الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ترامب يستقبل زيلينسكي بالبيت الأبيض    الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تعلن قلبها البالغ مما تعرض له المناضل الحقوقي سيون أسيدون    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    "ماتقيش ولدي" تندد باغتصاب جماعي لطفل في موسم مولاي عبد الله أمغار وتطالب بأشد العقوبات    سبتة ومليلية تشهد جدلاً حول حظر النقاب.. وفاطمة هامد تعلق    نجم المنتخب الوطني يلتحق رسميا بالدوري السعودي    توقيف شخصين مرتبطين بالإرهاب الجهادي في كاتالونيا بتعاون مغربي إسباني    تحذير من موجة حر مصحوبة ب"الشركي" وزخات رعدية ورياح قوية من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من المناطق    مسؤول بحماس: الحركة أبلغت الوسطاء بموافقتها على أحدث مقترح لوقف إطلاق النار بغزة    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    إنجاز طبي.. خلايا بنكرياسية تُنتج الأنسولين لمريض السكري    مرصد: حرائق اسبانيا دمرت مساحات قياسية بلغت 343 ألف هكتار    دراسة علمية تكشف وجود علاقة بين المعدة والصحة النفسية        الأزمة تضرب السوق العقار بالمغرب.. ركود كبير في المبيعات والأسعار ظلت مستقرة    مناقصة.. ا صدار سندات على المدى القصير والمتوسط (مديرية الخزينة والمالية الخارجية)    بما في ذلك الناظور.. 19 مدينة مغربية تتجاوز 40 درجة وموجة حر استثنائية مستمرة    بطولة إسبانيا.. ألونسو يعتقد أن ريال يتقدم خطوة بخطوة    دراسة: حماية الحاجز الدموي الدماغي قد تحد من التدهور الإدراكي لدى المسنين        لفتيت يوجه الولاة والعمال لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة    الواجهات الزجاجية للمكاتب تفاقم معاناة الموظفين في ظل موجات الحرارة    احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا    منظمة العفو الدولية تتهم إسرائيل باتباع سياسة تجويع متعمدة في غزة    المغرب ‬الواثق ‬المطمئن ‬الصامد ‬والجزائر ‬المذعورة ‬المصدومة ‬    مصرع سيدة في حادثة سير خطيرة بين مراكش وشيشاوة    كومان: لا أطيق الانتظار.. واخترت النصر السعودي لهذا السبب            كالافيوري يقود أرسنال لهزم مانشستر يونايتد في قمة الجولة الأولى من الدوري الإنجليزي    الدولار يستقر مع ترقب المستثمرين لتوضيحات حول السياسة النقدية الأمريكية            نبيل فهمي يقترب من خلافة أبو الغيط في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية    فتيان الدراجة المغربية يعودون بفضية من ليبيا    الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعرض المراهقين للتوتر والاكتئاب    إصلاح التقطيع الجماعي..    ابتسام لشكر وإشكالية الحرية...    "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    أمجاد اجتماعية من غشت    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    وفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى يزور الصحراء المغربية    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    فيدرالية اليسار الديمقراطي بتيسة تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الاجتماعية وتنتقد المنع والتهميش    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق    مؤرخان إسرائيليان ‬يقارنان المحرقة.. ‬والإبادة في‬ غزة!‬    ميرغت.. الزمان والمكان والذاكرة    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُساءَلة “البلوكاج” الصَّيفي في مَرْتِيل
نشر في بريس تطوان يوم 31 - 08 - 2019

يقول الرّاوي في الحكاية أن سمكة صغيرة سألت أمّها: كيف نتأكد من أننا على قيد الحياة، أجابت الأم: نسبح ضد التيّار، لأن السّمك المَيّت يطفو مع التيّار..!!.
