مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الخميس    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات البرلمانية 2011 بين الشرعية والمشروعية
نشر في لكم يوم 24 - 11 - 2011


أولا : فلسفة التمثيل السياسي:
يبدو أن ماهية التمثيل السياسي الذي يحدد فلسفة الاقتراع، مرتبط بسياقات فلسفية أنتجت في صيرورة بناء المجتمع الحداثي الذي يستبطن مفهوم السيادة الشعبية المبنية على فلسفة التعاقد الاجتماعي؛ وليست معطى تقني جاهز يمكن استيراده كما تستورد أية تقنية. من هذا المنطلق يبدو الحديث عن التمثيل السياسي لا ينفصل عن سياقات إنتاجه، ارتباطا بالعديد من الأطر المعرفية المؤثثة لمجال اشتغاله؛ إذ أن مفاهيم ك( السيادة، التعاقد الاجتماعي، الشرعية/ المشروعية...) ضرورية لفهم العملية الانتخابية، وإلا سنكون أمام سوء فهم أو عملية تمويه لتسويق الوهم. من هذا المنطلق سنفهم أن أي مقاربة للعملية الانتخابية خارج السياق العام للفعل السياسي مغالطة صريحة، واستخفاف بالرأي العام الذي يمثل جوهر وماهية أي اختيار ديمقراطي، باعتباره منشأ السيادة كممثل للإرادة العامة. فما هو الأساس الفلسفي الذي تستند عليه الانتخابات التشريعية؟
1)الشرعية والمشروعية: إن الحديث عن التمثيل السياسي يطرح إشكالية المرجعية الفكرية التي تنبني على أساسها الانتخابات التشريعية، من منطلق أن الانتخابات قد تفهم في سياقين متساوقين وقد يبدوان متناقضين؛ فهل العملية الانتخابية آلية تقنية لممارسة الفعل السياسي المستند للاختيار الديمقراطي؟ وتغدو بذلك مجرد وسيلة، أم أنها غاية في حد ذاتها؟ وتتجلى العملية الانتخابية وكأنها هي التحقق "العيني" للديمقراطية بالمعنى الهيجيلي للكلمة. مهما بدا الأمر ملتبسا ووفق أي سياق نريد ، فإن العملية الانتخابية لا تتحقق مقاصدها من دون فهم الجدوى منها، والفهم الذي ينتجه الخطاب حولها( من طرف الفاعلين السياسيين/ اللاعبين الأساسيين)أو ما يفرزه الواقع من ممارسة سياسية تحكمها سلوكيات سياسية تنتج قيم تتكرس كمفاهيم توجه تصرفات الفاعلين، ضمن ثقافة سياسية تتحدد قواعدها بالتوافقات السياسية أكثر من الاختيارات الإستراتيجية التي تحدد ملامحها مطالب وحاجيات المجتمع. من هذا المنطلق نطرح سؤالا مركزيا ماهي المرجعية المتحكمة في الفعل السياسي من خلال الممارسة الانتخابية؟ كما يَطرح سؤال منهجي ذاته لتوضيح الرؤية في ضل احتقان سياسي بين تياري ( المقاطعين/ والمشاركين): هل انتخابات 2011مشروعة؟.
دون أن ندخل في نقاش فقهي حول الشرعية والمشروعية، سنحدد بشكل تقريبي المقصود بالمشروعية. هناك نزعتين في أدبيات الفقه السياسي، نزعة لا تميز بين الشرعية والمشروعية وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه لا يوجد فرق بين مصطلحي الشرعية و المشروعية و أنهما يدلان على معنى : ضرورة احترام القواعد القانونية بأن تكون جميع تصرفات السلطات العامة في الدولة متفقة و أحكام القانون بمدلوله العام.
لكن أغلبية الفقه يميّز بين المفهومين كالآتي :
الشرعية : (légalité ) يقصد بها السلطة أو الحكومة التي تستند في وجودها إلى القواعد المحددة في الدستور أو في النظام القانوني، فإذا وجدت سلطة أو حكومة دون أن تعتمد على السند الدستوري أو القانوني فإنها تسمى سلطة أو حكومة فعلية أو واقعية، و بالتالي فهي لا تتمتع بصفة الشرعية.
