مع حلول المساء، يتخذ كورنيش طنجة طابعا خاصا. أضواء ناعمة تنعكس على الأرصفة الواسعة، أصوات الأطفال تختلط بنسيم البحر، وزوار يتنقلون بين مقاعد إسمنتية موزعة على طول المسار الساحلي. هنا، عند "البلايا" كما يسميها سكان المدينة، تنبض طنجة بحيويتها اليومية على امتداد أربعة كيلومترات من ميناء طنجةالمدينة حتى مشارف مالاباطا. ويمتد هذا الفضاء المفتوح بمحاذاة الشاطئ في انسياب عمراني يعكس تداخلا بين البحر والمدينة. وعلى الرغم من كونه مجالا مفتوحا للراحة والتنزه، فإنه يختزن أيضا قصة تحول حضري عميق بدأ منذ سنة 2014، عندما خضع الكورنيش لعملية تهيئة شاملة في إطار برنامج إعادة توظيف المنطقة المينائية، تزامنا مع انطلاق مشروع "طنجة الكبرى" الذي شكل علامة فارقة في المسار التنموي للمدينة. وشملت عملية التهيئة توسعة الرصيف البحري، إعادة تنظيم الفضاءات العمومية، تركيب إنارة حديثة، إحداث مسارات مخصصة للدراجات، وإنشاء مناطق للراحة موجهة للعائلات. وقد ساهمت هذه الأشغال في تحويل الكورنيش إلى واجهة حضرية رئيسية تجذب السكان والزوار من داخل المغرب وخارجه. واليوم، بعد مرور أكثر من عشر سنوات، يستعد الكورنيش لمرحلة جديدة من التحسينات، تندرج ضمن استعدادات المدينة لاحتضان تظاهرات كبرى خلال السنوات المقبلة، في مقدمتها نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، التي سيشارك المغرب في تنظيمها إلى جانب إسبانيا والبرتغال. ومن المنتظر أن تشمل عملية التهيئة المرتقبة بعد انتهاء الموسم الصيفي، مراجعة بعض البنيات التحتية وتحسين التجهيزات الحضرية، بما يضمن ملاءمة الفضاء مع متطلبات الاستحقاقات الدولية القادمة. وتزامنا مع هذه الدينامية، تشهد المنطقة تدخلات ميدانية منتظمة تنفذها السلطات المحلية، من خلال عناصر الملحقة الإدارية الرابعة التابعة للدائرة الحضرية طنجةالمدينة. وقد انطلقت هذه العمليات منذ ثاني أيام عيد الأضحى، وتهدف إلى تحرير الكورنيش من مظاهر الاحتلال غير القانوني للملك العمومي، والتي تتفاقم عادة خلال فترة الصيف. وتركز هذه الحملات على الأنشطة غير المهيكلة التي تنتشر على طول الواجهة، مثل البيع الجائل، ونقش الحناء، وبعض ألعاب القمار الرديئة التي لا تستوفي شروط السلامة. وتحرص السلطات من خلال هذه التدخلات على ضمان نظافة الفضاء، وتعزيز الشعور بالأمن، والحفاظ على جمالية الكورنيش الذي يمثل نافذة المدينة على المتوسط. ومنذ إعادة تهيئة الكورنيش، أصبح هذا الامتداد الساحلي أكثر من مجرد مسار للنزهة. فهو مجال للتنفس الحضري، وفضاء للتلاقي الاجتماعي، ومرآة تعكس صورة مدينة تتغير باستمرار. في طنجة، حيث يلتقي الأطلسي بالمتوسط، تتحول الواجهة البحرية إلى معبر رمزي نحو المستقبل، وإلى واجهة تترجم طموح مدينة تسعى إلى تأكيد حضورها كوجهة متوسطية فاعلة وجذابة.