: تبعا لاستطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة "طنجة 24" حول المشاركة في الانتخابات الجماعية المقبلة، التي كشفت عن اعتزام أزيد من 70 في المائة من المصوتين، مقاطعتهم لهذه الاستحقاقات، اعتبر الباحث هشام المصابري، أن نتائج الاستطلاع تعكس هناك ظاهرة سياسية قائمة في البلد وهي ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات. وعزا المصابري، في هذا المقال الذي خص به "طنجة 24"، ظاهرة العزوف، إلى أسباب مرتبطة بمسؤولة الدولة، ومسؤولية الأحزاب، وكذا ضعف المجتمع المدني وثقة المواطنين، إضافة إلى الآفات الاجتماعية السائدة. وفيما يلي، نص المقال، للباحث في القانون العام، هشام المصابري، كما توصلت به صحيفة "طنجة 24" الإلكترونية: الانتخابات هي الوسيلة التي بموجبها يختار المواطنون الأشخاص الذين يسندون إليهم ممارسة السيادة أو الحكم نيابة عنهم على كافة المستويات ويترتب على ذلك تطبيق مبدأ الاقتراع لتحديد الاختيارات، وتستمد هذه التقنية من مبدأ سيادة الشعب الذي نادي بها جون جاك روسو. فبعد موجات التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، أصبحت معظم دول العالم تجري انتخابات بطريقة أو بأخرى، لكن وعلى حسب بعض التقديرات أن نحو نصف دول العالم فقط تشهد انتخابات توصف بأنها ديمقراطية فعالة من ناحية المشاركة والفعالية. وبالرجوع إلى تاريخ المغرب الانتخابي، نرى أن هذه الآلية عرفت عدة اختلالات أدت بالضرورة إلى بروز ظاهرة العزوف السياسي المتمثلة في المقاطعة وعدم المبالاة بالاستحقاقات السياسية خاصة وسط فئة الشباب والطبقة الفقيرة باعتبارهما الكتلة الانتخابية الأكبر في البلاد، فضلا عن إقصاء الطبقة المتوسطة وتهميشها سياسيا والضغط عليها اجتماعيا واقتصاديا. إن المتتبع لمجريات التسجيل في اللوائح الانتخابية التي شهدتها المملكة في الآونة الأخيرة وكذا الحملات الإعلامية التي قامت بها المنابر الإذاعية والتلفزية وكذا بعض الأحزاب السياسية قصد حث المواطنين خصوصا الشباب منهم على التسجيل في اللوائح الانتخابية، يرى أن هناك هاجس أساسي لدى الدولة يتمثل في ضعف المشاركة في الانتخابات وضرورة رفع نسبة المشاركة عبر تعبئة المواطنين للتسجيل في اللوائح وبالتالي المشاركة في الاستحقاق السياسي القادم. إن ما هو مؤكد من خلال ما نشر من أرقام حول نسبة التسجيل في اللوائح الانتخابية أو من خلال استطلاعات الرأي التي أجريت، خاصة استطلاع الرأي الذي أنجزه موقع طنجة 24 الذي مفاده أن أكثر من 70 في المائة من العينة التي شملها الاستطلاع غير معنية بالتسجيل في اللوائح الانتخابية ، هو أن هناك ظاهرة سياسية قائمة في البلد وهي ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات. ويمكن تلخيص الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة في النقاط التالية: 1 مسؤولية الدولة: إن التحكم في العملية السياسية عبر توجيهها من ناحية وإفراغها من مضمونها من ناحية أخرى، ولد أجواء عدم الثقة لدى عموم المواطنين، فالعملية الانتخابية هي وسيلة فقط أما الغاية منها هو إحداث تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي يستهدف الفرد والمجتمع، وحيث أن ظروف عيش المواطن لم يطرأ عليها أي مستجد فإن ذلك ولد إحساس سلبي لديه حول جدوى الاستحقاق الانتخابي برمته. كما أن الدولة وفي إطار ضبطها للمجال السياسي عمدت إلى إخضاع الأحزاب السياسية وتقليص هامش الحركية فيها ليقتصر دورها فقط في التعبئة للانتخابات. فرغم وجود دستور جديد فإن دور المؤسسات السياسية لا زال ضعيفا من حيث الكفاءة والمصداقية والقدرة على التخطيط والتنفيذ، وهذا راجع بالأساس إلى ظاهرة التحكم والنفوذ التي تحظى بها قوى تعمل خارج إطار المؤسسات ومرتبطة بالنظام الحاكم أو ما يطلق عليه بنظام المخزن. 