المشروعية(légitimité (: تعتمد اعتمادا كبيرا على واقع القبول والاعتراف بالسلطة السياسية المعينة ؛ من قبل المواطنين الخاضعين لسيادتها ؛ بصورة سلمية وطوعية ؛ دون قهر خارجى ؛ قانوني أو روحى أو بدنى . فالسلطة ؛ سواء كانت فى حزب ؛ نظام أم مجموعة اجتماعية ؛ تمارس في ظل مفهوم السيادة ؛ وبهذا فعلى السائد أن يجد القبول بسيادته ؛ وبذلك الاعتراف بمشروعيته ؛ من قبل المحكومين .
وإننا نذهب في هذا الاتجاه على اعتبار أن الأنظمة العربية والتي ينتمي إليها المغرب دون استتثناء، تستند في مرجعيتها على مفهوم الشرعية، لأنها تدرك جيدا أنها جاثمة على إرادة الشعوب، وأنظمة وراثية أبوية تتأسس على الطاعة العمياء والانقياد لإرادة الحاكم.
2)الانتخابات البرلمانية وفلسفة التمثيل السياسي:
لا بد أن نطرح للنقاش مجموعة من المفاهيم المصاحبة لعملية الفهم حتى تتجلى بوضوح مقاصدية العملية الانتخابية، وهي في نفس الآن مبادئ أساس لجعلها مشروعة تحظى بالرضا العام والتوافق على قواعد اللعبة السياسية.
أ- مبدأ الإرادة العامة: لقد تشكل هذا المبدأ مع فلسفة الأنوار وبالخصوص ، موقف روسو، ويفهم منه بالارتباط بالتمثيل السياسي أن الانتخابات التشريعية هي الوسيلة التي يضمن بها الأفراد تجسيد إرادتهم العامة تجاه الحاكم الذي يتنازلون له عن جزء من حرياتهم من أجل ضمان الحقوق؛ وبالتالي تصبح الانتخابات إسنادا فعليا للسيادة الشعبية لفئة تمثل الشعب وتعبر عن إرادته الجماعية.
ب- مشروعية التمثيل السياسي( التعاقد الاجتماعي)، إن التجسيد العيني للسيادة بالاستناد على الإرادة العامة، تجعل ممارسة السيادة مسالة فعلية وليست مجازية ( كما هو الشأن في انتخاباتنا)، من منطلق أنها نتاج تعاقد اجتماعي توافقي، إرادي، فعلي، واقعي ( ملموس)؛ وليس تعاقدا ممنوحا(مجازي) تدعن فيه السلطة المهيمنة بأي شكل ( مباشر أو غير مباشر) إرادة الأفراد رغم المطالبات الصريحة بالتغيير.
ج- الاختيار العقلاني أساس الانتخاب: حتى إذا سلمنا بمشروعية عملية الانتخاب، هل تتم على أساس اختيار بين السلع الانتخابية(البرامج المقدمة من طرف الأحزاب) على أساس عقلاني، وما يحكم ذلك من سلوك انتخابي راشد، مبني على أساس تنافس برامج انتخابية، باعتبار أن هذه الانتخابات ستفرز حكومة تنفذ سياسات عمومية. هل سلوك المنتخِبين والمنتخَبين سلوك راشد خاضع للتنافس الشريف ويحظى بالمصداقية .
د- التنشئة السياسية ( المشروع المجتمعي أساس فكرة الدولة): إن الاختيار العقلاني هو نتاج نضج سياسي يعبر عن وعي اجتماعي؛ إن غياب التنشئة السياسية والتمييع الممنهج المجال السياسي الذي مارسه المخزن لعقود(سنوات الرصاص، والقمع السياسي) أنتج أشكالا من السلوكيات الفاقدة للمعنى، جراء العديد من المحددات الموضوعية التي أنتجت هذا الوعي الزائف( أمية، فقر، "حكرة"، قمع...)، ووسع الهوة بين الفعل السياسي والمؤسسات السياسية وبين المجتمع.
