أمين احرشيون تمثل الجالية المغربية بالخارج "المغرب الآخر" الذي ينبض خارج الحدود؛ فهي ليست مجرد أرقام ديموغرافية، بل هي قوة فكرية تمتد عبر القارات. ومع تحول الهجرة إلى استقرار وكفاءات، برزت تساؤلات حارقة حول مدى أمانة "الفكر الجمعوي" في تمثيل الهوية المغربية بكل روافدها، وصون نموذج التعايش الذي تفرّد به المغرب تاريخياً. الاستثناء المغربي: هويّة جامعة لا تقبل التجزيء إن ما يميز "تمغربيت" هو كونها هوية عابرة للأديان؛ فهي ملتقى للروافد العربية الإسلامية، الأمازيغية، العبرية، والمتوسطية. هذا المزيج الفريد جعل من المغربي نموذجاً كونياً للتعايش، حيث يظل الولاء للمملكة وللعرش العلوي هو الرابط المقدّس الذي يجمع المسلم واليهودي والمسيحي المغربي في خندق وطني واحد، بعيداً عن أي اصطفافات طائفية. الاغتراب الفكري: عندما يبتعد "الجمعوي" عن واقع الوطن تتجلى إشكالية الحقل الجمعوي بالخارج في "انفصاله" عن الوجدان الشعبي داخل المغرب. فبينما يعتز المغاربة في الداخل بتاريخهم العبري وبكنائسهم كجزء من ذاكرة الأرض، اختزل الفاعل الجمعوي في المهجر "المغربية" في أبعاد ضيقة. هذا القصور أدى إلى خلق "هوية مبتورة" في دول الاستقبال، لا تستوعب المغربي اليهودي أو المسيحي، رغم انتمائهم الراسخ وتشبثهم بتقاليد وطنهم الأم. وصاية الأجندات: هل ضاع "الوطن" في حسابات "الأمة"؟ أمام التغييب الممنهج لمكونات الهوية، يبرز السؤال الجوهري: هل يمتلك العمل الجمعوي بالخارج سيادة قراره؟ يبدو أن ارتهان البعض لتيارات إيديولوجية عابرة للحدود جعلهم يقدمون مفهوم "الأمة" الإقصائي على مفهوم "الوطنية" الحضاري. هذه التبعية الفكرية أنتجت سياسة ممنهجة لتهميش الرافد العبري والمسيحي المغربي، ليس لضعف في الانتماء، بل لضيق في أفق الفاعل الجمعوي الذي صار يطبق أجندات خارجية لا تؤمن بالتعددية التي تأسست عليها المملكة. تحرير "تمغربيت": نحو ممارسة جمعوية وطنية شاملة إن إنقاذ العمل الجمعوي يتطلب ثورة فكرية تعيد الاعتبار لكل مغاربة العالم. إن الحفاظ على الهوية يتطلب: دمج الروافد: الاحتفاء بالتقاليد العبرية والمسيحية المغربية كواجب وطني لا مجرد خيار ثقافي. السيادة الثقافية: فك الارتباط بالتمويلات أو الولاءات التي تفرض رؤية أحادية للهوية. الولاء للوطن أولاً: ترسيخ فكرة أن "المغربية" هي المظلة التي تحمي الجميع تحت قيادة أمير المؤمنين، حامي حمى الملة والدين بكافة مشاربهم. إن قوة الجالية تكمن في تنوعها لا في انحباسها داخل نمط واحد. لقد آن الأوان ليتصالح العمل الجمعوي بالخارج مع حقيقة المغرب "المتعدد"، ويتحرر من قيود الإملاءات الإيديولوجية، ليكون مرآة صادقة لوطن عظيم، لا يفرق بين أبنائه إلا بمقدار إخلاصهم لثوابت الأمة والعرش.