مندوبية السجون: هناك سوء فهم ومعطيات مغلوطة بخصوص تنفيذ مقتضيات القانون المتعلق بالعقوبات البديلة    جلالة الملك: السياسة الخارجية للمملكة المغربية ظلت تسير وفق مقاربة قانونية منهجية قائمة على احترام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة    بنكيران: "لسنا انقلابيين ولا ثوريين وفوزنا بالمركز الأول سيكون أمر طبيعي"    تقرير حقوقي: البطالة ‬والتعليم ‬والصحة ‬النفسية ‬لدى ‬الشباب ‬ثالوث ‬يحول ‬دون ‬تحقيق ‬أهداف ‬التنمية    جهة الداخلة وادي الذهب تخلد الذكرى 46 لاسترجاع إقليم وادي الذهب في أجواء وطنية مهيبة    15 قتيلا في قصف مجمع ناصر الطبي    سرقة 18 دراجة من شاحنة فريق أثناء سباق إسبانيا        رحيل علي حسن مقدم "سينما الخميس"    انخفاض طفيف في أسعار المواد الغذائية وارتفاع متواصل في أسعار المحروقات خلال شهر يوليوز 2025    بمناسبة الأعياد الوطنية الخالدة.. مؤسسة تاوريرت بهولندا تنظم ندوة علمية    ‬كيف ‬ينوب ‬المغرب ‬عن ‬العالم ‬الإسلامي ‬في ‬تقديم ‬المساعدات ‬الإنسانية ‬العاجلة ‬لغزة ‬؟    اتهامات السفير الأميركي لماكرون تشعل توتراً دبلوماسياً بين باريس وواشنطن    زلزال بقوة 6.3 يضرب قبالة جزر الكوريل الروسية    مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى    المغرب المستهدف: حين تكشف ردود الأفعال زيف بروباغندا "لوموند" وتفضح روايات الغرف المظلمة    مدرب رينجرز: إيغامان رفض المشاركة كبديل بداعي الإصابة    فيديو يقود لتوقيف مختل بالدار البيضاء    العدل والإحسان تدين منع احتجاجات تاونات بسبب نقص الماء والخدمات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    أموريم يكشف أسباب تعثر مانشستر يونايتد بالتعادل أمام فولهام بالدوري الإنجليزي                كيوسك الإثنين | الحكومة تعبئ 550 مليار درهم وخلق 500 ألف منصب شغل                    فؤاد عبد المومني: "لاعبين ولاّ حرّامين"...    الذهب يهبط من أعلى مستوى خلال أسبوعين في ظل ارتفاع الدولار    مبابي يسجل هدفين ويهدي ريال مدريد فوزه الثاني في الدوري الإسباني    توقيف تركي مبحوث عنه دولياً في قضايا الكوكايين    إسبانيا تسجل أشد موجة حر في تاريخها.. أكثر من ألف وفاة وحرائق تأتي على مئات آلاف الهكتارات    إسرائيل تقصف الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة غزة، وارتفاع حصيلة القتلى قرب مراكز المساعدات إلى ألفين    المنتخب المغربي يتوجه إلى أوغندا لخوض نصف نهائي "الشان"    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    "أسيست دياز" يسهم في فوز الريال    تجارب علمية تبعث الأمل في علاج نهائي لمرض السكري من النوع الأول    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تربية الإبداع في المدرسة المغربية
نشر في الأستاذ يوم 25 - 08 - 2014

لا شك أن تربية الإبداع و تنميته رهان تفرضه تحديات السبق الحضاري والفكاك من تبعية تقنية ومعرفية,تتبدى آثارها السلبية يوما بعد يوم على هويتنا وثوابتنا وبنائنا القيمي.وبالنظر إلى كون المدرسة هي المشتل الحقيقي للإبداع والبيئة الأولى لاكتشاف المبدعين ,فإن الحاجة باتت ملحة إلى تبني استراتيجية تعليمية واضحة ,تهدف بالأساس إلى تربية وتكوين القدرات الإبداعية,وإكساب التلاميذ مهارات التفكير الإبداعي .