ثانيا: شرعية الانتخابات البرلمانية ومحدداتها:
يبدو أن خطاب الفاعلين السياسيين دعاة المشاركة في الانتخابات البرلمانية2011 ينطلقون من فرضية الأساس الشرعي لمرجعية العملية الانتخابية؛ بمعنى أن الانتخابات الحالية هي التجسيد الفعلي للدستور، وأنها تستند إلى حجية الشرعية القانونية التي تم تنزيلها عبر القوانين الانتخابية. والحديث عن الشرعية هنا يستبطن المشروعية، من منطلق أن الدستور يجسد الإرادة العامة وبالتالي يحقق شرط الرضا العام الذي هو جوهر المشروعية. إن هذا المنطق على علته يشيد وعيا زائفا سمته الأساسية الإيهام بالرضا، وذلك عبر آليات سياسية، تختزل أساليب صناعة الوهم التي يسوقها "المخزن" ، إن على المستوى الخارجي (الإيهام بالنموذج الهادئ للثورة)، أو على المستوى الداخلي( الاستثناء المغربي الذي يترجمه المثل المغربي" العمش ولا العمى") . وسننطلق كخطوة أولى بانتقاد هذه الفرضية العليلة لنحدد بعد ذلك مختلف مقوضات المشروعية.
الشرعية الدستورية( الحقوق السياسية): حينما نتأمل الخطاب السياسي المتفائل جدا بشرعية الانتخابات، نجد المحدد الدستوري حاضرا بقوة في تبريراته؛ وكأن ما نشهده الآن من مهزلة انتخابية يجد أساسه في الدستور الحالي، وهو ما يعطي الانطباع بشكل عكسي أن المدافعين عن الشرعية يساهمون في "خراب بيوتهم بأيديهم"، وينشئون دون وعي فهما مريبا لمضامينه؛ وتجليات ذلك سنوردها وفق منطق ومقاربة القراءة القانونية لبنود الدستور خصوصا ما يرتبط بشرعية الاستحقاقات الانتخابية :
الفصل 11 في فقرته الأولى" الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي." يبدو من خلال هذه الفقرة أن مشروعية التمثيل السياسي الديمقراطي رهينة بضمان نزاهة العملية الانتخابية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ عدم استعمال المال العام وشراء الذمم، عدم ترشيح الأعيان وعقلنة السلوك الانتخابي ،الاختيار الرشيد للمرشحين وعدم اللجوء للكائنات الانتخابية، التنافس على أساس البرامج ، الرقابة القضائية والضرب على أيدي المفسدين...إن كل تلك المظاهر والتي يبدو لدعاة المشاركة المتفائلين بانتخابات نوعية تكون نموذجا مناسبا لأجيال الربيع العربي؟؟؟ هل تم احترام هذه الشروط الدستورية؟ الجواب على لسان الأشهاد( شهد شاهد من أهلها) العشرات من التصريحات لزعماء الأحزاب المتفائلين جدا، يؤكدون استعمال المال الحرام، الاتفاق المبدئي للأحزاب ضمن ما سمي ميثاق الشرف(لمن لا شرف له) بعدم ترشيح الأعيان كان حبرا على ورق، إذ أن جل تلك الأحزاب رشحت وتوددت للأعيان في سباق محموم نحو حصد أكثر عدد من المقاعد( لأنه بات مؤكدا دستوريا تعيين رئيس الحكومة من أغلبية الأصوات)، الوجوه المألوفة للناس كرموز للفساد( الكائنات الانتخابية) مازالت متربعة على عرش اللوائح، البلطجة التي تتسكع في الشوارع لترهيب الناس...كل ذلك يؤشر على أن (حليمة عادت لعادتها القديمة) ، وأن شروط النزاهة و الشفافية الذي يرهن المشروعية لم تتحقق البتة.
القوانين الانتخابية (التوافقات المريبة): لا شك أن القانون الدستوري هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وأنه وفق الأبجديات القانونية التي يعرفها أبسط طلاب القانون، أن قواعد القانون العام عامة والقواعد الدستورية خاصة قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. بالنظر للفصل 17من الدستور " يتمتع المغاربة المقيمون في الخارج بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات.ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية،المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي. كما يحدد شروط وكيفيات الممارسة الفعلية لحق التصويت وحق الترشيح، انطلاقا من بلدان الإقامة." إن منطوق هذا الفصل لا يحتاج إلى تفسير الفقه الدستوري ولا إلى الاجتهاد لفهمه، أن يتم التوافق على إقصاء المهاجرين من حق التصويت، بالالتفاف حول هذا الحق ( التصويت بالوكالة) دون أن يكون لذلك أي تبرير موضوعي ( نقص الإمكانيات، صعوبة التحقق...)، لأن شاهد النفي لكل تلك المبررات هو مشاركتهم في الاستفتاء ولم يمر على ذلك سوى شهور قليلة. وبالنظر إلى حجم الكتلة الناخبة التي تمثلها الجالية 13% ، فضلا عن السلوك الانتخابي الراشد الذي تعبر عنه تلك الكتلة باعتبارها ألفت ممارسة الفعل الانتخابي في بيئته السليمة. كل ذلك يقوض من الأساس الشرعي للعملية الانتخابية.
