رمزية بدون شرعية: تجاوز الرمز وخيانة المعنى في مبادرات الشباب المغاربة بإسرائيل    "الفيفا" يكشف عن قائمة الوداد الرياضي في كأس العالم للأندية    ترقية استثنائية لشرطي ضحى بجسده أثناء مطاردة أمنية بالدار البيضاء    ارتفاع أسعار النفط العالمية بأكثر من 12 في المائة على خلفية العدوان الإسرائيلي على إيران    إيران تعبتر الهجوم الإٍسرائيلي 'إعلان حرب' ولائحة بصور وأسماء أبرز القادة والعلماء الإيرانيين الذين استهدفهم القصف    الصادرات المغربية إلى الصين تسجّل نموًا لافتًا.. وآفاق واعدة بفضل الإعفاء الجمركي الشامل    طيران الإمارات تعلق رحلاتها إلى إيران و3 دول بسبب التصعيد الإقليمي    توزيع 500 سلة غذائية على العائلات الأكثر احتياجا في قطاع غزة بمبادرة من وكالة بيت مال القدس الشريف    الرباط.. التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون المغربي-الفرنسي، لاسيما في المجال البرلماني    مغرب الحضارة : إفريقيا اليوم لم تعد تنفع معها خطط الإرشاء والتحريف … ولم يعد يليق بها جلباب الاستعمار … !!!    الأخوان عبد الله وزكريا الوزان يلتحقان بنادي ريال مدريد    غوارديولا: "آسف ولكن لن أقول إن يامال مثل ميسي"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    حسنية أكادير يتعاقد رسميا مع أمير عبدو مدربا جديدا للفريق    يونايتد يكمل إجراءات انتقال ماتيوس    سياسة السدود، رافعة استراتيجية لتعزيز المرونة المائية والعدالة المجالية (بركة)    حركة تعيينات جديدة تعيد رسم خارطة المسؤوليات القضائية    هل تم إضعاف مكافحة الفساد؟    إسرائيل تعلن تنفيذ ضربة استباقية ضد إيران وتحذر من رد وشيك    جيش الأردن يعترض صواريخ ومسيّرات    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    توقيف سائق متورط في سرقة موثقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي    المجلس الوطني لحقوق الإنسان.. الرباط تحتضن استشارة وطنية مع الأطفال تتوج مسارا امتد لعام كامل    منحة الحج: عندما يتحول المال العام إلى ريع ديني مغلف بالخدمة الاجتماعية!    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    ضربة إسرائيل ترفع أسعار النفط    أنباء عن اغتيال القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي وعلماء كبار في البرنامج النووي    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصادق على لائحة جديدة من التعيينات في مناصب المسؤولية القضائية    ميلاد الندوة الدولية -الدورة الأولى- مغاربة العالم وقضايا الوطن    إسرائيل تقصف مواقع حساسة داخل إيران وطهران تتوعد بردّ قوي    المجموعات الغنائية بحلة أركسترالية بالبيضاء.. 50 عازفا موسيقيا لأول مرة بالهواء الطلق ضمن "أرواح غيوانية"        مخرجات "اجتماع مكافحة الفساد في القطاع المالي" تقصد قطاع التأمينات    الوداد يكتسح فريقا كنديا بسباعية    توقيع اتفاقيتين لتمويل مشروعين لتوسعة وإعادة تأهيل المعهدين المتخصصين في فنون الصناعة التقليدية بالرباط وفاس    بوريطة يتباحث بالرباط مع رئيس مجموعة الصداقة فرنسا-المغرب بمجلس الشيوخ الفرنسي    شهادات مرضى وأسرهم..        الحكومة تصادق على مرسوم لتحسين وضعية المهندسين بوزارة العدل    عجز الميزانية ناهز 23 مليار درهم خلال 5 أشهر    تقرير: الدار البيضاء ضمن قائمة 40 أفضل وجهة للمواهب التكنولوجية العالمية    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    "لبؤات الأطلس" يثبتن بتصنيف "الفيفا"    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    تحطم طائرة في الهند على متنها 242 شخصا    "350 فنانا و54 حفلة في الدورة السادسة والعشرين لمهرجان كناوة الصويرة"    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب            تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    









التوفيق يحاضر أمام الملك عن الأبعاد التعاقدية للبيعة
نشر في محمدية بريس يوم 05 - 08 - 2011

ترأس الملك محمد السادس, مرفوقا بالأميرين مولاي رشيد و مولاي إسماعيل اليوم الخميس بقصر الرياض بالرباط, افتتاح الدروس الحسنية الرمضانية.. وقد ألقى الدرس الافتتاحي بين يديه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق وتناول فيه بالدرس والتحليل موضوع :"الأبعاد التعاقدية للبيعة في تاريخ المغرب ", انطلاقا من قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
وأبرز التوفيق في مستهل هذا الدرس أن هذه الآية "تؤسس لعلاقة الحاكمين بالمحكومين وتؤسس للحكم وتؤسس للاختلاف الذي قد تفضي إليه الممارسة وتؤسس لآلية تجاوز الاختلاف"، وقال: "إنها تؤسس لعلاقة تعاقدية ثلاثية الأطراف طرفها الأول مصدر التشريع , الله ورسوله وطرفها الثاني المحكومون الذين لهم مصالحهم في إجراء الأحكام والطرف الثالث هم الحكام بمختلف صفاتهم".