من بين ما خلص إليه التقرير التحليلي للمجلس الأعلى للتعليم بشأن حالة المنظومة التربوية بالمغرب(2008),هو تحديد معيقات تحسين الأداء التعليمي,ورصد حوائل الملاءمة بين توجهات بيداغوجية واعدة وواقع تربوي مترنح ! وأهم هذه المعيقات التي تحد من تعليم الإبداع و تنشيط استعداداته مرتبط أساسا بضعف الاستثمار في تكوين وتطوير قدرات المدرسين,والحجم المكثف للبرامج مما يحول دون اعتماد طرائق التعلم المتحررة من قيود المنهاج الدراسي,إضافة إلى نقص الأدوات الديداكتيكية المجددة التي تستوعب الإقبال المتزايد على منجزات التكنولوجيا ووسائط الإعلام والاتصال.وعملا بالمبدأ القائل بأن التشخيص نصف العلاج ,فإن تحليل , بل وتثوير هذه الإشكالات سيُسهم , برأيي المتواضع, في تحديد أولى خطوات العلاج وفق تصور يحرر المنظومة من سلطة التدبيرالأوحد الذي تتبناه الوزارة الوصية,ويحقق التوسيع الفعلي لقاعدة المشاركة المجتمعية في الإصلاح بعيدا عن الشعارية الجوفاء.
فيما يتعلق بالمدرس ,باعتباره المدخل الحيوي لأية مبادرة أو خطة لتأهيل المنظومة, فإن أهم الصعوبات التي تكتنف أداءه لمهامه وثيقة الصلة بمحدودية آليات التكوين الأساس والمستمر من جهة,وبعدم رضاه عن وضعه المادي وظروف مزاولته للمهنة من جهة أخرى.وإذا كان تجاوزها و التغلب عليها كفيل بالرفع من وتيرة الأداء التعليمي ضمن الإطار التنفيذي الذي تحدده الوزارة الوصية, فإن ذلك قد لا يفضي بالضرورة إلى تكوين اتجاه إيجابي نحو الإبداع و تطوير المواقف التعليمية لتصبح حاضنة للتفكير الخلاق لأسباب أهمها: التداخل الحاد على مستوى التصور بين الإنجاز الإبداعي والكفاءة العالية في التحصيل الدراسي. فعديدة هي الأبحاث و الدراسات التي خلصت إلى ضعف الصلة بينهما, والتجاوب المحدود لعدد من المبدعين مع بيئة التعلم في صيغتها النمطية المعتادة. لكن واقع الحال يكشف عن ممارسة تعليمية محكومة بهاجس الإيداع والاسترجاع الكمي للمعلومات والمهارات الأساسية,وهو ما يُفقد الإبداع مدلوله الحق و صلته بمبدأ الاستقلالية والأصالة والاستكشاف الحر.
أما السبب الثاني فذو صلة بالتوجهات الرامية إلى انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها دون التأكد من جاهزية "المحيط " لهذا التحدي,واستعداده لاحتضان فاعل ومؤسس على وعي بجسامة المسؤولية وحتمية تضافر الجهود. فلازالت فئات من المجتمع,بحسب التقرير آنف الذكر,غير مدركة للرهانات الأساسية المرتبطة بالتربية والتعليم والتي تشكل محددا حاسما لمستقبل البلاد.إن المدرسة من منظورها لا تعدو أن تكون مرفقا عموميا تقع مسؤوليته على عاتق الدولة وحدها,وبالتالي فمبادرات التعبئة ما هي إلى وجه من وجوه الإحسان لمدرسة ببنايات متدهورة ومرافق محدودة.