في كل الأدبيات السياسية طريقة الاقتراع عامل حاسم في رسم الخريطة الانتخابية، ولقد عرف المغرب أشكالا من الاقتراع على مر تاريخه مع الانتخابات التشريعية؛ وللاستشهاد فقط أن الانتخابات التشريعية الأولى في مغرب ما بعد الحماية ( ماي 1963 )، طالبت كل القوى الديمقراطية بالاقتراع عبر اللائحة باعتبارها الآلية التي تمكن الفعل السياسي من التنافس حول البرامج عوض الرهان على الأشخاص؛ وهو ما استدعى الملك الحسن طلب الفتوى من الفقيهين "اندري دولوبادير"André de ) (laubadére و "موريس ديفيرجي" ( Maurice duverger)والتي كانت لصالح من يقترح الاقتراع الأحادي الاسمي ذا دورة واحدة، وذلك من اجل إضعاف الأحزاب واختزالها. منذ عهد طويل والمخزن يستغل هذه الآلية من أجل بلقنة المشهد السياسي وإضعافه. ورغم الاختيار في نهج طريقة الاقتراح باللائحة كوسيلة لعقلنة العمل الحزبي، إلا أنها تبدو موقوفة التنفيذ ما لم يتم رفع العتبة أو السد الانتخابي من أجل دفع الأحزاب إلى التكتلات . إن النقاش الذي طرح حول رفع العتبة ( 8%) لا ينبغي أن يخضع للمزايدات السياسية، ولا للتوافقات الحزبية، لأنه رهان استراتيجي من شأنه أن يعيد تأثيث المشهد الحزبي ويؤهله لخوض رهان التمثيل السياسي الديمقراطي الذي بشرنا به الدستور.
- اللوائح الانتخابية: يبدو أن المعضلة الكبرى للشرعية هي التحديد الدقيق للكثلة الناخبة عبر لوائح انتخابية حقيقية تعكس الحجم الحقيقي للهيئة الناخبة، وبالنظر للرقم الذي تم الإعلان عنه من طرف وزارة الداخلية ( 13 مليون...) والذي لا يعكس من قريب أو من بعيد حجم الكتلة الناخبة قياسا بالمعطيات الديموغرافية، فضلا عن سوء استخدام معايير التسجيل ( معيار الإقامة الفعلية / ومعيار بطاقة التعريف الوطنية)؛ ويتضح ذلك بجلاء من خلال المعطيات الإحصائية لآخر انتخابات 2009: 74.82 مسجلون على أساس البطاقة الوطنية، 18.12 مسجلون على أساس الإقامة، 12.6 على أساس الحالة المدنية، 4.5 على أساس مكان الولادة. يبدو أن اللوائح الانتخابية كىلية للتحكم في المشهد الانتخابي لم تشهد توافقا ولا رضا من طرف الأحزاب السياسية، مما يمس أحد المرتكزات الأساسية لتجسيد الانتخابات للتمثيل السياسي. والمقصد في ذلك ظاهر للعيان، أولا أن الإسراع في إجراء الانتخابات ، والارتباك الذي صاحب عملية تحديد توقيت الانتخابات، جعل عملية إعادة تدقيق اللوائح الانتخابية ارتجالية وغير متناسبة مع رهان التغيير الذي طبع تصورات الفاعل السياسي للعملية الانتخابية كشكل من أشكال الإصلاح والتغيير الذي بشر به الخارج والداخل؛ ثانيا أن التدقيق والتحديد الفعلي من شانه أن يعري واقعا مريرا يعاني منه المشهد السياسي وهو نسبة المشاركة. يبدو أن كل تلك الأسباب كانت كافية لإعادة إنتاج نفس الوضع القائم على أساس معطيات تفهمها أروقة وزارة الداخلية جيدا، لان أي تدقيق في اللوائح الانتخابية لا محالة سيربك الآلة الانتخابية والخبرة الطويلة في صناعة المشهد السياسي.