2 مسؤولية الأحزاب السياسية: إذا كانت الدولة تعمل على احتواء الأحزاب السياسية وتقليص هامش حركيتها، فإن ذلك لا يعفي هذه الأخيرة من مسؤوليتها نحو المواطنين عبر التعبئة الجدية والتأطير السياسي ووضع برامج واقعية وتقديم مرشحين ذوي كفاءة ومصداقية، والعمل الدائم والمستدام وليس الظهور الموسمي المرتبط فقط بالانتخابات. وهو الأمر الذي يستوجب إحداث ثورة داخل الأحزاب عبر تعزيز الديمقراطية الداخلية وفتح المجال أمام جيل جديد لأخذ المبادرة وتقليص الهوة الفاصلة بين الشعب والأحزاب عبر التواصل الشفاف الخالي من الرغبة في تحقيق وجلب المصالح الشخصية ولغة الخشب وتحصين الامتيازات. إذا تحقق ذلك فإنه من السهولة تعبئة المستهدفين للتسجيل في اللوائح الانتخابية. 3 المجتمع المدني وغياب ثقافة المشاركة: ضعف المجتمع المدني من الأسباب الوجيهة التي يمكن البناء عليها لتفسير ظاهرة العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتحابية فعدم قدرة مؤسسات المجتمع المدني على التعبئة وتحسيس المواطن بضرورة تحمل مسؤولياته بما يمكنه من المساهمة في صنع مستقبله السياسي نتج عنه بالضرورة تفشي ظاهرة عدم المبالاة. فالمجتمع المدني بالمغرب لا يزال هاويا ولم يصل بعد مستوى الإحترافية هذا بالإضافة لإشكالية استقلاليته المرهونة بالاستقطاب والصراع السياسي والحزبي. فهو بالتالي لا يشكل قوة اقتراحية للتأثير على صانعي القرار سواء على المستوى المحلي أو المركزي بسبب ضعف تنمية الوعي السياسي لدى الفاعلين وغياب ثقافة إشاعة قيم المواطنة والمشاركة. هذا فضلا على أن قوى المجتمع المدني لا تتوفر على قراءة موضوعية مفصلة للعبة السياسية لتقف على مكامن الضعف والقوة وتستطيع بالتالي أن تتموقع كشريك فعال من خلال طرح الحلول الإبداعية للمشاكل في شتى المجالالت. 4 الآفات الاجتماعية. إن عدم حدوث اختراق في الواقع الاجتماعي المغربي من حيث معالجة المشاكل الاجتماعية ببرامج فعالة وناجعة تستهدف مجال الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية للطبقة الفقيرة، يجعل هذه الأخيرة تعيش في حالة عدم الاكتراث بما يجري حولها خاصة في المجال السياسي سواء بسبب الشعور والإحساس بأن لا دور لها في الحياة السياسية وأنه من الأجدى التقوقع على ذاتها وتوفير الجهد والوقت لقوت يومها والتفكير في مستقبلها المعيشي وليس السياسي، أو بسبب تفشي ظاهرة الجهل والأمية وغياب الوعي بضرورة المشاركة السياسية مما يجعل هذه الطبقة الاجتماعية المتضررة لا تأبه بالتسجيل في اللوائح الانتخابية إلا عبر استغلال عوزها الاجتماعي ودفعها بطريقة أو بأخرى نحو التسجيل. عموما فإن نتيجة استطلاع الرأي الذي أنجز من قبل موقع طنجة 24 لم يكن مفاجئا وإنما هو تعبير عن واقع سياسي قديم جديد، واقع يحتاج إلى تغيير يكرس روح التكامل والشراكة بين الدولة والفاعلين السياسيين والمجتمع المدني بدل الهيمنة والإقصاء، تغيير حقيقي شامل متوافق عليه لإخراج البلد من عبق الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.