لا نحتاج اليوم إلى استعراض السيرة الفنية الطويلة للراحل محمد الشوبي، ولا إلى الدفاع عن آرائه أو توضيح مواقفه، فقد عاش حياته وفنّه بصدق وجرأة، وهو ما يجعلنا نلتقي اليوم لا لنرثيه، بل لنحتفل بآثاره، ونحيي ما زرعه فينا من حب للفن والمعرفة والحرية. لقد شكل محمد الشوبي، منذ بداياته في مسرح الهواة بمراكش، حضورا فنيا استثنائيا. موهبته الفطرية التي صقلها عبر التكوين الأكاديمي بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، جعلت منه أحد أبرز الوجوه في المسرح والسينما والتلفزيون بالمغرب. لكن فنه لم يكن مجرد مهنة، بل كان موقفا ومسؤولية، ينبع من إحساس عميق بالانتماء إلى الناس، إلى قضاياهم، وإلى أسئلتهم الوجودية والاجتماعية. امتلك الشوبي ثقافة واسعة وقلقا فكريا خلاقا، قل نظيره بين الفنانين. كان قارئا نهما، ناقدا لا يرضى بالمسلمات، ومبدعا ينحت بالكلمة كما بالشخصية التي يؤديها. كتب القصة والشعر، وترك لنا من خلالهما أثرا وجدانيا رفيعا يُعبر عن إنسان يرى في الفن ساحة للمساءلة لا للراحة. في مسيرته، اشتغل مع كبار المخرجين المغاربة والعرب، وشارك في أعمال شكلت ذاكرة أجيال، لكنه ظل دائما وفيا لاختياره الأصعب: أن يكون صادقا. أن يختار الأدوار التي تشبهه وتشبه أسئلته، أن يقف من الفن موقف المجتهد لا المستهلك، موقف الفنان–المواطن الذي يكتب ويُصور ويُشخص، لكنه أيضا يُسائل، يُناقش، ويُقاوم السطحية والتسطيح. رحل محمد الشوبي جسدا، لكنه باق فينا ما بقي الفن موقفا، والكلمة مسؤولة، والمسرح بحثا عن الإنسان. رحمك الله يا محمد، أيها العزيز، الصادق، القلق الجميل… سنشتاق إلى دفء حضورك، لكننا سنظل نستحضرك كلما ضاقت بنا السبل، وكلما احتجنا إلى المعنى.