افردت صحيفة فرنسية ملفا خاصا عن مدينة طنجة، استعرضت فيه ما وصفته بتحول عميق تعيشه هذه الحاضرة الواقعة عند مفترق الطرق بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، حيث تتقاطع الأسطورة مع التحديث، ويعيد المكان تشكيل ذاته بهوية مزدوجة، تجمع بين ذاكرة لا تمحى وطموح عمراني لا يتوقف. وأبرزت صحيفة "لوفيغارو" ضمن ملف تحت عنوان "طنجة، ماذا ترى وماذا تزور؟ شواطئ، مطاعم، فنادق، نصائح ودليل سفر"، ملامح مدينة لم تعد مجرد محطة عابرة في شمال المغرب، بل وجهة قائمة بذاتها، تفرض إيقاعها الخاص وتغري زوارها بمزيج نادر من الجمال والدهشة. واستعرض الملف الجانب الثقافي لطنجة من خلال عدسة التاريخ والأسطورة، باعتبارها نقطة التقاء لموجات بشرية وفكرية تعاقبت على مرافئها وساحاتها وأسوارها. المدينة التي كانت في زمن ما ملاذا للمهربين والمغامرين والفنانين والمتمردين، تحولت اليوم إلى فسيفساء حية يقود نبضها جيل جديد من المبدعين المغاربة، رسامين وكتابا ومصورين ومهندسين يعيدون تعريف المكان بروح معاصرة دون التفريط في نكهته القديمة. وتوقفت الصحيفة عند حضور جيل بيت الأمريكي في طنجة، وولع بول بولز بها، كما أشارت إلى المقاهي التي تحتفظ بذات الطاولات التي جلس عليها الغرباء الهائمون في عواصم الجنوب. وفي وصفها للتحول الحضري، تناولت "لوفيغارو" بروز طنجة كقطب حضري صاعد، تضاعف عدد سكانه في ظرف وجيز، مدفوعا بمشاريع بنيوية كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط الذي غيّر خريطة الملاحة في غرب البحر الأبيض المتوسط، وخط القطار الفائق السرعة الذي جعل الوصول إلى المدينة أسرع من أي وقت مضى. وتوقفت الصحيفة عند الطفرة السياحية التي رافقت هذه الدينامية، من خلال فنادق راقية تعيد رسم مشهد الضيافة، مثل "قصر فيرمونت طازي" و"فيلا مبروكة"، والتي تمزج بين الفخامة والإرث المعماري المحلي. وتناول الملف أيضا التجربة الفنية والاجتماعية التي تتجلى في فضاءات ثقافية مثل مكتبة "ليز إنصوليت"، ومعرض "فاكتوري"، ومراكز الفن المعاصر التي باتت تحتضن أعمالا لمبدعين شباب من داخل المغرب وخارجه. كما سلط الضوء على مبادرات نسائية تضامنية مثل مطعم "دارنا"، حيث تشتغل نساء المدينة على تقديم أطباق مغربية تقليدية في فضاء يحفظ لهن الكرامة ويمنح الزوار لحظة دفء إنساني نادرة. وعلى مستوى التجربة الميدانية، اقترح الملف برنامجا سياحيا يمتد ليومين، يبدأ من ساحة السوق الكبير مرورا بأزقة المدينة القديمة ومتحف القصبة ومقهى الحافة الشهير، وصولا إلى كهوف هرقل ومنحدرات رأس سبارتيل، حيث تختلط زرقة البحر بخضرة الغابة. ووسّع الدليل دائرة الاستكشاف نحو مدن قريبة مثل أصيلة والعرائش، وموقع ليكسوس الروماني، لتقديم رؤية شاملة عن شمال المغرب كوجهة سياحية متكاملة ومتعددة الطبقات. وترى "لوفيغارو" أن طنجة لا تقدم نفسها لزائرها كمدينة عادية، بل كأفق مفتوح على الحلم، تقوده الأزقة البيضاء والواجهات المفتوحة على البحر، وتغذيه ذاكرة كثيفة من الشعر والعبور والمقاومة والدهشة. مدينة لا تزال تستدرج الأرواح، وتترك في وجدان من يزورها أثرا لا يمحى، كما لو أن كل زاوية فيها تهمس بسر لم يكتمل بعد.