الحياد الايجابي: الفصل 11 في فقرته الثانية يحدد شرطا أساسيا لمشروعية التمثيل الديمقراطي"السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم." يبدو أنه إلى حدود هذه اللحظة والحملة الانتخابية حامية الوطيس، ليس هناك أدنى مؤشر على ممارسة الإدارة لمفهوم الحياد الايجابي الذي نص عليه الدستور صراحة. فالإشراف القضائي على الانتخابات ، فضلا عن التضخم في النصوص القانونية الزجرية التي تعج بها القوانين الانتخابية، لم تستطع الحد من استعمال المال وتطبيق القانون الذي يعتبر التجسيد الفعلي لمفهوم الحياد الايجابي. ويبدو أن هناك خلط بين الحياد الإداري الذي يضمن عدم تدخل السلطة والإدارة عموما سواء بمواردها المادية أو البشرية ، وبين الحياد الايجابي الذي يعني تطبيق القانون على المخالفين للقوانين الانتخابية.
- التقطيع الانتخابي( خارج اختصاص البرلمان): إن آلية التقطيع الانتخابي من أهم الوسائل التقنية لصناعة المشهد الانتخابي والتحكم فيه بطريقة غير مباشرة، ولوزارة الداخلية باع طويل في الهندسة الانتخابية. ولن نناقش هذه الآلية من منطلق سوء الضن أو حسن الظن، بل نناقشها من أساسها الشرعي القانوني، لأن التقطيع الانتخابي ومجال محجوز لوزارة الداخلية، رغم أنه يدخل في الاختصاصات الأصلية للسلطة التشريعية؛ ولن نذهب بعيدا في الاستشهاد على ذلك أبعد من جيراننا ( موريطانيا، والجزائر...) . عن إسناد التقطيع الانتخابي للسلطة التنفيذية عامة ووزارة الداخلية خاصة ينتقص من مصداقيته كشرط أساسي لنزاهة الانتخاب والتمثيل الديمقراطي.
من خلال ما تقدم نستشف أن الأساس الشرعي الذي يتحجج به المتفائلون من دعاة المشاركة من أجل التغيير يحتاج للركائز الأساسية، ويتناقض مع العديد من اشتراطات الشرعية؛ فماذا عن المشروعية؟.
ثالثا: مقوضات المشروعية:
إذا كانت الانتخابات البرلمانية 2011 تفتقر لأدنى شروط الشرعية، فإنها لا تستند بالقطع إلى أي أساس من المشروعية. وذلك للاعتبارات التالية:
1) طبيعة البنية السياسية : لا شك – كما أسلفنا – أن أساس مشروعية أية انتخابات تشريعية هو تجسيد الإرادة العامة التي تحقق السيادة الفعلية للشعب؛ إن هذه المقدم تطرح سؤالا محرجا للغايةك من يحكم؟ ومن بيده القرار السياسي؟ وهل للبرلمان كممثل للأمة سلطة سياسية ؟
إذا كان السؤال محرجا فغن الجواب أكثر إحراجا، باعتبار أن المتفائلون دعاة المشاركة من أجل التغيير، يحاولون إقناع الناخبين بالمشاركة بطرح سؤال خاطئ لماذا لا نشارك؟، في حين أن السؤال الحقيقي هو لماذا نشارك؟. ونحن نذرك جيدا ودون عناء ولا مراء أن القرار السياسي لا يصنع بإرادة الصوت الانتخابي؛ في ظل غياب أهم شرط لضمان تجسيد الإرادة العامة وهو فصل السلط؛ هذا الأخير يضمن ممارسة البرلمان للسلطة التشريعية التي تعني تمثيل الأمة والدفاع عن حقوقها، أو من خلال ممارسة السلطة الفعلية التي تفرزها صناديق الاقتراع من خلال حكومة تمثل اختيارا شعبيا لتحقيق مطالب واحتياجات المواطنين عبر سياسات عمومية. إن كل ذلك غير واضح ولا يستند على ضمانات سياسية حقيقية لممارسة الفعل السياسين سواء كانت ضمانات قانونية دستورية، أو ضمانات سياسية بناءا على التعاقد السياسي الذي تفرزه الثقة في فئة سياسية تجسد الإرادة الجماعية.