لقد ترتب عن هذا الانفتاح الملتبس تراجع الثقة في مؤسسة تقف عاجزة عن مواكبة التحولات النوعية في مجال تكنولوجيا المعرفة والإعلام, وغير قادرة على انتشال الصغار من وهدة التمزق الناشيء عن المفارقة المؤلمة بين نظام تعليمي قار,وسياق اجتماعي متحول بضراوة. لكن الأخطر من ذلك أن يتحمل المدرس بمفرده وزراهتزاز الثقة,ويصبح غرضا سهلا للصيغ المؤلمة التي يعبر بها المجتمع عن موقفه السلبي, بدءا بالاستخفاف و التنكيت ووصولا إلى أشكال العنف الرمزي والمادي. إن أي حديث عن الإبداع في ظل علاقة شائكة كهذه قد يبدو ضربا من الترف أوالتحليق على علومنخفض يهدد بالارتطام! لكن الحقيقة هي أن العملية الإبداعية التي تقوم في جانب كبير منها على حل المشكلات و حفز الخروج على السياق العادي في التفكير,قادرة على استرداد هذه الثقة عندما تصبح المدرسة ورشا لإنتاج الأفكار القيمة والأصيلة التي تستجيب لحاجيات المجتمع و مشكلاته الآخذة في التزايد. آنذاك يمكن الحديث عن انفتاح جاد ومثمريُعبر من خلاله "المحيط" عن قناعته بالقيمة الاقتصادية و الاجتماعية الضخمة للأداء التعليمي الخلاق .
ويقتضي التحول إلى مجتمع المعرفة تغييرات جوهرية تمس المناهج و المضامين المقررة والطرائق المرنة التي تستوعب رؤى الغد ورهاناته.فلا مكان اليوم إلا للأنساق المفتوحة التي يتنقل المتعلم بينها بكل حرية ليُسائل و يستكشف و يُحاور و ينتقد.ومما عابه التقرير على منظومة التربية أن الحجم المكثف للبرامج و محورته على مراكمة المعارف استنفد الوعاء الزمني المدرسي,مما حال دون إكساب المتعلمين قدرات ومهارات تنمي التفكيرالإبداعي,وتتيح التدرب على حل مشكلات علمية وحياتية, وتشرب المباديء والاتجاهات الإيجابية.لذا فإن تطوير المناهج الدراسية ينبغي أن ينطلق من تغيير جذري في الأدوار المنوطة بالمعلم والمتعلم من خلال إرساء نموذج بيداغوجي يقوم على التعلم النشط والتفكيرالحر والتصور الإبداعي المتحررمن "النموذج السلف".ويؤكد عدد من الباحثين ( تايلور, أوزبورن, روث ..) على أن تطويرالقدرات الإبداعية يستلزم تغييرات بنيوية في البرامج التربوية,وأن علاقة الإبداع بالتعليم أكثر من ارتباطه بالنضج أو الوسط المحيط مما يجعل طرائق التعليم تضطلع بدور جديد يتصف بالدلالة والنموذجية.وفي هذا الصدد يشير ألكسندرروشكو في كتابه (الإبداع العام و الخاص) إلى ما خلصت إليه أبحاث عديدة أجريت حول أنسب الأسس والطرائق لتطوير القدرات الإبداعية وتكوين روح البحث.إذ تبين أن طرائق التعليم الاستكشافي مثل التعليم عبر حل المشكلات,والتعليم عبر المشاريع وعبر البحث,برهنت على أنها الأنسب لوضع أسس التفكير المستقل والمبدع و تشكيل عادات واستراتيجيات البحث العلمي.فمن خلالها,يقول ألكسندر روشكو,يتمكن التلميذ من رؤية المشكلة من زوايا مختلفة,فيفسرها ويبحث باستقلالية عن حل لها, ويعد الافتراض الممكن بحيث يختبر هذا الافتراض,ويعمل كما لو أنه يكتشف بنفسه تلك المعارف التي كانت مكتشفة من قبل عبر التطور التاريخي للإنسانية.إنه تعليم لا يؤدي إلى تكوين نمط من الإعداد الإبداعي للمشكلات فحسب,بل ويقود إلى تربية خصائص الشخصية الباحثة,مما يخلق لدى التلميذ حالة من الحيوية و النشاط و اليقظة ويزيد الثقة بالنفس.