وبعد أن أشار إلى أن هذا الصنف من التعاقد بدأ بالبيعة لرسول الله، واستعرض مختلف أصناف البيعات في عهد النبوة, أبرز أنه يستنبط من البناء النظري لقضية الإمامة عند أهل السنة أن الحكم في الإسلام ليست له طبيعة ثيوقراطية, بل هو أقرب في التصريف العملي إلى الحكم الديمقراطي, حيث إن الجماعة هي التي تبايع الخليفة, وهو نائب عنها وتظل وراءه لنصحه وتذكيره وحمله على أداء الواجب, وتقويمه, بل وعزله إن ارتكب ما يوجب ذلك.. وأشار, في السياق ذاته, إلى أن الشورى نزل بها القرآن ومارسها النبي والخلفاء الراشدون, وهي بالنسبة للمؤمنين واجب, وليست مجرد توصية أخلاقية".
وتولي الحكم , يقول التوفيق, يتم بإحدى الطريقتين أحدهما البيعة التي يقدمها الخاصة وهم أصحاب الحنكة والنظر في السياسة, وثانيهما ولاية العهد التي بدأت مع الأمويين, على أن المتولي لا يقبل إلا بعد تحصيل البيعة.. كما تحدث الوزير المحاضر عن الحكم في المغرب الإسلامي, فأبرز أنه قام على البيعة منذ الأدارسة, ومنذ اليوم الأول انبنى استحقاق المشروعية على أمرين أولهما البعد الروحي المتمثل في النسب الشريف وغيره من الشروط المقررة, والبعد الثاني المتمثل في الاختيار والرضا كأساس للتولية.
وقال التوفيق إن إدارة الوثائق الملكية تتوفر على رصيد من نصوص بيعات سلاطين الدولة العلوية يقارب المائة بيعة, موضحا أن الباحث إذا نظر في هذه الوثائق وجدها صنفا مهيكلا كوثيقة تعاقد سياسي, فهي من إنشاء كبار العلماء ولغتها بديعية وصيغتها احتفالية ولكنها مع كل ذلك صارمة في النص على ما يقوم به مثل هذا العقد من الأركان.. ومن ثمة, يقول التوفيق, فهي تشتمل على عشر مكونات هي الديباجة ومرجعية تأسيس البيعة والمقاصد الشرعية والسياق الخاص للبيعة وصفات المبايع والوجهة التي تقدم البيعة والتصريح والإقرار بالبيعة والشروط التي تنعقد عليها البيعة والدعاء والإشهاد على البيعة.
وبخصوص ضمانات التزام المبايع بشروطه, قال التوفيق إن "الجواب يتأتى باستعراض بعض وقائع التاريخ التي لها علاقة بالممارسة الفعلية للحكم في سياق البيعة وإن مما يعين على الجواب فحص مؤسسة الحكم المنبثقة عن البيعة وهو المخزن الذي لو درس بعلم لبرز في سياقه التاريخي وإكراهاته كنظام ذي وجه إنساني في باب المعروف", مشيرا إلى العديد من ملامحه ومنها "صفة التفويض وصفة التفاوض والتحكيم في المنازعات ومراعاة الأعراف الضامنة لأنواع المعروف والأخذ بالعفو وإسدال التوقير والاحترام رعيا للخدمة أو العلم أو النسب الشريف وتعهد العلاقة الروحية مع الأمة وصيانة نظم الدولة وتراتيبها الإدارية والرجوع إلى المشاورين والنصحاء".
وأبرز الدرس يأن "مقارنة أكاديمية بين البيعة والدستور تستدعي التمهيد بتوضيحات منها أن العقد الاجتماعي الذي تمخضت عنه الحركة الدستورية في الدول الغربية لها أصول ومقابلات ممكنة في شرائع الأديان, وأن الطاعة في البيعة تتم بخليفة الطاعة لأمر الله".. وأضاف: "أما المسألة الأساسية الأخرى الوازنة في هذه المقارنة فتتعلق بفصل السلط" الذي كان "مبدأ مفروغا منه ومطلبا وهاجسا حاضرا في الأذهان".