هكذا حال المغاربة اليوم في هجرتهم إلى البحر، يسبحون ضد التيار مثل سمك السلمون، كي يثبتوا لأنفسهم أولا قبل غيرهم أنهم ليسوا أمواتا ولا نُفوقا وأنهم لا زالوا أحياء. لكن هل هجرة المغاربة بتلك الأعداد الغفيرة التي رأيناها إلى الساحل الشمالي من الحسيمة إلى حدود طنجة وخصوصا إلى مرتيل، دليل قويّ على رفاهية ورَخاء اقتصادي وبحبوحة عيش ينعم بها المغاربة وصحة بنيتنا الاجتماعية والاقتصادية عموما؟
الأكيد لا طبعا، لأننا نعرف المستوى الاقتصادي المتردّي لأغلب الشرائح الاجتماعية المغربية بما فيها المحسوبة على الطبقة “التي كانت” متوسطة، وبالتالي لن تكون هذه الهجرة المَوسمية بهذه الكثافة إلى الساحل البحري الشمالي، ما هي في حقيقة الأمر إلا سباحة ضد التيار، وإثبات لوجودهم بشكل مختلف.
عرف المغرب سابقا ما اصطلح عليه في الحياة السياسية المغربية:”البلوكاج الحكومي” في عهد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، ورافقه ظهور بعض المصطلحات من قبيل: “التماسيح” و”العفاريت” الفوق الأرضية والتحت أرضية، ولم يستبين المواطنون المغلوب على أمرهم، من يومها وإلى حدود الآن، إن كان ذلك “البلوكاج” مزحة سياسية أو اختبارا وشد حبل بين أطراف في الحكومة، وهل كان وَهما أم حقيقة؟، ومن كان الرابح والخاسر فيه؟ وأيضا هل كان مُجرّد لعبة سياسية قصدها التسلية والإلهاء. لكن ها نحن اليوم أمام “بلوكاج” من نوع آخر في كثير من مدن الساحل المتوسطي، يمكن تسميته مجازا “البلوكاج الصيفي الشمالي”، بدأ من الحسيمة وامتد إلى تخوم طنجة وتجلى بشكل أخص في مدينة مرتيل الصغيرة، حيث تبدو مظاهره واضحة للعيان في كل مناحي الحياة بالمدينة: الكورنيش، المقاهي، الشاطئ، المطاعم، الطرقات، المدارات، المحلات التجارية…إلخ. وهي مظاهر أفسدت احتفالية مصيف هذه السنة، من خلال عدة حالات لا تسر الناظرين.
1 – وسائل النقل: ما أن وصلنا إلى تطوان، حتى قضينا في انتظار سيارة أجرة كبيرة تقلنا إلى مرتيل نصف الوقت الذي قضيناه بين فاس وتطوان، وتبيَّن بما لا يدَع مجالا للشك أن هذا “البلوكاج” مفتعل، بدليل تزامن وصولنا مع صلاة الجمعة وقيلولة النهار الحارة جدا في تطوان، وخلاء المحطة من الناس وسيارات الأجرة تظهر ثم تختفي، حتى لا يدعي أحد أن السائقين كانوا يؤدون صلاة الجمعة، كما وصل ثمن المقعد الواحد أحيانا وفي تحدّ صارخ لكل الأعراف والأخلاق والقوانين: 40 درهما من مرتيل إلى المضيق، وسمعت بطبلتي الأذن سائقا يطلب من مهاجرة مبلغ قدره 150درهم ليوصلها هي وابنتها إلى “الدّيوَانة”، فيما ترك تحديد ثمن المقعد الواحد بالنسبة إلي وأسرتي إلى وقت لاحق في الطريق، فأسمعته كلاما “طيبا” وانصرفت.
2 – أزمة السكن: قضى بعض المواطنين ليتهم مع أسرهم وأطفالهم الصغار في الشوارع ليلة السبت – الأحد، لولا أن تطوع بعض المواطنين الشرفاء في إطار التضامن الاجتماعي واستضافوهم في منازلهم في انتظار فرج يلوح في الأفق، والسبب جاء من مضاربات السّماسرة ممن يتكفلون بكراء شقق المغاربة المقيمين في المهجر، وأيضا جشع بعض أرباب المنازل المخصّصة للكراء المقيمين في المدينة، وإن كان التعميم هنا لا يجوز.