وفيما يتعلق بنقص الأدوات الديداكتيكية المجددة والتجهيزات, لاسيما الوسائط المعلوماتية,فإن توفيرها وتعميمها لايحقق شرط الإبداع لا يسهم في تطوير الاستعدادات الخلاقة مالم يقترن بالإعداد المهني العلمي والتربوي للمدرس. ذلك أن الاستخدام الفعال لهذه الأدوات والوسائط يتحقق من خلال أربعة تطبيقات أساسية : تعزيز عملية التعلم باعتماد الجهد الذاتي, واستكشاف الخبرات والأطر المعرفية الجديدة,وحل المشاكل المعقدة بطرق مبتكرة ,ثم التقويم الذاتي للتعلمات وتحديد التعثرات وأوجه القوة.وهذه التطبيقات تفترض مقاربة واضحة يتساوق فيها توفير الوسائط و إنتاج المضامين الرقمية,مع التفعيل الجيد لآليات التكوين المستمروالتكوين عن بعد,كما يستلزم تحرير الأداء التعليمي من سطوة الكتاب المدرسي التي ترتب عنهافيما مضى تهميش الوسائط التعليم الأخرى ,وتحويلها إلى قطع ديكور تؤثث فضاء الإدارة ,أومتلاشيات في مخزن المؤسسة !
تشير الأدبيات التربوية الرسمية إلى أن من ضمن مرامي النظام التعليمي : جعل المدرسة فضاء للإبداع وورشا لإظهار النبوغ. لكن هل تكفي الصياغة الرائعة إن رافقها الفشل في تغيير سلوك المعلمين,وتجديد النظر إلى الإبداع لا باعتباره عملية طبيعية تخلق قوانينها الخاصة التي يصعب التنبؤ بها ومن ثم تعليمها كما قال إيمانويل كانط, بل بكونه استعدادا قابلا للتكوين والتطوير وفق تقنيات يؤكد البحث العلمي نجاعتها و رصانتها ؟ الحق أنه لا إبداع بدون معلم مبدع وبيئة محفزة على الحرية والاستقصاء و التفكير الخلاق, بيد أن الممارسة الواقعية تعكس الحيرة و التردد إزاء التقنيات الواجب اعتمادها لتحرير أساليب التعليم من النقل المباشر للمعرفة إلى إرساء ثقافة التفكير وإثارة الإبداع.ومرد هذه الحيرة إلى سببين جوهريين, يتعلق الأول بالعادات المستحكمة في العقل العربي بشكل عام, والتي أسهمت في ضموره الإبداعي نتيجة عوامل تربوية و إعلاميةو ثقافية, أما السبب الثاني فذو صلة بالنظر إلى المدرسة كبنية منفصلة عن سياقها الاجتماعي, وعن الرهانات و التحديات التي تكتنف الوطن, مما أفقد الأداء التعليمي بعده الرسالي والحضاري المحفزعلى استيعاب خطاب التغيير.
إن التعقد الشديد الذي أصبح سمة المجتمعات الإنسانية اليوم يفرض مواجهة صريحة مع "المعرفي" من خلال صياغة نموذج لمجتمع المعرفة يستجيب لمتطلبات التنمية دون تفريط في الثوابت و الهوية الثقافية. و لا يمكن أن ينهض بعبء هذه الصياغة سوى نظام تعليمي دعامته الحرية واستشراف المستقبل,والرهان على تربية للإبداع تحل الإشكالات وتستعيد الثقة بقدرتنا على امتلاك ثقافة التغيير و صناعة المستقبل.
تربية الإبداع في المدرسة المغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.