الحديث عن السياحة ببلادنا ذو شجون. ولعل مبعث ذلك جملة من الانتظارات والتطلعات التي أبداها ويبديها المهنيون والمستثمرون في القطاع السياحي، من أجل تحقيق نقلة نوعية في هذا المجال، موازاة مع ما وصلت إليه دول إقليمية، تعتبر من أشد المتنافسين لبلادنا في هذا الشأن. فجميل أنيتحدث رئيس الحكومة عن " إنجازات"، ويعمل على الظهور بمظهر الموضوعية والشفافية، ولا يتردد في الاعتراف بوجود أخطاء واختلالات ، لكن ما ليس بجميل ولا مقبول، هو اعتماد منطق سطحي وتبسيطي واختزالي في التعامل مع الإشكاليات البنيوية والتدبيرية والتنظيمية، التي تشكل عائقا جديا أمام تحقيق أهداف مخطط رؤية 2020، الذي طالما شغلنا به الوزير الوصي في مداخلاته المعلومة داخل البرلمان وأمام الصحافة والإعلام. نعم لا أحد ينكر أن السياحة في بلادنا تعتبر رافدا أساسيا من روافد اقتصادنا الوطني، ومصدرا استراتيجيا من مصادر تمويله، وقطاعا حيويا يشكل فضاء لاستثمار العنصر البشري المتخصص والإمكانيات الطبيعية والتاريخية التي تزخر بها بلادنا، في مختلف الجهات والأقاليم، بما يعد جزءا من الثروة الوطنية المادية واللامادية، لكن اختزال قضية تطوير السياحة في صورة نمطية لا تتعدى " الحريرة" و" البسطيلة " و"الملاوي"، أمر يؤسف له خاصا وأن صاحب هذه الرؤية السطحية هو رئيس الحكومة، فيوقت أصبح فيه الرهان على السياحة مرتبطا بالتطور والتكوين العلمي والتكنولوجي والخبرات الاقتصادية المتقدمة، والمهنية والاحترافية العالية في تدبير مختلف أنواع الخدمات السياحية، من فندقة ونقل وأمن وبنيات تحتية وطرق، وثقافة وصناعات وطنية وتقليدية، وعادات وتقاليد وخصائص جهوية وطبيعية، وغيرها، والتي تصب في اتجاه واحد هو استقطاب أكثر ما يمكن من السياح الأجانب، وتمكينهم من التعرف على حضارتنا وثقافتنا وأصالتنا وثرواتنا الطبيعية وتراثنا التاريخي والاجتماعي، ناهيك عما وصلت إليه بلادنا من تطور وتقدم على مستوى العمران والتحضر والتمدن، والتطور والنمو والتوسع الذي يشهده الاقتصاد الوطني في مختلف المجالات. إن الحرص على إظهار صورة جميلة براقة للقطاع السياحي، وإبراز بعض الإنجازات التي تحققت على مستوى العائد المالي،والاعتماد على قراءات مبتسرة لتلميع النشاط السياحي، وتبرير ذلك بتحويل السياح الأجانب لوجهاتهم التقليدية من الدول التي تشهد اضطرابات أوحروبا داخلية وعدم استقرار، إلى دول أخرى مستقرة كالمغرب، لا يمنع من القول بأن الرهان على هذه الورقة لا يشكل عامل إقناع حاسم بالنسبة للمعنيين والمتدخلين من مهنيين ومستثمرين، الذين يعايشون بشكل يومي المشاكل والاختلالات التي يعاني منها القطاع بنيويا وتنظيميا وتدبيريا وخدماتيا، ويواجهون تحديات جديدة بسبب المنافسة الدولية والإقليمية في ظل استمرار وجود نفس العوائق والعراقيل، التي تمنع من الوصول إلى تحقيق سقف أعلى من التطور والنمو والقدرة التنافسية مع دول أضحت اليوم تزاحمنا على السوق السياحي العالمي داخل العالم العربي وخارجه. فالمشاكل والاختلالات لا تنحصر في عدم العناية بالمآثر التاريخية ببلادنا كما يزعم رئيس الحكومة، بل تتعدى كما ألمحنا إلى ذلك إلى ما هو أعمق وأجل من ذلك، خاصةإلى غياب استراتيجية وطنية قادرة على تجاوز آثار وتداعيات الأزمة العالمية التي أفقدت المهنيين والمستثمرين الكثير من الفرص من أجل تطوير منتوجهم السياحي وخدماتهم المقدمة للسياح الأجانب. فحديث الحكومة عن عائدات بملايير الدراهم حققها قطاع السياحة ببلادنا، لا يمكنه تغطية الواقع الذي هذا القطاع بسبب ما يعيشه من أزمات دورية ناتجة عن أحداث خارجية مختلفة بما فيها الربيع العربي، وأحداث مقهى أركانة ناهيك عن البطء الذي تعرفه كل الأوراش المفتوحة منذ سنوات والتي تركت للمجهول، وضعف الاستثمارات إن لم نقل توقفها بالمرة في عدة جهات من المملكة، والتركيز فقط على النقاط السياحية التقليدية، والتراجع المسجل في نمو السياحة الداخلية،إضافة إلى الصعوبات في التمويل بالنسبة للمقاولات السياحية، وغياب المتابعة والمواكبة الحكومية لكل المشاريع والأوراش والأنشطة المرتبطة بمخطط رؤية 2020. فالتوجه الحكومي يبدو وإلى هذا اللحظة، أنه لا يخرج عن كونه صب كل اهتماماته على إطلاق عدد من الأوارش الكبرى التي تعنى فقط بالمناطق التي تمثل أقطابا سياحية معروفة على الصعيد الوطني والعالمي دون غيرها من المناطق والجهات الاخرى بشكل عام، الشيء الذي يؤكد تكريس الفوارق بين الجهات بدل تذويبها والبعد عن خلق توازن مجالي واقتصادي انسجاما مع الجهوية المتقدمة التي تتطلع بلادنا إلى تنزيلها على أرض الواقع ، وهو ما يجعل كلام رئيس الحكومة عن الفشل، ومشاكل السياحة الصغيرة، وانتقاده لمن سماهم مرة أخرى ب " المشوشين" على قطاع السياحة بمثابة هروب إلى الأمام وبون شاسع بين ما هو مطلوب من الحكومة بشأن رؤية استراتجية واضحة المعالم والأهداف والآجال والإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية، للنهوض بقطاعنا السياحي، ورؤية ضبابية وسطحية وتبسيطية اختاراها رئيس الحكومة لاختزال مفهوم السياحة في أثر تاريخي أو نوع من أنواع الطبخ المغربي. فإلى متى سيستمر هذا الاستخفاف بالرأي العام الوطني والاستبلاد المتعمد لعقول المهنيين وكافة المهتمين والغيورين على سياحتنا الوطنية؟.