اقترن مفهوم المجتمع المدني بموضوع الديمقراطية اقترانا وثيقا، حيث أصبحا متلازمين لدرجة أن قوام الديمقراطية الحقّة يتجلى بالأساس في تأسيس الجمعيات وفسْح المجال لها للتعبير عن آرائها بكل حرية واستقلالية. تقوم منظمات المجتمع المدني بالعديد من الوظائف الهامة في المجتمعات الحديثة ومن أبرزها أنها تعمل كحلقة وصل بين المواطنين والسلطات العمومية ، وهو بالأساس الدور المنوط بها دستوريا الذي أعطى للمجتمع المدني المكانة الخليقة به داخل المجتمع كشريك في الإقلاع التنموي ، وربطه بمسألة الديمقراطية التشاركية في إعداد المشاريع والقرارات لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية والمساهمة في تفعيلها تقييمها ، وكذا حرية التأسيس وحرية ممارسة أنشطتها، .وهو إجمالا ما تؤكده أيضا كل المواثيق الدولية ذات الصلة بالمجالات التي لها علاقة بالشأن العام . فعلاقة المجتمع المدني بالتغيير الديمقراطي هي بالأساس علاقة جدلية تتسم بكونها إحدى النواة التي تشكل القوة الاقتراحية داخل المجتمع وهي مهام في حقيقة الأمر تضعه في مصاف السلط الأخرى التي لها القدرة والقوة على التأثير واتخاذ القرارات. كما نص المقتضى الدستوري على أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية ، باعتبارها البوصلة والركيزة الاساسية التي تتيح لهذه المنظمات اكتساب المصداقية والمساهمة في تعزيز الديمقراطية في المجتمع من خلال تكريس ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر ونبْذ كل أشكال الاستفراد بالقرار أو الهيمنة والتسلّط، باعتبارها مفاهيم متناقضة مع المقومات والمبادئ التي يرتكز عليها المجتمع المدني ، إذ يُمثل التسلّط والاستبداد السلطة المطلقة التحكّمية ، بينما يشمل المجتمع المدني المؤسسات والمواطنين الذين يعارضون تلك السلط ويُشكّلون رحم مخاض مجتمعي تُثْمر فيه ثمار الأمل في إقرار مجتمع تسوده قيم المساواة والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير بعيدا عن أي انزلاقات أو إرهاصات لصنع كريزماتية مُزيّفة قد تعوق بشكل كبير المساهمة في تشييد ديمقراطية حقيقية . أهمّ ما يُميّز منظمات المجتمع المدني ليجعلها قادرة على المساهمة الفعلية في البناء الديمقراطي هو حرصها على تطبيق آليات الديمقراطية الداخلية وتدبير الاختلاف كركن ركين في مفهوم الديمقراطية وكنقيض لعقلية الزعيم التي غالبا ما تتميز بها جُلّ التنظيمات السياسية كظاهرة ساهمت في تقويض أسس الديمقراطية الداخلية لهذه الهيئات، وأدت أحيانا إلي تصخّم الأنا لدي بعض قياداتها وبروز سلوكيات طاووسيه نرْجسية ، وهو ما يستدعي بالضرورة الوعي بهذه الاشكاليات لدى منظمات المجتمع المدني والعمل على تحصين هيئاتها من هذا النوع من الانزلاقات التي هي بمثابة ورم ينْخُر أسُسها ويُفقدها كل المصداقية. ما تعرفه بلادنا من حراكات اجتماعية في مناطق متعددة من البلاد يقتضي من المجتمع المدني إعادة ترتيب أوراقه للقيام بالأدوار المنوطة به كقوة اقتراحية وركيزة أساسية للتحول الديمقراطي والتنمية المستدامة، وهو ما يستلزم بالتأكيد احترام المقتضيات القانونية والتشريعية التي تنص على الحق في تأسيس الجمعيات ، إذ أن حرية الجمعيات تقع في مفْصل الديمقراطية وحرية التعبير، وهو حق مُكتسب بقوة القانون ومسْنود بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي تنص على الدور الأساسي لمنظمات المجتمع المدني في مجالات متعددة تلتقي في كُنْه وصُلْب الديمقراطية. إذ أن احترام هذه الحرية هي بمثابة بوْصلة لقياس مدى احترام قواعد الديمقراطية في المجتمعات وتضعها ضمن مؤشرات دولة الحق والقانون، لذلك فنحن بصدد حقّ يمارس في إطار المقتضيات الدستورية والتشريعية الجاري بها العمل في بلادنا ويعتمد على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي تنص في جميع صكوكها على حرية تكوين الجمعيات كمُكوّن أساسي للديمقراطية.