في العديد من أحياء مدينة طنجة، لم يعد الليل مرادفًا للسكينة، بل تحول إلى موعد يومي مع أصوات المحركات الصاخبة، وصراخ العجلات على الإسفلت، وسباقات استعراضية يقودها شباب بدراجات نارية وسيارات معدلة، حولوا الشوارع إلى حلبات عرض مفتوحة تحت أعين السكان المذعورين وعدسات الهواتف الذكية. في أحياء مثل مسنانة، بني مكادة، كاساباراطا وشارع فاس، يقف السكان في شرفاتهم بين الغضب والخوف، يتابعون عروضًا ليلية تبدأ في الغالب بعد منتصف الليل. سيارات تلتفّ بشكل خطر عند الزوايا، ودراجات تسير على عجلة واحدة بسرعة جنونية، وسط زقاق ضيق لا يترك هامشًا لأي خطأ. "نشعر أننا رهائن في منازلنا. أبناؤنا لا ينامون، وكبار السن يعيشون تحت ضغط دائم"، تقول فاطمة، ربة بيت تقطن بحي فال فلوري. ورغم تدخلات مصالح الأمن الوطني، التي كثّفت من حضورها الميداني وأقامت سدودا قضائية متنقلة، يبقى وقع الظاهرة أقوى من مجرد دوريات ظرفية. وفي غياب كاميرات مراقبة في عدد من الأحياء، يجد المستعرضون متسعًا للمناورة، ما يعقّد جهود الملاحقة. غير أن السلطات الأمنية تراهن على رصد استباقي للظاهرة من خلال التفاعل مع ما يُنشر على الإنترنت. "نحن نتابع عن كثب المحتويات التي تُنشر على منصات التواصل، خصوصًا الفيديوهات التي تُوثّق السياقة الاستعراضية في الشارع العام"، يقول مصدر أمني، مضيفًا أن "العديد من التدخلات الأخيرة تم تنفيذها بناءً على صور ومقاطع فيديو نُشرت علنًا من طرف المتورطين أنفسهم، أو أرسلها المواطنون عبر قنوات التبليغ". ويؤكد المصدر أن "المصالح الأمنية بطنجة تقوم بتتبع يومي لنقاط التوتر، وقد تم في الفترة الأخيرة حجز عدد من الدراجات والسيارات، بعضها غير قانوني أو دون وثائق، وتم تحرير مخالفات صارمة وإحالة البعض على النيابة العامة". الظاهرة، التي تفاقمت بشكل لافت، استدعت تدخلًا برلمانيًا أيضًا. ففي نونبر الماضي، وجّه النائب عن فريق الاتحاد الدستوري، نور الدين الهروشي سؤالًا كتابيًا إلى وزير النقل واللوجيستيك عبد الصمد قيوح، لفت فيه إلى أن "العديد من المدن تعرف تجول دراجات نارية تتم سياقتها بطريقة متهورة ومستهترة بأرواح السائقين والراجلين وممتلكات المواطنين"، مؤكدًا أن هذه الدراجات غالبا ما تكون في يد شباب أو حتى قاصرين، وتُستعمل بطرق تنطوي على خروقات متعددة، من بينها "السياقة بدون خوذة، ودون تأمين، أو بمركبات تم تعديل محركاتها وأضوائها بشكل غير قانوني". وأثار النائب البرلماني ما تسببه هذه الظاهرة من "معاناة نفسية ومادية لذوي الضحايا"، متسائلا عن الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها للحد من هذه الممارسات. في شوارع طنجة، يتكرر المشهد كل ليلة تقريبا، متجاوزا حدود المتعة العابرة ليصبح تهديدا صريحا للنظام العام. منصات التواصل، بدل أن تكون أداة للتبليغ فقط، تحولت في أحيان كثيرة إلى منبر لتبادل مواقع التجمعات الليلية، ونشر تحديات بين مجموعات من المستعرضين، مما يكرّس طابعا تنافسيا وخطيرا بين من يسعون للظهور ولو على حساب الأرواح. ورغم أن الأمن يعلن بشكل دوري عن حجز مركبات ومتابعة المتورطين قضائيا، إلا أن السكان يعتبرون ذلك غير كافٍ. "نريد كاميرات، رادارات، غرامات رادعة، وأيضًا حملات توعوية للشباب"، يقول يوسف، موظف شاب يسكن بمنطقة كاساباراطا. في مدينة تتسارع وتيرة تحضرها، وتطمح لتكريس صورة آمنة وحديثة، تطرح السياقة الاستعراضية تحديًا حقيقيًا، يتجاوز مجرد خرق قانون السير، ليمسّ في العمق الإحساس العام بالأمان في الفضاء العمومي.