من لا يعرف جزيرة ليلى، قد يظن انها مجرد صخرة مهجورة وسط البحر الابيض المتوسط، لا تتعدى مساحتها بضع هكتارات، ولا تقطنها سوى طيور البحر. لكنها بالنسبة للمغاربة، اكثر من مجرد نتوء صخري في عرض البحر. انها جزء لا يتجزأ من المجال البحري التابع لعمالة المضيقالفنيدق، وامتداد طبيعي للتراب الوطني فوق مياه الشمال. مرت 23 عاما على الحادثة. ففي صيف 2022، نزلت فرقة من القوات المساعدة فوق الصخرة، في اطار مهمة ميدانية لمكافحة التهريب والهجرة غير النظامية، وهي ظواهر تنشط على امتداد مضيق جبل طارق، خاصة في المواقع غير المأهولة. وبالرغم من أن العملية كانت محدودة في الزمان والمكان، وتندرج ضمن الصلاحيات الاعتيادية التي تمارسها السلطات المغربية في مجالها البحري، فإن مدريد اختارت التصعيد، وردت بعملية عسكرية شاركت فيها وحدات من الكوماندو والمروحيات والزوارق، وكأنها تستعيد موقعا استراتيجيا بالغ الاهمية. لم يكن الامر يتعلق الا بصخرة جرداء على مرمى البصر من شاطئ بليونش، لكنها فجأة تحولت الى ملف سيادة مفتوح. لذلك، لا يمكن قراءة الحدث خارج سياقه السياسي. ففي تلك المرحلة، كانت اسبانيا تعيش تحت هيمنة الحزب الشعبي بقيادة اليميني خوسي ماريا اثنار، بزخم قومي متشدد، وتحالف وثيق مع الادارة الامريكية، وميل واضح الى اظهار القوة في ملفات السيادة. وقد وجدت حكومة مدريد في جزيرة مهجورة فرصة لارسال اشارة داخلية، اكثر من كونها رد فعل على تحرك مغربي هادئ. الرباط من جانبها لم تنجر الى المواجهة. سحبت عناصرها دون ضجيج، لكنها لم تتراجع عن موقفها. تركت الصخرة كما كانت، دون ان تتخلى عن الحق الطبيعي في اعتبارها جزءا من التراب الوطني. ومنذ ذلك الحين، بقيت الجزيرة على حالها، فارغة من اي وجود بشري، لكنها مشحونة بالرمزية الجغرافية والقانونية. ما يكشفه هذا الحادث، بعد اكثر من عقدين، ليس فقط حساسية ملف الجزر المغربية المحتلة، بل ايضا هشاشة الخطاب الاسباني حين يتعلق الامر بالتراب المغربي. فمدريد، التي تدافع بقوة عن وحدتها الترابية في كتالونيا والباسك، تنكر على المغرب الحق نفسه في استرجاع مناطقه الخاضعة لامتداد استعماري لم يُصف بعد. والمغرب لم يُحوّل الحادث الى شعار، ولم يحتفل به كذكرى، لكنه لم ينسه ايضا. تركه كجُملة ناقصة، وكُتلة صامتة فوق سطح الماء، تذكّر من يعنيه الامر بان السيادة لا تُقاس بحجم المساحة، بل بشرعية الارض وانتمائها. جزيرة ليلى ما تزال هناك. لا تتحرك. لكنها تُربك. لا تصدر بيانات، لكنها تقول الكثير. لا تتغير، لكنها تُذكّر بأن ما كُتم تحت الماء، قد يظهر يوما الى السطح. وفي زمن تُعيد فيه الدول رسم خرائط نفوذها، بهدوء او بصخب، تبقى الصخرة الصامتة شاهدة على ان الجغرافيا لا تموت. وان الوطن، مهما بدا صغيرا على الخريطة، يبقى اكبر من ان يُمحى.