منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 و هو يسعى جهد الإمكان لتغيير المنهج الذي سارت على دربه السلطات الفرنسية في التعليم المغربي آنذاك ، و محاولة إصلاح المنظومة التربوية ، و ذلك بالبحث عن السبل الناجعة للمضي قدما بالتعليم المغربي و الكشف عن استراتيجية جديدة تسعى وراء التغييرالناجع في كافة المستويات ، إذ كانت معظم المواد المدرسة غداة الحماية الفرنسية للمغرب تدرس باللغة الفرنسية نظرا للسيطرة التي فرظتها فرنسا على المغرب،لاعتبارها أول لغة أجنبية للمغرب و لأنها لغة المستعمر الذي سخر كل طاقاته لاستغلال المغرب فلاحيا و تجاريا و صناعيا . هذا و قد نسي المغاربة المتعلمون في المدارس لغتهم الأم التي ستكون -لا محالة -اللغة الأمازيغية أو العامية المغربية ، و خير دليل على هذا الاستلاب الفكري هو ما يقع حاليا بالإدارات و المؤسسات العمومية التي نجد أن بعض -و لن أقول الكل- العاملين بهذه القطاعات يفضلون التواصل باللغة الفرنسية بدل اللغة التي رضعوها من أثداء أمهاتهم، و التي تعد في الوقت نفسه _ الأمازيغية و العامية _ هما لسان السواد الأعظم من المغاربة المنحذرين بطبيعة الحال من الرياف و القرى المجاورة للمدن العتيقة الممتزجة بلغات و ثقافات اخرى متباينة. لهذا نجد مثلا مواطني المدن الشمالية يوظفون في تواصلهم مع بعضهم البعض مفردات اسبانيا للتعبير عن حاجياتهم و اغراضهم اليومية دون و عي البعض منهم بأن تلك المفاهيم غير محلية و تتداول كثيرا فيما بينهم لاسيما الشباب مما يعني أن اللغة الاسبانية امتزجت بلغتهم و حتى ثقافتهم مستوحاة في بعض مظاهرها من الاسبان. فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الاستعمار الفرنسي و الاسباني للمغرب في القرن الماضي قد ترك آثارا واضحة في نفوس المغاربة منها ما هو ايجابي و منها ما سلبي ، الأثر الايجابي في الغزو الفرنسي للمغرب هو الاستراتيجيات التي وضعتها فرنسا لخدمة المغرب فيما يخص البنيات التحتية من طرق معبدة و بناء مدارس في المدن و القرى و تزويد المواطنين بوسائل نقل قصد تنقلهم بيسر من منطقة لأخرى ، حيث إن التنقل في ذاك الوقت كان عسيرا إن لم نقل مستحيلا لاسيما بين المدن و القرى المحيطة بها ، إذ كانت الدواب هي الوسيلة الوحيدة المعتمد عليها للوصول الى المدن بغية قضاء الحاجيات الخاصة و العودة في وقت متأخرمن الليللمسقط الرأس . لهذا يمكن القول إن للسلطات الفرنسية الفضل الكبير في تسهيل عملية التنقل و شد الرحال إلى الأماكن الوعرة التي يصعب الوصول إليها ، لكن تجدر الإشارة إلى أن السلطات الفرنسيةلم تقم بهذه الخدمة حبا في سواد عيون المغاربة أو رأفة منها حيال المغاربة ، بل كانت الغاية الأسمى وراء كل هذا هي تسهيل مأمورية غزو المناطق المغمورة التي لم يصلها حر الاستعمار، لهذا عملوا بعد جهد جهيد على غزو هذه المناطق و فرض سيطرتهم عليها حتى يتأت لهم زرع الايديولوجيا التي يدسونها في كل منطقة استوطنوها. أما سلبيات هذا الاستعمار- الذي طبع ذاكرة المغاربة الوطنيين و أقصد هنا الوطنيين الذين سخروا كل ما يملكون للفوز بصفة الوطنية الحقة ، و ضحوا بالغالي و النفيس من أجل تنفس المغرب لنسيم الحرية - تتمثل في غزو أذهان المغاربة و زرع فكر غربي مغايرلما ألفه المغاربة في مجتمعهم الإسلامي . لهذا كثيرا ما نشاهد مظاهر هذا الغزو خصوصا الغزو اللغوي الذي خربق أوراق المواطنين المغاربة، حيث إن من يتكلم الفرنسية مثلا أو الاسبانية يملك صفة المثقف و النابغة لاعتباره يختلف عن بقية المتحدثين باللغة المحلية ،و لاعتبارها أيضا –الفرنسية و الاسبانية- لغة الأنتلجنسية الواعية و لغة الشعوب المتقدمة في ميدانالتكنولوجيا و الصناعة... . هذا و قد ذاعت فكرة مشهورة في صفوف المغاربة القائلة إن الأمي ليس هو من يجهل القراءة و الكتابة ، بل إن الأمي هو من لا يتقن التواصل بأكثر من لغتين أجنبيتين. بالتالي فاللغة الفرنسية ، شأنها في هذا شأن باقي اللغات المتطورة، هي لغة الازدهار و النمو و التطور في كل القطاعات،كما أنها لغة الفكر الغربي المتنور و لغة الشعوب المواكبة للعصر و التابعةلثقافة الانفتاح على الآخرين،لأننا نرى في أوروبا الغد المشرق للمغاربة و مصدر العلم و المعرفة و فضاء المعاهد و الكليات و ملجأ الزوار الأغنياء لقضاء عطلتهم ثم منبع اللبيرالية التي يتعطش الغيورون لتحقيقها بالمغرب .