3 – حيادية السلطات المحلية: لم تتدخل السلطات في كل ما حصل، سواء لردع جشع السماسرة أو سائقي سيارات الأجرة، وتركت المواطنين وحدهم مع أسرهم في مواجهة مافيات تخصصت في استغلال المواسم الصيفية، على غرار “شنّاقة” عيد الأضحى.
4- العامل الزّمني: كان لضيق الحيّز الزمني الفاصل بين العيد والدخول المدرسي عاملا حاسما في هذا “البلوكاج” الاستثنائي لموسم 2019 الصيفي، حيث انكبّ المُصطافون على الشمال في أوقات متقاربة، مما زاد من استفحال هذا “البلوكاج”.
4 – البنية التحية: رغم تطوّر البنية التحية بشكل كبير في مرتيل وتطوان عموما(انفاق، طرق دائرية،…إلخ)، إلا أن الزمن أثبت أن كل ذلك أصبح عاجزا عن تصريف هذا “البلوكاج”، لذلك أصبح مطلوبا إعادة النظر في كثير من الأشياء.
5- رمزية مرتيل الصيفية: أصبح في شبه المعروف أن لمدينة مرتيل وبحرها رمزية خاصة في الذاكرة الشعبية عند كثير من المغاربة، بحيث أنه لا يكتمل المصيف عند الكثيرين منهم إلا بزيارة تطوان ومرتيل والمضيق والفنيدق وما جاورهما، بدليل أن البعض يزور مدنا ساحلية أخرى، ومع ذلك يقصدون مرتيل بحجة أن زيارتها “بلوَى جميلة” وإن كانت شاقة ومتعبة، وأن المصيف لا يكتمل إلا بالحج إليها.
6 – الطابع المحافظ في مرتيل: يمكننا إضافة عنصر آخر هنا وقد يكون حاسما، هو أن مرتيل وجوارها لازالت محافظة بشكل من الأشكال، من خلال خلوها من علب الليل وسكارى ما بعد منتصف الليل، وهذا العامل يشجع الأسر على زيارة المدينة مصحوبين ببناتهم واسرهم عكس بعض المدن الساحلية التي يكثر فيها المتحرشون من ملاحقة العنصر النسوي ولا يفرقون في ذلك بين عازبة ومتزوجة، ويستحيل فيها على البنات أحيانا وحتى النساء التجوال في كورنيشاتها ليلا دون معاكسات.
7- عنصر الأمن: يمكن تسجيل الأمن كعنصر إيجابي ومشجّع في مرتيل، فممرات الراجلين مؤمنة من قبل رجال الشرطة والقوات المساعدة بشكل يضمن سيولة مريحة في مرور الراجلين والسيارات وسلامة الجميع، ويصعب على اللصوص القيام بأي عملية فيها مهما اشتد الزحام سواء على الكورنيش الطويل أو في أزقتها وشوارعها، ومن يظهر منهم يكون مصيره بين يديّ رجال وشباب الشارع قبل أن يصل أمره إلى رجال الشرطة، وبذلك يُعَدُّ اللصوص من أكبر الخاسرين في صيف مرتيل.
كل هذا وغيره ساهم في هذا “البلوكاج الشمالي- 2019″ الغير مسبوق في شواطئ مدن: الحسيمة، الجبهة، واد لاو، أنزا، المضيق، الفنيدق وخصوصا في مرتيل، وأثبت شيئا ثابتا في سلوك المغاربة عموما، فهم يحبّون الزحام ويموتون على” الدّْحَاسْ” أينما وُجد، بدليل أن كل الأخبار التي كانت تصل من مرتيل تفيد أن المدينة تعرف اختنقا في البر والبحر وغلاء صارخ في الكراء وصعوبة في المعيش، ومع ذلك أصر المغاربة بكل عناد على الحج إليها رغم كل شيء. لكن وَشوَشة المقاهي كانت تفيد أيضا أن المَصيف المقبل في مرتيل سيكون مختلفا، وأعرب الكثيرون صراحة أنهم سيغيرون وجهتهم في الموسم المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.