احتضنت المكتبة الوسائطية بمدينة مراكش، أمس السبت، ضمن فعاليات "أيام الكتاب" المنظمة من قبل الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة، لقاء فكريا بمداخلة لعبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي قدّم مداخلة محورية استعرض فيها ملامح من مشروعه الفكري، مركّزًا على مقومات الهوية المغربية ونموذج التدين المحلي من خلال مؤلفاته الصادرة حديثًا. وشكّل اللقاء مناسبة لعرض وتوقيع مجموعة من مؤلفات عبد الله بوصوف، التي تعالج قضايا تتقاطع فيها الأبعاد الدينية والتاريخية والسياسية والاجتماعية، بحضور باحثين وطلبة وفاعلين ثقافيين. وتوّجت الأكاديمية ضيف الموعد بتكريم رمزي، تمثل في منحه "جائزة المحور للتميز الثقافي"، تقديرًا لإسهاماته الفكرية في الحقلين الثقافي والديني. وخلال الجلسة قُدّمت مؤلفات متعددة للمفكر عبد الله بوصوف، من أبرزها "إمارة المؤمنين.. المرجعية الروحية لوسطية الإسلام"، وهو إصدار يعرض فيه بوصوف ملامح النموذج المغربي في تدبير العلاقة بين الدين والسياسة، ويركّز على مؤسسة إمارة المؤمنين كركيزة ضامنة للوحدة الدينية والشرعية السياسية، انطلاقًا من ثلاثية العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني. كما قدم بوصوف إصداره "تمغربيت"، ويعالج فيه مفهوم الهوية المغربية كصيغة ثقافية وتاريخية تقوم على التعدد والتعايش، مبرزا قدرة المغرب على خلق وحدة مجتمعية من رحم الاختلاف والتنوع، زيادة على كتاب "جوانب من تاريخ إمارة النكور"، ويقدم من خلاله قراءة في واحدة من أقدم التجارب الإسلامية بشمال المغرب، ويرصد نشأة وتطور هذه الإمارة في سياق سياسي وديني متشابك، يُبرز الطابع المحلي للحكم في منطقة الريف خلال القرن الثامن الميلادي. وتواجد بوصوف بمراكش، أيضا، بمؤلفه "الصحراء المغربية.. من يملك الحق يملك القوة"، ويتناول فيه قضية الصحراء المغربية من زوايا تاريخية وقانونية وسياسية، مؤكدا مشروعية الموقف المغربي استنادًا إلى البيعة والوثائق التاريخية، وربطًا بين قوة الحجة وقوة التأثير على المستوى الدولي. وفي مداخلته، أبرز بوصوف أن الهوية المغربية ليست كيانًا جامدًا، بل بنية حية ومركبة، صاغتها روافد أمازيغية، عربية، أندلسية، إفريقية وصحراوية، داخل إطار الدولة الوطنية. وأوضح أن هذه الهوية تتأسس على قيم التعدد والتسامح والانتماء للأرض، وعلى مركزية الولاء للعرش بوصفه الضامن للوحدة والسيادة. ودعا بوصوف إلى قراءة جديدة للتاريخ المغربي من زاوية مؤنثة، تُنصف أدوار النساء في بناء الوعي الجماعي، سواء كعالمات أو مجاهدات أو فاعلات في مجالات الفكر والثقافة والمقاومة. وهي دعوة تسعى إلى تجاوز النظرة الاختزالية لدور المرأة، واستحضار إسهامها الحيوي في المسار الحضاري الوطني. واعتبر بوصوف أن نموذج التدين المغربي يشكّل تجربة متفردة على الصعيدين الإقليمي والدولي لقيامه على أسس علمية وروحية متينة، وتَمثّله لقيم الاعتدال والانفتاح، في انسجام مع مرجعية إمارة المؤمنين، التي تضمن وحدة المذهب وتماسك المجتمع. وقد مكّن هذا النموذج، في نظره، المغرب من لعب أدوار رائدة في نشر ثقافة الحوار والسلم والتسامح. وفي ختام مداخلته، أكد بوصوف أن الثقافة ليست ترفًا ولا هامشًا، بل رافعة أساسية لبناء الإنسان والمجتمع، وأن القراءة هي المدخل الأنجع لتحصين الأفراد من الجهل والانغلاق، وصناعة مواطن فاعل ومتشبّع بقيم الانتماء والانفتاح. وأضاف أن الهوية المغربية، بما تحمله من عمق وتعدد، قادرة على تجديد ذاتها دون أن تفقد جذورها. وقد خُتمت فعاليات هذا اليوم الثقافي بتكريم بوصوف، الذي تسلّم "جائزة المحور للتميز الثقافي" من طرف الأكاديمية الدولية للتكوين والمواكبة، في لحظة احتفاء بمسار فكري غني، أسهم في تعميق النقاش حول إشكالات الهوية، ونموذج التدين، والتحديات الثقافية الراهنة في المغرب.