. يقول رجل خمسيني السن يُدعى "با لحسن" ويستوطن مسكن سقفه من الخشب وجدرانه من الطين في أعلى الجبل، إن مراكز مَبيتهم تحوّلت من خيم بلاستيكية إلى مساكن بُنيت بالطين بسبب الظروف المناخية القاسية التي تشهدها المنطقة. قبل وصولك إلى منطقة إميضر، وبالضبط إلى حيث الاعتصام بقمة جبل "ألبان"، يتراءى لك من الوهلة الأولى، حافلة مدنية مملوءة بعناصر من قوات التدخل السريع وسيارات للقوات المساعدة بدورها اعتصمت جوار أهل المنطقة منذ "انتفاضة 2011". ومع استمرار اعتصام أهل المنطقة، عملت السلطات العمومية على بناء ثكنات شبه عسكرية مصغرة تطل نوافذها مباشرة نحو جبل "ألبان" بُنيت بالأسمنت وزٌرعت بجوارها أشجار خضراء لتغطيتها، كما تمركزت عناصر القوات العمومية وراءها خلسة، يُراقبون الصاعدين والنازلين من جبل "ألبان". لأزيد من ست سنوات، لا زال أهل منطقة إميضر التي يبلغ عدد سكانها بحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2004 حوالي 3936 نسمة يشكلون 507 أسرة، يعتصمون بجبل "ألبان" والذين أسسوا حركة اطلقوا عليها "حركة على درب 96" تيمنا بأهل قبيلتهم الذين انتفضوا ضد "الظلم" عام 1996، تطورت احتجاجاتهم فجأة ولقيت قضيتهم بُعدا دوليا، حيث دأب على زياراتهم عددَ من الوجوه الحقوقية الأجنبية والوطنية، وصعدت إلى معتصمهم منظمات حقوقية عالمية، من أمريكا وفرنسا وإسبانيا وعدد من الدول الأخرى. وكلما طالت مدة الاعتصام، إلا ونشئت معها أساليب جديدة في الاحتجاج، حيث أطلق المعتصمون مهرجان الفيلم للعدالة البيئية ومهرجان ربيع إميضر ، للسنة الثانية على التوالي، لم يعد الاحتجاج يقتصر على التنديد والعويل، فلدى أهل منطقة إميضر أساليب أخرى أطلقوا عليها "أساليب المقاومة" بينها أنشطة رياضية وثقافية وندوات فكرية وورشات في الفن والسينما والرسم. بداية أطول اعتصام بيئي في المغرب في شهر غشت من عام 2011، كانت أنذاك المفاوضات الغير المثمرة مع شركة معادن إميضر، قد وصلت إلى نفق مسدود، تمخض ذلك عن قرار قوي من أهل المنطقة يقضي بقطع صنبور خزان المياه الرئيسي الذي يزود المنجم الواقع أعلى جبل ألبان حيث اليوم يوجد المعتصم. ومنذ ذلك الوقت والسكان يخيمون في اعتصام بالساحة ويتناوبون على ذلك، وتطور الأمر إلى رسم تكتيك واستراتيجيات ميدانية هدفها حماية المعتصم خشية من نسفه من قبل السلطات العمومية. لم يروق السلطات المغربية، الخطوة التصعيدية التي أقدم عليها أهل منطقة إميضر، فتدخلت بالقوة لتفريق المعتصم وأحيانا باللجوء إلى الرصاص المطاطي حيث خلف تدخل أفراد القوات العمومية العشرات من المصابين بينهم رجال ونساء وأطفال، كما خلف العشرات من المعتقلين، غير أن كل ذلك لم يثني أهل القرية على مواصلة اعتصامهم، إذ يقول "موحا محمد" من سكان القرية إن الاعتصام حقق مكتسبات كبيرة في الساحة "ّالاحتجاجية بالمغرب" وأيضا على صعيد قريتنا" ويضيف المتحدث ذاته، إن عملية إغلاق الصنبور خزان المياه نتجت عنه عودة المياه إلى نسبتها العادية في القرية بعدما كانت قد تقلصت بفعل استغلال المياه من طرف شركة المعادن المذكورة. "اعتصام" شبه قاعدة عسكرية يقول المعتصمون في تصريحات متطابقة لموقع "لكم" إن الخوف من نسف الاعتصام من قبل السلطات العمومية، جعلهم يفكرون في تخطيطات شبه عسكرية وتكتيكية لحماية المعتصم وأن ستة سنوات من الصمود في الجبل تعلموا من خلالها الدروس والعبر، إذ بادر المعتصمون