الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية كرواتيا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    منتخبون من البام يهدون جمالا للعامل السابق لسيدي إفني بعد انتهاء مهامه على رأس الإقليم (صور)    "الفلاحي كاش" تعزز خدمات تحويل الأموال بشراكة استراتيجية مع "ريا" العالمية    إسرائيل تهاجم ماكرون وتتهمه بشن "حرب صليبية على الدولة اليهودية"    انطلاق النسخة ال 19 لكأس محمد السادس الدولية للكراطي    المغرب يدرس امكانية احتضان سباقات "الفورمولا1" بمشروع تبلغ تكلفته أزيد من مليار دولار    "كان السيدات".. "الكاف" يكشف برنامج مباريات المنتخب المغربي في دور المجموعات    نشرة إنذارية.. زخات رعدية متوقعة بهذه المناطق    محاكمة الناصيري في قضية "إسكوبار الصحراء".. جدل حاد داخل المحكمة بسبب "فيلا كاليفورنيا"    بسبب مسافرين مخمورين.. نزل طائرة متجهة نحو المغرب في البرتغال    بعضها كان في طريقه إلى طنجة.. ضبط سيارات فاخرة مسروقة بميناء الجزيرة الخضراء    حريق يلتهم ورشة تقليدية لصناعة الأواني والكراسي بطنجة البالية    حملة جهوية للتحسيس بمخاطر التبغ والسجائر الإلكترونية    سفراء البيئة والتنمية يبصمون على نجاح لافت للنسخة الثالثة من "مهرجان وزان الوطني للحايك"    نهائي المستبعدين.. إما أن يفكّ باريس لعنته أو يرسّخ إنتر اسمه بين عظماء القارة من جديد    دراسة: تغير المناخ يضيف شهرا من الحر الشديد لنصف سكان الكوكب    موجة الحرارة في المغرب تتجاوز المعدلات الموسمية بأكثر من 15 درجة    الريال يتعاقد مع المدافع الإنجليزي ألكسندر أرنولد حتى صيف 2031    333 مليون درهم لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من فيضانات ورزازات    منتدى حقوقي: منع الجمعيات من التبليغ عن الفساد نكسة دستورية توفر للفاسدين مزيدا من الحماية    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الذهب يتكبد خسائر أسبوعية بنسبة 1.6 بالمئة مع صعود الدولار    المغرب ينافس البرازيل والمكسيك وإسبانيا في مونديال الشباب    بطولة إيطاليا.. ماسيميليانو أليغري مدربا جديدا لميلان    النفط يتراجع مدفوعا بقلق متزايد حيال الرسوم الجمركية الأمريكية    كلفت 12 مليار سنتيم.. مطالب بالتحقيق في صفقات محطة مراكش الطرقية المغلقة    محكمة أمريكية تقرر الإبقاء على الرسوم الجمركية المفروضة من طرف ترامب    السعودية تحذر إيران: إما التوصل إلى اتفاق نووي مع ترامب أو المخاطرة بضربة إسرائيلية    فيديوهات تقترب من الحقيقة .. تقنية "Veo-3" تثير قلق الخبراء بالمغرب    نتانياهو يخضع لفحص تنظير القولون    الأمم المتحدة تلغي آلاف الوظائف    مكافحة الغش في الامتحانات.. النيابة العامة بأكادير تضع 8 أشخاص تحت تدابير الحراسة النظرية    المجموعة النيابية "للبيجيدي" تطالب بمناقشة منح شهادات مزورة لمهندسين بوجدة    "أنت مرآتي".. شاك تيسيث إنو : إقامة فنية بين الحسيمة وبروكسل تعكس تعددية الهويات    طنجة.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان الضفاف الثلاث    تكريم القاضي محمد رضوان بتطوان بعد انتخابه رئيسًا للمجموعة الإفريقية للقضاة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    المغرب يشارك بلندن في الاحتفال بيوم إفريقيا    على هامش افتتاح معرض "العمران إكسبو".. أزيد 51 ألف شخص استفادوا من دعم السكن من أصل 136 ألف طلب (فيديو)    السعودية تعتزم طرح إدارة الملاعب الكبرى للقطاع الخاص    أجواء حارة في توقعات طقس الجمعة    شنغهاي: معرض الصين الدولي ي حدد اتجاهات جديدة في السياحة العالمية    السميرس: الحوامض فَقَدَ 40 ألف هكتار.. والوسطاء يُضرّون بالمنتِج والمستهلك    تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسؤوليته عن "أول هجوم" يستهدف القوات الحكومية السورية الجديدة منذ سقوط الأسد    الملك يعزي أسرة الفنانة نعيمة بوحمالة    الولايات المتحدة تلغي عقدا ب590 مليون دولار مع موديرنا لتطوير لقاح ضد إنفلونزا الطيور    ما لم يُذبح بعد    كابوس إسهال المسافرين .. الأسباب وسبل الوقاية    الإعلان عن تنظيم الدورة التاسعة للجائزة الوطنية لأمهر الصناع برسم سنة 2025    سؤال الأنوار وعوائق التنوير في العالم العربي الإسلامي    جائزة الملك فيصل تدشن في إسبانيا كتاب رياض الشعراء في قصور الحمراء    ضمنها تعزيز المناعة.. هذه فوائد شرب الماء من الأواني الفخارية    من تهافت الفلاسفة إلى "تهافت اللحامة"    بن كيران وسكر "ستيڤيا"    حمضي يعطي إرشادات ذهبية تقي من موجات الحرارة    موريتانيا تكشف حقيقة سقوط طائرة الحجاج    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعوب والحكام أو سؤال البيضة أم الدجاجة.