ولدى حديثه عن الدستور, قال إن أهم ما يجمع بين البيعة والدستور هو المضمون المتمثل في تنصيص البيعة على المبادئ الأساسية الخمسة المعروفة بالكليات وهي حفظ الدين, ويشمل حفظ الملة في الجانب المذهبي وفي العلاقة بالأديان الأخرى, وحفظ النفس ويشمل أمن الحياة والأرواح والأبدان للأفراد والجماعات لكل المتساكنين, وحفظ العقل لأنه الوسيلة الطبيعية للعلم والمعرفة, وحفظ المال أي جميع الممتلكات المنقولة وغير المنقولة ويعني الملكية كمفهوم, ثم حفظ العرض.. "إن من يهمه النظر المقارن, يقول التوفيق, يستطيع أن يسبر في فصول دستور 2011 أين تلتقى هذه الفصول في الغايات مع المبادئ التي نصت عليها البيعات, فيجدها تكاد تكون متطابقة".
وشدد التوفيق على أن الضمانة المؤسساتية لتطبيق مبادئ البيعة كانت هي شخص الملك ويبقى الأمر كذلك بالنسبة للدستور حسب الفهم العام للشعب, موضحا أن ما تيسر من الاجتهاد الكوني الحديث في ابتكار آليات سياسية للمراقبة والتنفيذ يعد من النعم الكبرى على الناس لأنها تسير في الاجتهاد المقاصدي العظيم القدر والفائدة.. "ومن رحمة الله للإنسان أيضا, يضيف التوفيق, اكتشاف هذا النمط الدستوري الذي تتميز صياغته باستعمال لغة بعيدة عن النص المقدس. فالدستور المبني على هذه اللغة هو بمثابة الكلمة السواء التي تجتمع حولها جميع الأطياف".
"لكن جوهر الملاءمة مع البيعة بالنسبة لبلدنا, يقول التوفيق, يكمن في التزامكم يا مولاي بفتح اجتهاد واسع لا يحلل فيه الحرام ولا يحرم فيه الحلال , كما جاء في خطاب تقديمكم للمدونة إلى البرلمان. فلغة الدستور تحاذي نصوص أحكام الدين, ولكن فرص تأويلها محدودة", قبل أن يضيف "فأي دستور في بلد علماني لا بد أن يتضمن مقتضيات تحمي الأنفس والعقول والأموال والأعراض, ويبقى الغائب عنه هو حماية الدين لأن الدين هو الغائب المأسوف عنه في الديمقراطية في البلدان العلمانية".. ومن تم, يضيف المحاضر, فإن النص على حماية الدين في الدستور المغربي يجعله متضمنا للبيعة دون أن يتجاوزها لأنها بقدر ما تدور على الشروط تدور على الشخص, شخص أمير المؤمنين الذي تلتقي حوله طاعتان, الطاعة المأمور بها شرعا على شروطها, والطاعة للدولة في إطار إكراهات العقد الاجتماعي داخل نظام نابع من تاريخ وطني مشترك.
وتطرق التوفيق في الختام إلى أمور ثلاثة أولها أن القاموس الإسلامي يتضمن مصطلحا شعوريا لا ينبغي خلطه بمصطلح التقديس في التاريخ السياسي الغربي وهو مصطلح الحرمة في قوله تعالى "ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه", وثانيها وجوب الالتفات في التشخيص السياسي إلى إشكالية العلاقة بين الوقائع والحقائق, بين المؤسسة والشخص, فإمارة المؤمنين التي تقوم عليها البيعة مؤسسة بالمعنى الحديث والمبايع هو شخص الملك. . وثالث هذه الأمور, يقول التوفيق, أن الدين بشموليته جوهري لأنه يعطي المعنى للحياة، ومن ثم خاطب الملك: "لكن انخراطكم يا مولاي في الإصلاحات الدنيوية بكل أعماقها هيأ للدستور الجديد المجال لخلق دينامية خصيبة بين مقتضياته والحفاظ على أمانة البيعة في غير تفاوت ولا تزاحم ولا تنازع, وهو لعمري النهج الذي سيمكن المملكة من الدخول في مرحلة جديدة من بناء شخصيتها المنسجمة مع إيمانها وضميرها وحياتها, بفضل استثمار المشروعيات التي تراكمت في شخصكم كما يراها المؤمنون , مشروعية النسب , ومشروعية التاريخ , ومشروعية النضال, ومشروعية الانخراط الحصيف في الأسلوب العصري لتحقيق الحقوق والسعي إلى مزيد من المكرمات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.