ببناء مراكز مراقبة على حافة علو الجبل وجهته مقابلة تماما إلى الشارع الرئيسي أسفل الجبل حيث ترابط القوات العمومية، ويؤكد خالد كريمي أحد المعتصمين أن الغاية من أبراج المراقبة استباق أيّ محاولة لنسف المعتصم عبر تجميع المعتصمين ومواجهة القوات العمومية بطرق سلمية يتخللها الاحتجاج. إيميضر قرية "السيانيد والزئبق" ويتهم سكان منطقة إمضير، شركة المعادن برمي مواد عالية التسمم مثل "السيانيد" و"الزئبق"، ويقول محمد موحا لموقع "لكم" إن هذه المواد تتسرب إلى المياه الجوفية وتلوث المياه التي يشربها أهل القرية، ويستخدم المنجم أيضا مدخنة ينبعث منها غاز يتنفسه السكان باستمرار. وأضاف المتحدث ذاته، أن سكان المنطقة جد متخوفين من أن تسبب هذه النفايات أمراضا تنفسية مزمنة وسرطانات وأمراضا جلدية للسكان قائلا "للأسف لا نملك الإمكانيات للقيام بدراسة حول تأثير المنجم على صحتنا". وتقول الشركة في بلاغات متباينة، أن 40% من عمالها هم من القرى المجاورة، ولكن أهل إميضر يطعنون في هذه النسبة ويوضحون بأنها تشمل المدن البعيدة مثل ورزازات الواقعة على بعد 140 كم. وفيما تقول الشركة إنها أجرت دراسات تشير إلى أن المنجم لا يضر بالبيئة، يرد الناشطون المحليون بأنهم لا علم لهم إطلاقا بهذه الدراسات. 2017.. منجم معادن إمضير ركود وشبه توقف استمرار الاعتصام 6 سنوات أدى إلى تعثر أشغال منجم معادن إميضر، إذ ذكر أحد المستخدمين بالمنجم رفض الكشف عن اسمه لموقع "لكم" أنه منذ أن أغلق المعتصمون خزان المياه حفرت الشركة آبارا في مناطق أخرى لكنها خفّضت استهلاكها من المياه فانخفض إنتاجها بنحو 40%، فيما يؤكد محمد موحا أن جهودهم أفلحت خصوصا أن آبار السكان عادت لتمتلئ من جديد. وكانت الشركة، قد أبرمت اتفاقا مع سكان المنطقة بغاية توقف الاحتجاجات غير أن أهل المنطقة يقولون إن المسؤولين الحكوميين ومسؤولي الشركة تنكروا إلى هذا الاتفاق، ويقضي الاتفاق بأن تلتزم الشركة بخلق مناصب للشغل عبر تشجيع خلق المقاولات الصغرى والمتوسطة ومواكبة مراحل تطورها. وفيما يخص التشغيل المباشر داخل المنجم تلتزم الشركة بتخصيص 30 منصب شغل آني لأبناء الجماعة، وتخصيص 20 % من مناصب الشغل القارة، خلال السنوات المقبلة حسب احتياجات الشركة، شريطة ألاّ يقل العدد عن 20 منصب شغل سنة 2013، وسيتم تشغيل أبناء جماعة إميضر وفق المسطرة المتبعة لتشغيل العمال بشركة معادن إميضر، مع تخصيص الشركات المناولة ل60% من مناصب اليد العاملة غير المؤهلة لشباب الجماعة عند كل عملية تشغيل، منها 20عاملا على الأقل سنة 2012 عند الشركات المناولة". واستجابة لاحتجاجات ساكنة إميضر المقترنة بتدبير الموارد المائية، ورد ضمن الاتفاق بأن ذات الشركة تلتزم بحفر وتجهيز ثقب خاص بالماء الصالح للشرب، وربطه بالخزان الرئيسي للجماعة، إضافة للمساهمة في بناء وترميم الخطارات بالجماعة، على أن لا يقل الانجاز عن 300 متر كل سنة خلال فترة من أربع سنوات، زيادة على القيام بدراسة هيدروجيولوجية لتقييم الموارد المائية بالمنطقة مع تحديد مواقع تعبئتها ودراسة التأثيرات البينية، وأيضا القيام بدراسة مبدئية لسبعة أحواض مائية، دراسة أولية لحوضين سيتم انتقاؤهما ودراسة مفصلة للحوض الذي سيتم انتقاؤه لأجل بناء سد تليّ ستساهم ضمنه الشركة، غير أن أهل منطقة إميضر يؤكدون أن الشركة تحاول التلاعب بهم، وأن الاتفاق المذكور لم يتم تفعليه إلى حدود اليوم من سنة 2017.