مع غروب الشمس في عطلات نهاية الأسبوع، يتحول كورنيش طنجة إلى وجهة مزدحمة بالمارة الذين يتجولون على طول هذا الممشى المطل على شاطئ المدينة الساحر. وسط هذا الزخم، تظهر فتيات وطفلات في عمر الزهور، يحملن باقات ورد ملونة، يلوحن بها محاولات جذب انتباه العشاق والمارة الذين يمرون بالقرب منهن. وعلى طول الكورنيش الممتد لثلاثة كيلومترات، تنتقل هؤلاء الفتيات بخفة بين مجموعات العائلات والأزواج، حيث يرفعن باقاتهن في الهواء في محاولة لإقناع الزوار بشرائها. وبينما يستمتع افراد العائلات مع أطفالهم وهم يلعبون ويمرحون، تقف هؤلاء الفتيات على هامش المشهد، يحملن عبء الحياة بكل بساطة، ويسعين لتأمين قوت يومهن. يتنقلن بين المتنزهين بعينين مليئتين بالأمل، بينما تتسم حركاتهن بالمرونة والسرعة، في مشهد يعكس مزيجًا من البراءة والمثابرة. لكن وراء هذا المشهد البهيج يكمن واقع مرير يتجاوز ما يظهر على السطح. ليلى، 12 عامًا، تبتسم ابتسامة خجولة وتقول: "أساعد أمي لأنها مريضة ولا تستطيع العمل.". بينما سارة، 16 عامًا، تشير إلى أنها تضطر لبيع الورود لأن عائلتها بحاجة إلى المال. تقول سارة: "أبي لا يعمل، ونحن نحتاج إلى هذا المال.". في حين تعبر فاطمة، 14 عامًا، عن مخاوفها من أن تضيّع فرصة التعليم بسبب هذا العمل. "إذا استمريت في العمل هنا، سأضيع فرصتي في الدراسة"، تقول بقلق. ويعكس الهندام الرث لهؤلاء الفتيات وضعهن الاجتماعي الصعب. فملابسهن البالية تُظهر بوضوح الظروف الاقتصادية التي يعشنها. فزهورهن، رغم جمالها ورائحتها العطرة، تحمل في طياتها مرارة الاستغلال، إذ يُجبرن على بيع الزهور في وقت كان من المفترض أن يكنّ فيه مشغولات بالدراسة أو اللعب. وعوضًا عن أن يكون وقتهن مخصصًا للطفولة، يجدن أنفسهن في مواجهة واقع قاسٍ يجبرهن على القيام بدور التاجر الصغير في شوارع المدينة. في حديث مع فاطمة، التي تبيع الزهور يوميًا على الكورنيش، تشير إلى أنها لا ترغب في الاستمرار في هذا العمل، إلا أن الحاجة الماسة للمال تدفعها لذلك. "أريد أن أكون مثل باقي الأطفال، أريد أن أذهب إلى المدرسة وأن أستمتع بوقتي"، تقول بحسرة. بينما تقول ليلى: "العمل هنا صعب، ولكن لا يوجد خيار آخر." هذه الظاهرة تجسد جزءًا من الواقع الذي يعاني منه العديد من الأطفال في مدينة طنجة، حيث يُجبر الكثير منهم على العمل في الشوارع لأسباب اقتصادية واجتماعية. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال يظهرون براعة في إقناع الزوار بشراء الزهور، فإن هذا النشاط يعكس مرارة الاستغلال، ويضعهم في مواجهة مع تحديات تفوق أعمارهم. تشير المنظمات المعنية بحقوق الأطفال إلى أن العمل في الشوارع يُعتبر انتهاكًا لحقوقهم الأساسية، فهو يحرمهم من حقهم في التعليم، ويهدد بزيادة دائرة الفقر التي تُجبر العديد منهم على التواجد في هذه المهن في سن مبكرة. ويؤكد هؤلاء أنه من الضروري توفير حلول تدعم هؤلاء الأطفال وتمكنهم من الحصول على تعليم وفرص أفضل بعيدًا عن استغلال الطفولة. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال قائمًا: هل يُسمح للأطفال بأن يتحملوا عبء الحياة في وقت كان من المفترض أن يكون مخصصًا للبراءة والنمو؟ تظل هذه الظاهرة تثير تساؤلات أعمق حول طبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يفرض على هؤلاء الأطفال تحمل أعباء تفوق أعمارهم.