نشر في لكم يوم 25 - 09 - 2011

أقبل الربيع العربي وما تمخض عنه من ثورات، فأطاح بعروش عتيدة عنيدة، وأدخل ثانية في مرحلة الاحتضار، وثالثة سارية على درب من سبقها هي اليوم مخيرة بين الاستجابة لمطالب الإصلاح قبل الطوفان، ورابعة سيغدو سقوطها تحصيل حاصل من باب "نُصرت بالرعب" .
أقبل الربيع العربي بثوراته فأعاد إلى الواجهة السؤال البزنطي القديم: أيهما أسبق إلى الوجود، البيضة أم الدجاجة؟ وبعيدا عن الجدل الفلسفي نطرح السؤال: من الذي يستمد الشرعية من الآخر، الحكام أم الشعوب؟ وأيهما أفرز الثاني؟ الجواب واضح مفاده أن الحكام بداية ونهاية مواطنون، وعليه فشرعيتهم مستمدة من اعتراف الشعوب بهم والرضا بهم، ومن رُفِض من الحكام من طرف شعبه فعليه أن يسارع لجمع حقيبته ويغادر سُدّة الحكم من غير مطرود -كما يقول إخواننا المصريون- ملتمسا الصفح من الشعب عن أي تقصير أو سوء تدبير بقصد أو غير قصد، فيعظُم في عين الشعب ويستحق صفة "الوطني" لتقديمه المصلحة العامة للعباد والبلاد على مصالحه ومآربه الشخصية أو العائلية أو القبلية.
لكن الذي حدث ويحدث في الحالة العربية أن الحكام يعتقدون أنفسهم هم الدجاجة والشعوب بيضُها، تولتهم حضنا وتدفئة وفَقْساً، ورعتهم كتاكيت وفراخا فوفرت لهم الأمن والتغذية، حتى إذا اكتمل بنيان أجسامها واكتسبوا بفضل تربيتها الدجاجة/الحكام القدرة على الصياح تنادوا إلى الساحات والشوارع مطالبين بوقاحة رحيل الدجاجة. أليست هذه قمة العقوق والنذالة؟ أهكذا يجازى الحكام على عقود من التضحية ونكران الذات؟!
انطلاقا من هذا المنطق يرفض الحكام التنحي عن كراس ورثوها كما ورثوا الشعوب/البيض، وتعلن السخط عليها وتتوعد بالويل والثبور من ينازعها الشرعية؛ فمن لا يحب -وليس لا يقبل- الحاكم لا يستحق أن يعيش كما قال "عميد حكام العرب" معمر القذافي، وليذهب الشعب كله إلى الجحيم متى خرج عن الحاكم وشكك في نواياه أو شكل تدبيره، ولن يتردد الحاكم في إعطاء الأوامر لأجهزة أمنية حُرِص على تطويرها وتزويدها بأحدث وسائل القمع وبُرمجت وعُبِّئت للنيل من كرامة المواطن العربي واستباحة عرضه لا تميز في ذلك -وهذا هو التجلي الحقيقي للمساواة وتكافؤ الفرص- بين شاب وشيخ أو فتى وفتاة، بل إن بطش النظام السوري طال الحمير.
نزوع غريب للحكام العرب في قهر شعوبهم مستمد من خصائص شخصية الحاكم الطاغية التي تجليها شخصية فرعون، كما صورها بدقة متناهية القرآن الكريم الذي "احتفل" لحكمة ربانية بهذا النموذج المستبد من الحكام، وتكرر ذكره أربعاً وسبعين 74 مرة منتشرة في سوره من سورتي البقرة إلى الفجر، فحددت الخصائص النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية لشخص فرعون، باعتباره "نموذجا" لحاكم متسلط طاغية سام شعبه سوء العذاب، وأذاقهم صنوف المهانة والإذلال. وهذا دأب كل حاكم طاغ، جمع بين سلطة الحكم وجاه السلطان وجاذبية الثروة، فاختزل الشعب في ذاته، فلا يرى مبررا لحياة من يعارضه أو تسول له نفسه أن يرى الحاكم بغير عين الرضا والتبريك، أو يعتقد أن شمس يوم ستغرب في غياب الحاكم.