يبدو أن القرار السياسي لا تفرزه صناديق الاقتراع وهو ما يعطي الانطباع أن العملية الانتخابية غير محددة للاختيار السياسي الشعبي، إلا بعد توافقه مع الإرادة الملكية في إحداث التغيير، و في تحديد التيارات الفائزة بالأغلبية، هذا المعطى يفرغ مشاركة الرأي العام المغربي من أساسها ما دامت متوقفة على إرادة الفاعل الرئيسي في النسق السياسي لإقرارها و تنفيذها.كما أن العملية الانتخابية لا تعدو أن تكون أداة لشرعنة ميكانيزمات النسق السياسي القائم و الذي ترسم قواعده بعيدا عن إرادة الرأي العام المغربي.
2) الأحزاب مجرد جماعات مصالح: ( التأطير الحزبي): إن من أبرز ملامح غياب المشروعية في العملية الانتخابية هو افتقارها للشرط الأساسي الذي يحدد قواعد اللعبة السياسية، هو أحزاب قادرة أن تخوض غمار التنافس السياسي؛ وهو ما يفتقر إليه المشهد السياسي، باعتبار أن هذه الأحزاب نفسها في الغالب الأعم تفتقر للمشروعية ( فاقد الشيء لا يعطيه)، ولا تحظى بثقة المواطنين وتعوزها القدرة على التأطير والتعبئة. بل أنها أكثر من ذلك راهنت من خلال الاستحقاقات الحالية على اعادة الثقة للمؤسسات السياسية من أجل إعادة بناء مشروعيتها. ودليلنا على ذلك:
الرهان على المشاركة الانتخابية مطلب حيوي لكل الأحزاب السياسية، بل أنه أولوية الأولويات رغم أن المشاركة السياسية مسألة بديهية وطبيعية لا تستحق أن تكون مضمونا يهيمن على الحملة الانتخابية لكل الأحزاب السياسية. وطلك راجع في اعتقادنا، أن هذه الأحزاب ترهن مشروعيتها بنسبة المشاركة السياسية، وهو لعب بالنار سيكتوي به المشهد السياسي لا محالة إن علا صوت المقاطعة ( ما لم تحدث معجزة).
لا شك أن ضعف التأطير عامل حاسم في فقدان المشروعية، ومن المؤشرات الدالة على ذلك هو نسبة تغطية الدوائر الانتخابية؛ 8 أحزاب من أصل 31 تمكنت من تقديم لوائح ترشيح في 80 دائرة ، 6 أحزاب ما بين 49 و79 دائرة انتخابية، 17 حزبا تقدمتى بترشيحات في أقل من نصف عدد الدوائر الانتخابية. إن هذه المعطيات تدل بالملموس على عجز معظم الأحزاب السياسية على تغطية الدوائر الانتخابية مما ينم عن سوء التأطير والقدرة على إقناع المواطنين بالمشاركة والانخراط في الأحزاب السياسية.
افتقاد الأحزاب السياسية لمصداقيتها كمؤسسة تساهم في تأطير المواطنين وتمثيلهم، إن سلوكها الانتخابي يجعلها مجرد دكاكين سياسية تفتح في كل استحقاق انتخابي من أجل التنافس حول توزيع المقاعد واقتسام المناصب؛ وهو ما يحولها لمجرد جماعات مصالح لا تمثل المواطنين ولا تعبر عن اختياراتهم وطموحاتهم.
افتقادها للمصداقية ينبع أيضا من غياب الوضوح الإيديولوجي، والتشابه المريب لبرامجها؛ وهو ما يصنع الارتياب في اختيارات الأصوات الواعية( على قلتها) للبرامج السياسية التي تتوافق مع تطلعاتها وآمالها.
البلقنة والتشتت الذي يطبع المشهد الحزبي، سواء كان بفعل فاعل( الأحزاب الإدارية التي يصنعها المخزن مع كل استحقاقات انتخابية)، أو عفوية بفعل الثقافة السياسية والممارسة الحزبية التي تغيب فيها الديمقراطية والشفافية.
