لا محالة، سيذكر المؤرخون أن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، استطاع من خلال حزب إسلامي صغير أصبح عملاقا، أن يعيد أمجاد السلاطين العثمانيين، ويخلد اسمه ضمنهم، ولن يذكر كرئيس للجمهورية العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك، الرجل المظلوم داخل العالم الإسلامي، حيث كان يريد أن يحافظ على قوميته الطورانية بدل الدولة العثمانية الاستعمارية، ولكن سيذكر كسلطان بحجم إمبراطور. لقد بنى أردوغان قصرا شبيها بجنة شداد بن عاد، وهناك اختلاف بينهما في التفاصيل، فالقصر الأردوغاني تم تشييده على مساحة 200 ألف متر مربع، وبمبلغ مالي يفوق 350 مليون دولار ويضم ألف غرفة، معدة كاملة لراحة الإمبراطور العثماني، وأطلق عليه اسمه.
لكن الكارثة هو أن يتم تشييد هذا القصر خارج القانون وضد الأحكام القضائية، التي سفهها الرئيس الامبراطور، حيث تم تشييدها فوق حديقة جعلها أتاتورك منتزها للأتراك وقفا لا يجوز قانونا البناء فوقه، لكن أردوغان قال جوابا على ذلك إنه سيبني هذا المبنى، لقد استحيى الرجل الإخواني أن يسميه قصرا، وأنه سيستقر فيه وإذا كان القضاء معهم فليذهب ليهدمه.
ومن معالم إصابة أردوغان بجنون العظمة، هو أنه قرر بناء أكبر مسجد في تركيا مطل على هضبة باسطنبول وأن يطلق عليه اسمه وأمر بدفنه داخله حين وفاته، ولجهال الحركات الإسلامية نقول إن هذه عادة كل سلاطين الدولة العثمانية.
وبمناسبة ذكر جنون العظمة، لا بأس من أن نعرج على نوبات جنون تجتاح أردوغان بين الحين والآخر، وأصيب أكثر من مرة أمام حضور كثير فتم تهريبه من قبل حرسه الغلاظ الشداد.
فكم أيها الرئيس الإسلامي من مسكن يمكن تشييده فوق هذه الأرض المغتصبة؟ لنفترض أن أردوغان ضد المساحات الخضراء فكان بإمكانه إيواء أسر كثيرة في هذه المساحة، ويسكن في قصر "بشكايا" الذي سكن فيه كل رؤساء الجمهوريات منذ كمال أتاتورك، وهو قصر يليق بمقام رئيس الجمهورية.
لكن ما يحس به أردوغان من نقص بعد فشله على كل الواجهات يريد تحويله إلى زخرفة، فقد فشل رفقة وزيره الأول داوود أوغلو فيما أسماه هذا الأخير صفر مشكلة، أي ألا تكون له مشكلة مع جيرانه، لكنه اليوم أصبح صفر علاقة، فعلاقته متوترة مع العراق وعلاقة حرب مع سوريا وتوجس مع أرمينيا وإيران ومراقبة مع الاتحاد الاوروبي، هذا الفشل يريد أن يجعل منه نصرا سياسيا يستحق عليه هذه المكافأة.
هذا القصر تم بناؤه من أموال الشعب في وقت لا تحتاج فيه رئاسة الجمهورية لسكن جديد ما دامت تتوفر على قصر ذو أبعاد رمزية، لكنها مرتبطة بالجمهورية العلمانية التي لا تليق بتوجه أردوغان الإخواني، ولا تليق برئيس وضع يده في الكثير من الصفقات عن طريق ابنه بلال الشريك مع وزير السياحة الإسرائيلي السابق.
هذا هو أردوغان الإسلامي، الذي يريد تصدير نموذجه لبلدان العالم الإسلامي، عن طريق وكلاء هنا وهناك، لا يرعى مال المسلمين بل يبني به قصرا باذخا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية ويرفض دخول قصر الجمهورية ويريد تخليد اسمه في تاريخ تركيا.
غير أن التاريخ التركي سيرفضه رفضا قاطعا، ولكن يضعه حتى في أبواب الخيانة وفقرات الزيادات التي يكتبها المؤرخون على الهامش، ولكن سيتم قبوله في تاريخ السلطنة العثمانية التي ستفتح كتابها من جديد.