أمام هول الخسائر التي خلفتها الفيضانات الأخيرة في مدينة أسفي، تتجه الأنظار صوب مدينة طنجة، ليس كمنطقة منكوبة، بل كنموذج حضري راكم "مناعة هيكلية" ضد السيول، في وقت تضع فيه التحذيرات العلمية هذه المكتسبات أمام تحدي المتغيرات المناخية المتسارعة. وتبرز "عروس الشمال" كحالة استثنائية في خريطة المخاطر الوطنية، بفضل استراتيجية استباقية انطلقت فعليا منذ عام 2008. وقد نجحت المدينة، عبر ورش مفتوح ومستمر، في تعزيز صمود بنيتها التحتية من خلال مشاريع ضخمة شملت حفر أنفاق لتصريف المياه، وتهيئة الأودية الحضرية الكبرى التي كانت تخترق الأحياء، ومعالجة النقاط السوداء تاريخيا. وتوجت هذه الجهود بتدخلات حاسمة أعقبت حادثة 2021، مما مكن المدينة من استيعاب تساقطات مطرية قياسية في المواسم الأخيرة دون تسجيل خسائر بشرية أو شلل في الحركة، وهو ما يحسب كإنجاز هندسي ومجالي نوعي. غير أن هذا "الدرع الوقائي" الصلب الذي بنته طنجة، يقرأ اليوم على ضوء مقاربة علمية جديدة طرحها الدكتور عصام حجي (أكتوبر 2023). إذ تشير خلاصات الباحث إلى أن ما حققته طنجة من إنجازات يواجه الآن نوعا جديدا من التهديد لا يتعلق بحجم البنية التحتية بقدر ما يتعلق ب"سلوك الأمطار" الجديد؛ حيث أصبحت التساقطات أكثر عنفا وتركيزا في أزمنة قصيرة جدا، مما يفرض اختبارا قاسيا لمدى قدرة قنوات التصريف – مهما اتسعت – على مجاراة سرعة التدفق القصوى. وفي هذا السياق، تبدو مأساة أسفي بمثابة "جرس إنذار" يثمن ضمنيا ما أنجزته طنجة من تحصين حماها من مصير مماثل حتى الآن، لكنه يؤكد في الوقت ذاته صحة طرح حجي بأن "الأمان التام" لم يعد ممكنا بالاعتماد على التجهيزات الكلاسيكية فقط. فالإنجازات المهمة التي راكمتها طنجة جعلتها تتفوق بوضوح على مدن مجاورة كأصيلة والعرائش، اللتين لا تزالان تعانيان من هشاشة بنيوية، لكنها (أي طنجة) تظل مطالبة بتحديث مستمر لترسانتها الوقائية لمواجهة "السيول الوميضية" التي تتجاوز السيناريوهات المعتادة. وبالمحصلة، تظهر طنجة كمدينة قطعت أشواطا متقدمة في معركة البنية التحتية، محولة رصيدها من المشاريع إلى صمام أمان حقيقي، غير أن الدرس القادم من أسفي ومن قراءات حجي العلمية، يفرض اعتبار هذه الإنجازات "قاعدة صلبة" للانطلاق نحو تكيف أعقد مع مناخ لم يعد يعترف بالمعايير القديمة.