قواسم مشتركة بين حكام الأنظمة الشمولية، عنوانها الأبرز نزعة فرعونية جوهرها ادعاء الألوهية: ﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إلهي غيري﴾ (القصص:38)، ومفرداتها تنوع أشكال التنكيل بالشعوب الرافضة للاستبداد التواقة لنسائم الحرية والكرامة. فالحاكم هِبة السماء لشعبه، جادت به وساقت على يديه النعم، ففي عهده عم الرخاء وتوفر الأمن والاستقرار. والحاكم مقدس شخصه خالد بدنه -حسب الاعتقاد الفرعوني- لا يطاله التحلل والفناء، أبدع دهاقنة النظام الفرعوني -مثلما يبدع حُراس الاستبداد المعاصر- في تغليط الشعب بتحنيط أبدان من هلك من الفراعنة/الآلهة. والحاكم مُلْهَم تفكيرُهُ مبرمج على الحكمة والسداد، إذ لا سبيل للباطل إليه، خطابه حكم ودرر نفيسة يتنافس "أولو الألباب" من البطانة لاستخراج نفائسها، فيقرأون ما بين السطور تصريحاً بما تم التلميح إليه، وتفصيلاً بما لا يليق بمن أوتي الفصاحة وفصل الخطاب أن يتواضع لتفصيله. حاكم سكوته رحمة، وكلامه حكمة، وغيبته حضور، لا يستوعبه فضاء، تنزه أستغفر الله عن النقائص والعيوب.
لذلك لن نستغرب سلوك الحكام العرب عندما نقف على التشخيص القرآني لشخصية فرعون المستبدة والمستعلية: استخفاف بالشعوب واحتقار لذكائها واستهزاء بمواقفها؛ ألم يستهزئ نجل الرئيس المصري المخلوع ومشروع الرئيس الخاسر جمال مبارك من صحفي سأله عن إمكانية فتح حوار مع شباب الفايسبوك في بداية الثورة؟ ألم يصف الزعيم الليبي الطالب نجاة نفسه الشعب الليبي الثائر بالجرذان والتعاطي لحبوب الهلوسة؟ ألم يصف الملك الراحل الحسن الثاني فئات شعبية تطالب بالخبز بالأوباش؟ ألا يتهم النظام السوري شعبه البطل بالخيانة والعمالة للخارج ليستبيح منه الأرواح والأعراض؟
عرض القرآن الكريم خصائص الشخصية الفرعونية موعظة لمن ابتلوا بالحكم وتنبيها وتثبيتا لمن ابتلوا من الشعوب بأحفاد الفراعنة. عرض القرآن الكريم السلوك الفرعوني واختصره في العُلو والاستبداد: ﴿ وإن فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين﴾ (يونس:83)؛ ﴿ إن فرعون وهامان علا في الأرض وجعل أهلها شيعا﴾ (القصص:3)، تجبر وطغيان تطور إلى ادعاء امتلاك الحقيقة وإعلان الوصاية والحِجْر على العقول: ﴿ قال فرعونُ ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد﴾ (غافر:29)، مثلما عرض القرآن الكريم مآلات التدبير الفرعوني، فنظام حكم انبنى على القهر والاستبداد ومصادرة الحقوق له مآل واحد ووحيد هو البوار والإفلاس: ﴿ إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين﴾ (القصص:7)؛ ﴿ وما كيد فرعون إلا في تباب﴾ (غافر:37)؛ ﴿ وما أمر فرعون برشيد﴾ (هود:97)، لذلك لا مفر لمثل هذا النظام من الطوفان يُغرق أركانه ويخلص المستضعفين من نَير بطشه: ﴿ وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون﴾ (الأعراف:137)؛ ﴿ وأغرقنا آل فرعون وكلّ كانوا ظالمين﴾ (الأنفال:55)
هل بعد هذا البيان بيان، تشريح للشخصية الفرعونية وتدقيق في السلوك والقرارات وتوضيح للمآلات دنيا وآخرة وبشرى للمستضعفين بالنصر والتمكين، بما قاوموا وناهضوا الفساد وصبروا على البطش والتنكيل للآلة القمعية كما تجليها بطولة الشعب السوري واستماتته لاستعادته حريته وكرامته. فيا حكامُ اتعظوا وبادروا لمصالحة شعوبكم، فليل الاستبداد وظلام الطغيان إلى زوال وصبح العزة والكرامة بزغ فجره: ﴿ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟﴾ (هود:80)
والحمد لله رب العالمين قاهر الجبارين وناصر المستضعفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.