على مدى 110 دقيقة،تحاول الشخصية المركزية في الشريط التركي "10 إلى 11" للمخرجة بيلين إسمير،في رحلة شاقة ومتعبة أن يحافظ على الذاكرة،خاصة ذاكرة مدينة إسطنبول ضد رجات ومغريات تزحف من كل صوب وحدب. يعيش "مدحت بيه" لوحده في شقة،عبارة عن متحف بالكاد يستطيع التحرك فيه،كل ركن في البيت،الذي يقطنه مدحت بعدما تركته الزوجة والخلان بسبب عشقه لجمع التحف من مجلات وكتب وموسوعات وأشياء أخرى نفيسة،تؤرخ في مجملها لمدينته إسطنبول. عملت كاميرا مخرجة "10 إلى 11" ،الذي يشارك في إطار المسابقة الرسمية للشريط الطويل للدورة ال`16 لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط،على رصد هذه الشخصية في بحثها وإصرارها السيزيفي على العثور على الجزء الحادي عشر من "موسوعة إسطنبول". ويجره البحث عن هذا الجزء من الموسوعة إلى الدخول في مواجهة مع شخصيات نقيضة تماما لمبادئه (صاحب العمارة التي يقطن فيها والذي يسعى إلى هدمها وبناء أخرى عصرية محلها .. وتاجر التحف وحارس العمارة وعمادة المدينة..) مما يطرح سؤال الصراع الأبدي بين قيم الخير والفكر والجمال وقيم الاستهلاك والمادة. جنبا إلى جنب،تتطور قصة مدحت وعلي حارس العمارة،إذ بالرغم من اختلاف رؤيتهما للعالم فإنهما سيجدان نفسيهما حليفين في معركة ضد جيرانهما قصد الحفاظ على الشقة وما تحتويه من كنوز تراثية وبالتالي على اختيارتهما الحياتية. واستطاعت بيلين إسمير،المخرجة الشابة التي يدرج النقاد أعمالها السينمائية ضمن الموجة الجديدة في السينما التركية،أن ترافق بكاميرا ذكية هذا التطور في القصة،من خلال التركيز على جزئيات تبدو للوهلة الأولى أنها لا تستحق ذلك. ووضعت إسمير تقنياتها الإخراجية في خدمة رؤيتها من خلال تقنية عالية لم تخذل المشاهد على مدى أزيد من ساعة ونصف،إذ أبرزت تحركات الشخصية المحورية داخل الشقة،التي ليست إلا نتاجا لميولاته المعبرة عن اختياراته (الاستماع للأغاني القديمة،وتسجيل الذكريات على آلة الديكتافون،وضبط الوقت،ومقاومته لمرض الربو الذي سببه له غبار الكتب والجرائد،ورفضه حضور اجتماعات سكان العمارة كمبدأ علاقاته المحدودة). وقبل أن تصل القصة إلى ذروتها،تعرج بيلين إسمير على قصص فرعية،خاصة حكاية حارس العمارة،الذي تلاحقه الكاميرا .. شاب يبحث عن ذاته في مجتمع يتطور بسرعة مهولة،إلا أنه يتضامن ضمنيا مع مدحت من خلال حصوله،ولو بطريقة غير مشروعة،على النسخة ال11 من موسوعة اسطنبول. وخلال ندوة صحفية نظمت صباح اليوم،قالت إسمير إنها استوحت هذا الفيلم المطول عن فيلم وثائقي قصير بعنوان "جامع التحف" أنجزته عن عمها وشكل "بوابة للتقرب منه والتعرف أكثر عليه وعلى عالمه الغريب والجميل في آن"،مضيفة أنها أخذت مسافة كي تنضج فنيا وتنمو تجربتها قبل أن تحول الوثائقي القصير إلى وثائقي أطول حاز،إلى جانب فيلها الوثائقي الآخر "العرض"،على عدة جوائز. يشار إلى أن "10 إلى 11" (2009) هو الشريط الروائي الأول لبيلين إسمير (من مواليد مدينة اسطنبول التركية سنة 1972)،ونال جائزة لجنة التحكيم بمهرجان اسطنبول في نسخة 2009.