3) تراجع نسبة المشاركة السياسية / الانتخابية:
- سنة 1963 حيث سجلت نسبة 72.80% إن أهم مظاهر المقوضة لمشروعية التمثيل السياسي هي نسبة المشاركة السياسية، وبالتأمل في المعطيات التالية:
- انتخابات 1977 حيث بلغت 82.36%
- سنة 1984 بلغت 67.43% ،
- سنة 1993 بلغت 62.75 % ،
- انتخابات 1997 حققت بعد ذلك نسبة 58.30% ،
- استحقاقات 2002 تراجعت إلى 52%،
- استحقاقات 2007 تراجعت ل 37%، دون احتساب 17% من الأصوات الملغاة، مما يجعل النسبة لا تصل إلى الربع 20%. وهو ما يطرح سؤالا محرجا أيضا: عن أية تمثيلية يتحدثون؟ .
إن ما يقلق إزاء هذه المعطيات، ليس النسبة في حد ذاتها، بل التبرير والتفسير الذي يقدمه المتفائلون . وهو ما يسمونه بالعزوف السياسي اجتراءً وافتراءً. فنسبة المشاركة المتهرئة والتي يعترف بها " المخزن" وقد دق ناقوس الخطر مرارا بمسميات مختلفة ( السكتة القلبية، الأفق السياسي المسدود، الأزمة السياسية...). وتفسيرنا لضعف المشاركة ينطلق من المبررات التالية:
* إن لا مبالاة المغاربة لا تعني عزوفا سياسيا بقد ما هي موقفا سياسيا وفقدانا للثقة في المؤسسات السياسية.
*العزوف معناه أن السلطة السياسية لن تمارس كاملة؛
* العزوف يحدد وجودا وعدما مقدار مشروعية السلطة وشرعية قراراتها؛
وفي اعتقادنا أن الاستحقاقات الحالية ذات صبغة خاصة، باعتبار أن النظام المستغني أصلا عن المشروعية التمثيلية باعتبار أنه يتأسس على مرجعيات خارج المشروعية التمثيلية( المشروعية التاريخية، الدينية، الدستورية)ن رهن مشروعيته كما هو الشأن بالنسبة للاستفتاء بمصداقية الانتخابات البرلمانية؛ وهو ما يعني المجازفة والجموح السياسي الذي يمارسه " المخزن" تجاه منافسيه، والاختيارات الارتجالية التي تسابق زمن الربيع العربي دون أن تعي جيدا جوهر وحجم التحولات التي يحدثها إقليميا ودوليا.
من خلال ما سبق نستنتج أن الانتخابات البرلمانية 2011 منقوصة الشرعية وتفتقد للمشروعية اللازمة لكسب رهان الانتقال الديمقراطي الحقيقي.
رابعا : محددات مشروعية العملية الانتخابية:
ولن نختم هذه الورقة دون أن نقترع الأسس التي تقوم عليها شرعية العملية الانتخابية كما هو الشأن في الدول التي تحترم نفسها، وتقدر مواطنيها باعتبارهم مكتملو الإرادة والمواطنة وليسوا مجرد رعايا يمارس بحقهم الحجر السياسي تسويق الوهم بانتخابات زائفة تفتقر للحد الأدنى للشرعية، فكيف تكون نموذجا للربيع العربي؟. نقترح لبلوغ ذلك على سبيل المثال وليس الحصر:
1) التوافق السياسي على ميثاق سياسي يحدد بوضوح قواعد اللعبة السياسية( تعاقد اجتماعي)؛
2) إقرار قيم المواطنة ورد الاعتبار لإرادة الرأي العام بالقضاء على العوائق الهيكلية:
- الفقر والأمية؛
- ضعف التنشئة السياسية والتاطير السياسي؛
- إعادة هيكلة الحقل الحزبي؛
- تخليق الحياة السياسية.
3) إعادة الاعتبار للمؤسسات السياسية( مشروعية النظام السياسي/ الملكية البرلمانية)؛
4) انخراط الطبقة الوسطى بوضوح الأفق السياسي للارتقاء السياسي والسوسيو- اقتصادي( الحكامة الجيدة/ ربط المسؤولية بالمحاسبة...).
خلاصة القول أمام كل هذه المعطيات يمكنني أن أدعي متشائما، أنني أقاطع الانتخابات الحالية للأسباب السالفة الذكر. قد أكون غير مقنع للآخرين ولكنني مقتنع كل الاقتناع، بأنني أمارس قناعتي من منطلق معرفتي ومكتسباتي العلمية حتى لا أكتب ممن يلجمون بلجام من نار، لأنني كتمت علما.
ما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، والله من وراء القصد.
دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس
الاجازة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس
أستاد التعليم العالي مساعد بمركز تكوين مفتشي التعليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.